الهاوية المالية
ماذا لو فشلت المفاوضات بين الجمهوريين والديمقراطيين لتفادي الوقوع بالهاوية المالية، وما هي الهاوية المالية ؟ وما انعكاساتها على الاقتصاد العالمي؟ يمكن الاستدلال من اسمها، وقوع انهيار ما في عالم المال، والهاوية المتوقعة ناجمة عن تفاقم عجز الموازنة الأمريكية وارتفاع الدين العام، والبدء باجراءات تقشفية تسهم بخفض النمو الاقتصادي، نتيجة وقف الانفاق الممول بالقروض. فقد التزم الرئيس الامريكي باراك أوباما في أيلول عام 2011 بتطبيق سياسات مالية وضريبية جديده في اليوم الأول من عام 2013 للحد من تفاقم الأزمة، “خفض الانفاق العام وزيادة الضرائب”، لضمان موافقة الجمهوريين في حينه على رفع سقف الدين العام، والسماح للادارة بالاقتراض لتمكين الخزانة الأمريكية من الوفاء بالتزاماتها، وترحيل الأزمة الى ما بعد الانتخابات النيابية.
أما الان وبعد الاقتراب من استحقاق “الهاوية المالية ” تحاول الادارة الأمريكية إحداث تغيير ما للتخفيف من آثار الاجراءات التقشفية على الاقتصاد الامريكي، لكن ذلك مرهون باتفاق مع الجمهوريين فقد شرعت الادارة الامريكية باجراء مفاوضات للوصول الى انصاف الحلول للحيلولة من دون تعرض الاقتصاد الأمريكي الى انتكاسة، فقد لجأ البيت الأبيض الى ترحيل الأزمة، لانتاج نمو اقتصادي مدعوم بالقروض وزيادة الانفاق العام وتخفيض الضرائب على مختلف الطبقات بما في ذلك الاثرياء، ومحاولة اظهار الاقتصاد الامريكي متعافيا من أزماته ليمهد الطريق أمام الرئيس أوباما من اجتياز الانتخابات النيابية، فقد جرت التضحية بالدولة لصالح تحفيز الاقتصاد، الا أن المهمة فشلت، لم يتحقق النمو المطلوب، وغرقت الدولة بالمديونية. في ضوء ما سوف تؤول اليه الأوضاع المالية والاقتصادية في أمريكا خلال العام المقبل 2013 من نتائج ” للهاوية المالية” التي ستعرض العالم لمخاطر انخفاض النمو الاقتصادي، وقد تسبب بانتكاسة جديدة للاقتصاد العالمي، بسبب تعميم ظاهرة التقشف على معظم اقتصادات العالم، من دون اعتبار للفشل الذريع لهذا النهج، الذي أوصل الاقتصاد الأوروبي الى الهاوية. وتأتي الاجراءات التقشفية الامريكية مع دخول منطقة اليورو في حالة ركود اقتصادي، واستمرار حالة القلق الشديد على مستقبل اليونان والبرتغال واسبانيا وقبرص بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وتنامي المديونية، وأثر السياسات الانكماشية على تقهقر اقتصاداتها، وفشل دول الاتحاد الاوروبي في الوصول لاتفاق حول ميزانية الاتحاد، نتيجة اصرار عدد من الدول بزعامة المانيا وبريطانيا على فرض سياسة تقشفية على ميزانية الاتحاد خلال الأعوام المقبلة. وغياب أي حلول منهجية في الأفق تنطلق من تحقيق نمو اقتصادي ومعالجة مشكلة البطالة من دون آلام تقشفية، ان لم نقل إنه لا توجد معالجة لمشكلة البطالة من دون نمو اقتصادي، وليس هناك نمو اقتصادي في ظل التقشف، هذه المعادلة ينبغي أن تكون قاعدة الخروج من الأزمة . ومع ذلك لم تعد هناك خيارات أمام الادارة الأمريكية، وهي محكومة بالاستحقاقات المنتظرة، وحتى في حال اجراء تعديلات محدودة على الاتفاق المبرم بين الحزبين، لا تعف الاقتصاد الأمريكي من الدخول في محنة تراجع النمو الاقتصادي، لن تسقط حلول من السماء لانقاذ الاقتصاد الأمريكي من أزمته، وخاصة في ظل توازنات دقيقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذين يتقاسمان السلطات التشريعية التي تمتلك اصدار القوانين المالية المتصلة بالازمة الاقتصادية، وتسعى الاحتكارات الامريكية تحميل الفقراء عبء الازمة والابقاء على الاعفاءات الضريبية التي اصدرها جورج دبليو بوش على الاثرياء، مع الاقرار من قبل الديمقراطيين بمبدأ تقليص برامج الرعاية الصحية بحوالي 300 مليار دولار ما يتسبب بحرمان ملايين الفقراء من الطبابة . ومع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في امريكا واتساع الهوة بين الحزبين الرئيسيين، حول كيفية مواجهتها، الا أن كلاهما لا يملكان برامج اقتصادية تحمل خيارات لمعالجة جذرية للخروج من الأزمة، فالأزمة الاقتصادية التي تواجه أمريكا هي من الأزمات الملازمة للنظام الرأسمالي، فقد شهد العالم العديد من الأزمات الاقتصادية منذ نشوء النظام الرأسمالي إلا أن هذه الأزمة الأكثر عمقا واتساعا، والتي تعود لطبيعة اسلوب الانتاج الرأسمالي القائم على علاقات انتاج غير متوازنة، وتمركز الثروة بأيدي الاحتكارات الرأسمالية والطغمة المالية، مقابل حرمان الغالبية العظمى من تلبية احتياجاتهم الأساسية في المأكل والملبس وتوفير الخدمات الصحية المجانية. وهذا لم يأت بالتمنيات أو بشكل عفوي بل بعقد اجتماعي جديد يعترف بالحقوق الاجتماعية للمواطنين جمعاء، يضمن توزيع عادل للثروة، يضمن لمنتجي السلع فرصة استخدامها . |
||