تمر الولايات المتحدة الاميركية في منعطف خطير؛ فالاضطرابات السياسية والاجتماعية والانقسام الحاد في المجتمع الاميركي هو احد تعبيرات الازمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي، فقد توج ترامب سياساته العنصرية المتوحشة في تمرده على المؤسسات الاميركية، وتحريض انصاره في اقتحام الكونغرس، ما ينذر بخطر اشعال حرب اهلية، حيث اتسمت سياساته بالثقافة العنصرية المعادية للانسانية جمعاء، وكان للوطن العربي والقضية الفلسطينية خاصة نصيب من سياساته العدوانية، بمواقفه المتطرفة متجاوزا قرارات الشرعية الدولية في حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، ونقل سفارته للقدس واعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني والدعوة لضم الاراضي العربية في الضفة والجولان.إن موجات العنف التي شهدتها الولايات المتحدة بعد مقتل “جورج فلويد” في اكثر من ولاية، وفي 75 مدينة ” لم تعد احتجاجات”، بل إنه تدمير كما أورد “عمدة بلدية لوس انجليس.” إن مقتل الأمريكي الاسود من قبل الشرطة الامريكية العنصرية بطريقة مأساوية وهو يصرخ ” اريد التنفس” كان الشرارة التي فجرت الاضطرابات، واشاعة الثقافة العنصرية لمواجهة تحديات الصراع الطبقي العميق داخل المجتمع الاميركي، وقد تحول الغضب والعنف الى حركة احتجاج ليس على مستوى الاميركي وحسب؛ بل وعلى المستوى العالمي، فقد شهدت عدة عواصم عالمية احتجاجات ضد العنصرية. لقد كشفت الاحتجاجات الشعبية ان الاضطهاد ليس ذو طابع عنصري وحسب بل وقهر طبقي ايضا. فعلى الرغم من الانتشار المفزع لفيروس كورونا وارتفاع معدل الوفيات والصعوبات البالغة التي تعاني منها الفرق الطبية، والنقص في بعض المعدات، واصل ترامب تجاهل هذه الاخطار بفتح الأسواق وإطلاق النشاط الاقتصادي والمالي والتجاري خوفا من الركود وانهيار البورصات، فقد تفشى الفيروس بين العمال والفقراء المسحوقين والمحرومين من التأمينات الصحية، وكشف الوباء عن عورة النظام الرأسمالي وفشله في مواجهته، كما وظف ترامب أدواته الإعلامية بشكل مبتذل ضد الصين التي نجحت في حماية شعبها مبكرا من هذا الفيروس الخطير، وواصلت تحقيق نمو اقتصادي حقيقي في الوقت الذي يعاني الاقتصاد العالمي من حالة انكماش. ومثلما واجهت الرأسمالية المتوحشة الازمة المالية والاقتصادية في 2008 باغراق البشرية في المزيد من الكوارث البيئية والمناخية وعمقت التفاوتات الطبقية وعرضت ملايين البشر للفقر والجوع والتشرد، مقابل الثراء الفاحش لعدد محدود من كبار الرأسماليين، فقد كشف تقرير “تجمع أوكسفام للأعمال الخيرية”، ان 26 شخصا في العالم يحتكرون ثروة تصل قيمتها 1.4 تريليون دولار اميركي، اكثر مما يملكه نصف سكان العالم في عام 2020 ، في الوقت الذي يدخل الاقتصاد الاميركي في حالة ركود بعد فصلين متتالين من الانكمش، وارتفاع معدلات البطالة الى اكثر من 15% في النصف الاول من عام 2020. صحيح ان الرأسمالية نجحت بالتكيف خلال القرن الماضي، والإفلات من العديد من الأزمات من خلال ضخ الاموال المنهوبة من شعوب الارض لإنقاذ المؤسسات المالية وشركات التأمين من الانهيار دُفعت من جيوب المواطنين، فكافة المعطيات تشير الى ان الأزمة في صلب الاقتصاد الحقيقي للنظام الرأسمالي، ولم تنحصر بالسياسة المالية ونقص السيولة وحسب، فالرأسمالية تحمل في طياتها بذور ازماتها الاقتصادية، هذا ما أكده كارل ماركس في كتابه الشهير رأس المال، وما يشهده النظام الرأسمالي دليل ساطع على ذلك، لقد كشف ماركس بوضوح ان الرأسمالية تتعرض لازمات دورية ومتعاقبة مشبها أزمتها الدورية بالأجرام السماوية التي ما ان تأخذ حركة التوسع والتقلص التناوبية حتى تتجدد بشكل متواصل، وان النتائج تصبح بدورها أسبابا، ومراحل العملية المتعاقبة هذه تجدد باستمرار شروطها الخاصة وتأخذ شكلا دوريا. لقد جاءت الرأسمالية المتوحشة في الولايات المتحدة الأمريكية ب دونالد ترامب رئيسا لتخفيض الضرائب على كبار الرأسماليين، ومواجهة الخطر الحقيقي الذي يشكله الاقتصاد الصيني على الدور الاميركي، وللعودة الى السياسة الحمائية، والانسحاب من اتفاقية باريس والغاء القيود التي فرضت على صناعات البترول والفحم والتعدين وغيرها من صناعات تلويث الأرض والكوارث البيئية. فالظّاهرة الترامبية المتوحّشة إحدى مؤشرات أزمة النّظام الرأسمالي. مع ذلك؛ ان ترنح النظام الرأسمالي غير كاف لانقاذ العمال والفقراء المهمشين من تداعياته، ان لم يرافق ذلك وعيا سياسيا وتنظيميا واحزابا ثورية قادرة على تنظيم المقهورين والمضطهدين لتجاوز اسلوب الانتاج الرأسمالي. التيار الدمقراطي التقدمي الاردني

 عُدّ مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2021 على فرضية تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بمعدل 2.5% خلال السنة القادمة… بعد انكماش اقتصادي قدرته الحكومة 3% سالب خلال العام الحالي… وبعد سنوات من مرواحة النمو  بين 1.9 – 2 % قبل دخول جائحة كورونا… من المعروف ان هناك علاقة مباشرة بين معدلات النمو الاقتصادي وايرادات الخزينة، فهي معادلة محورية تستحق التوقف عندها قبل الدخول بتفاصيل الموازنة، حيث تتوقف نتائج مشروع قانون الموازنة على  معدلات النمو  الحقيقي.

من غير المنصف الحديث عن انتخابات مجلس النواب التاسع عشر لعام  2020 بمعزل عن المقدمات الموضوعية لما يعرف بعودة الحياة السياسية في البلاد؛ فقد شكّلت انتفاضة نيسان المجيدة منعطفا تاريخيا فتحت آفاقا واسعة لإجراء مراجعة شاملة لمختلف السياسات التي كانت سائدة. جاءت تلك الانتفاضة تعبيرا صادقا عن إرادة الشعب الأردني برفض الخنوع للسياسات الرسمية التي أوصلت البلاد إلى الأزمة المالية والاقتصادية، واتساع دائرة الفقر والبطالة، لم يكن انفجار الغضب الشعبي في السابع عشر من نيسان 1989 حدثا معزولا عن مقدماته الموضوعية، وهو نتيجة سياسات القهر والمعاناة التي عاشها الشعب الأردني منذ الانقلاب على الحكومة الشرعية البرلمانية في نيسان سنة 1957، وطوال عقود من الأحكام العرفية والخضوع لشروط التبعية المرتبطة ارتباطاً بنيوياً بالإمبريالية، وحرمان الشعب من اختيار ممثليه الحقيقيين تحت قبة البرلمان.

من المجحف تناول مشروع قانون ضريبة الدخل بمعزل عن السياسات الضريبية السائدة في البلاد؛ فالتشوهات الضريبية، وتصاعد العبء الضريبي بدأ منذ تسعينات القرن الماضي، بفرض سياسات ضريبية إحلاليه، انطلقت من مبدأ “توحيد العبء الضريبي” بدلا من “إعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية”.  ومن اهم أدوات السياسة الضريبية الجديدة صدور قانون الضريبة العامة على المبيعات عام 1994 والتوسع في تطبيقاته، بشمول غذاء ودواء وكساء الفقراء، متزامنا مع تراجع نسبة الضريبة التصاعدية لضريبة الدخل من 55% الى 30% على البنوك والشركات المالية، إضافة الى استحداث الضريبة الخاصة.  

 

بدعوة من ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية وبمشاركة واسعة من هيئات ومؤسسات وفعاليات وشخصيات وطنية عقد الملتقى الوطني الاقتصادي يوم 29/11/2017 تحت شعار مواجهة الاجراءات الاقتصادية الحكومية وإسقاط نهج الجباية والإفقار وبعد دراسة وحوار من المشاركين حول الاوضاع الاقتصادية والمعيشية تم الاتفاق على تقديم قراءة لمشروع الموزانة العامة لعام 2018 تقدم للرأي العام ووسائل الإعلام ولمجلس النواب، تعكس رأي وموقف واستخلاصات للخروج من الأزمة وتالياً نص الورقة:

يعكس مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2018  تفاقم الازمة المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد، فقد كشف خطاب الموازنة ان معدلات النمو الاقتصادي ما زالت تراوح مكانها بحدود 2% وهي تلامس نسبة النمو الطبيعي للسكان، وتؤثر سلبا على توفير فرص العمل الامر الذي يؤدي الى ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت الى اكثر من 18% وفق الأرقام الرسمية، وتقدر بنحو 35 الى 40% بين الشباب، وقد تراجعت صادرات البلاد بنسبة 7.5%  خلال العام الماضي 2016، وتصاعد عجز الميزان التجاري ليصل الى نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي، اما الدين العام الذي وصل الى اعلى مستوياته فقد بلغ 27.1   مليار دينار لغاية تشرين اول الماضي 2017  وفق الأرقام الرسمية، في حين تجاهلت الحكومة إضافة نحو مليار ونصف المليار دينار وردت كقروض في الموازنة تحت باب تسديد التزامات سابقة، ما يرفع نسبة الدين العام الى اكثر من 100% من الناتج المحلي الاجمالي. وقد خفضت مؤسسة “ستاندر اند بورز” التصنيف الائتماني للأردن في ضوء ارتفاع حجم الدين العام، حيث أشار تقريرها ان التصنيف الائتماني للأردن سيكون عرضه للمزيد من التخفيض في حال ارتفاع الدين العام الى مستويات اعلى، ولا يسمح قانون الدين العام بارتفاع المديونية لأكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي.   

فهمي الكتوت*

جريدة الغد – يعد قانون الموازنة برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي خلال عام، ومصادر الموازنة وأولويات إنفاقها يعكس رؤيتها تجاه الشرائح والطبقات الاجتماعية، وهنا يطرح سؤال جوهري؟ هل تراعي الموازنة من خلال سياساتها المالية مفهوم إعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية، أم تسهم في تعميق الفجوة بين الطبقات، وتعمق الاحتقانات الاجتماعية؟

لم تستهدف سياسات صندوق النقد الدولي؛ تصحيح الاختلالات المالية في موازين المدفوعات بقدر ما تستهدف فرض حزمة كاملة من الإجراءات المالية والنقدية والاقتصادية التي تعبر عن رؤية المدرسة الاقتصادية النيوليبرالية والعولمة الرأسمالية، واهمها: تحرير أسواق المال والتجارة، وازاله الحواجز لانسياب السلع والتدفقات النقدية، وتقليص الخدمات الحكومية، ووقف الدعم، وتطبيق سياسة التخاصية لتوسيع السوق الرأسمالي وتأمين فرص أرحب للاحتكارات الرأسمالية.

من سمات الأزمة الرأسمالية أنَّ الحلول تصبح أسبابا لتفاقمها؛ فقد لجأت المراكز الرأسمالية الى سياسة تقليص الانفاق على الخدمات العامة وخفض عائدات الطبقة العاملة من الإنتاج للحد من عجز موازناتها، فكانت النتائج مخيبة للآمال؛ وبدلاً من تخفيض العجز، تفاقمت الأزمة المالية وضربت مفاصل الاقتصاد الرأسمالي ودخل في نفق الركود الاقتصادي نتيجة تراجع القدرة الشرائية للعمال والفقراء والمهمشين عامة.

غادر أمين عام وزارة المالية إلى خارج البلاد لإصدار سندات يورو بوند بقيمة مليار دولار بعد أن أصدرت في نيسان الماضي سندات مشابهة بقيمة 500 مليون دولار بفائدة مرتفعة جداً نسبتها5,875 % (قيمة الفائدة على القروض الخارجية السابقة والآخذة بالاستحقاق هي نحو 2 %)؛ الأمر الذي يغرق البلاد بالمديونية التي أصبحت تشكل نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي خلافاً لما تعلنه الحكومة؛ فهي تخفي من احتساب المديونية نحو مليار دينار وردت في الموازنة الأخيرة للدولة تحت باب التزامات سابقة! وهذه «الالتزامات السابقة» هي عبارة عن نفقات خارج الموازنة وتشكل مخالفة قانونية ودستورية. وهذا يرفع كلفة تمويل المديونية بشكل كبير. ومن المفيد الإشارة إلى أن المديونية لها أثمان سياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية؛ فهي عبارة عن ضرائب مؤجلة الدفع.