لهذه الاسباب ينبغي رد الموازنة

فهمي الكتوت*

جريدة الغد – يعد قانون الموازنة برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي خلال عام، ومصادر الموازنة وأولويات إنفاقها يعكس رؤيتها تجاه الشرائح والطبقات الاجتماعية، وهنا يطرح سؤال جوهري؟ هل تراعي الموازنة من خلال سياساتها المالية مفهوم إعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية، أم تسهم في تعميق الفجوة بين الطبقات، وتعمق الاحتقانات الاجتماعية؟
تكشف الأرقام الآتية لمشروع قانون الموازنة للعام المقبل اتساع الإجراءات التقشفية التي تترجمها الموازنة في ظل اتساع مساحات الفقر وارتفاع معدلات البطالة، وعمق الأزمة المالية والاقتصادية التي تحتاج الى نهج جديد وسياسات مستقلة عن إملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأما الحديث عن الاعتماد على الذات، فيبدأ في استثمار موارد البلاد في بناء اقتصاد حقيقي، وتجفيف منابع الفساد واستعادة أموال الشعب.
1 – بلغت الموازنة العامة للدولة 9.039 مليار دينار إضافة الى 1.812 مليار دينار موازنة الوحدات الحكومية، وبقيمة إجمالية 10.851 مليار دينار بزيادة قدرها 747 مليون دينار في الموازنتين (الحكومة المركزية والوحدات الحكومية) مقارنة مع موازنة 2017 إعادة تقدير، بلغت النفقات الجارية لموازنة الحكومة المركزية نحو 7.886 مليار دينار. منها نفقات عسكرية 2.533 مليار دينار ونفقات الجهاز المدني 2.040 مليار دينار، وراتب المتقاعدين 1.321 مليار دينار وفوائد الدين العام 1.020 مليار دينار، ومعونة نقدية 101 مليون دينار، وتضمنت الموازنة 380 مليون دينار تسديد التزامات سابقة.
2 – النفقات الرأسمالية نحو 1.153 مليار دينار، منها 673 مليون دينار مبان وإنشاءات ومركبات واستملاك أراض، 295 مليون دينار إعانات لمؤسسات، و149 مليون دينار إصلاح مبان ونفقات إدامة وتشغيل، و27 مليون دينار دراسات واستشارات.
3 – بلغ العجز الحقيقي في الموازنتين (الحكومة المركزية والوحدات الحكومية) 1.392 مليار دينار، كما بلغت المنح 700 مليون دينار للحكومة المركزية و55 مليونا للوحدات الحكومية.
مشروع قانون موازنة الحكومة يعكس سياسة توسعية في الإنفاق العام، فقد استهدف زيادة الإنفاق نحو 572 مليون دينار مقارنة مع موازنة 2017 إعادة تقدير. منها 444 مليون دينار نفقات جارية نصفها للنفقات العسكرية والنصف الآخر موزع بين زيادة فوائد المديونية وزيادة الرواتب والتقاعد والإعانات و127 مليون دينار زيادة في النفقات الرأسمالية.
4 – رغم الطابع التوسعي في الموازنة، فرض مشروع القانون سياسة تقشفية على المواطنين برفع أسعار الخبز؛ القوت اليومي للفقراء والمشردين والعاطلين عن العمل الذين يزداد عددهم عاما بعد عام الى أن أصبحوا يشكلون غالبية السكان. ورفع أسعار معظم السلع الضرورية لزيادة الإيرادات الضريبية نحو 625 مليون دينار وبنسبة نمو تقدر بنحو 14 %، تقتطع من غذاء ودواء وكساء الفقراء، وقلصت الحكومة دعم المواد التموينية من 135 مليون دينار الى 20 مليونا بإلغاء 115 مليون دينار كانت مخصصة لدعم الخبز في موازنة 2017 إعادة تقدير، واقتصر الدعم على الأعلاف.
5 – تميل الموازنة نحو المبالغة في زيادة الإيرادات المحلية بنحو 916 مليون دينار، بهدف تقليص عجز الموازنة لتمريرها، ومعظمها إيرادات ضريبية تحت مسميات مختلفة ضرائب مباشرة وغير مباشرة ورسوم ورخص. والزيادة المستهدفة غير قابلة للتحقيق بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية للمواطنين، فنسبة النمو الاقتصادي لا تتجاوز نسبة النمو الطبيعي للسكان، وبالتالي مصير الموازنة ليس أفضل حالا عن مصير موازنة العام الحالي التي تضمنت زيادة في الإيرادات الضريبية نحو 950 مليون دينار، لم يتحقق منها سوى 265 مليون دينار وفقا لما ورد في موازنة 2017 إعادة تقدير، على الرغم من زيادة العبء الضريبي على المواطنين.
ومن الطبيعي أن تفشل الموازنة التقديرية للعام الحالي بسبب المبالغة في زيادة العبء الضريبي، فكيف يمكن لاقتصاد ينمو بنسبة متواضعة لا تتجاوز 2 % أن يولد نموا في الإيرادات الضريبية بنسبة 20 % ! كما أن سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة سياسة متحيزة تستهدف الفقراء فإن مساهمة الشركات والأفراد (الأفراد مؤسسات فردية) تقدر بنحو 845 مليون دينار من ضريبة الدخل وبنسبة 16 % من إجمالي الإيرادات الضريبية.
6 – زيادة العبء الضريبي وخاصة الضريبة غير المباشرة سياسة انكماشية أضعفت القدرة الشرائية للمواطنين من العمال والموظفين والمزارعين والشرائح الوسطى في المجتمع، وهي من أهم أسباب الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، خاصة إذا ما علمنا أن أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر. ويفترض أن يتم ربط زيادة الإيرادات الضريبية بزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
7 – ورد للسنة الثانية بند تسديد التزامات سابقة بقيمة 380 مليونا، وفي العام الحالي بقيمة 360 مليون دينار ومكرر في السنوات المقبلة حتى العام 2020 تأشيري بقيمة إجمالية نحو مليار ونصف مليار دينار!! كيف ومتى أنفق… ومن الجهة الرقابية التي صادقت عليه؟! ألا يعتبر هذا الإنفاق خارج الموازنة وغير دستوري، وعلى الجهة التي أنفقت هذه المبالغ تحمل نتائج تجاوزاتها، ولا يجوز تحميل الفقراء تبعات سياسات غير نظامية.
خبير اقتصادي