تحتفل الطبقة العاملة العالمية في الأول من أيار بعيد العمال العالمي، ويكرس هذا اليوم للتضامن الأممي مع عمال العالم، ومراجعة الظروف والأوضاع التي تمر بها الطبقة العاملة، وبهذه المناسبة اود الاشارة الى بعض مظاهر هموم الطبقة العاملة في الوطن العربي، وفي أي ظروف تستقبل عيدها..؟ وما هي أبرز المشاكل والصعوبات التي تواجهها سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي أو السياسي..؟
تعاني الطبقة العاملة في الوطن العربي من ظروف إقتصاديه واجتماعية بائسة، نتيجة لتردي الأوضاع السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي أدى الى زيادة الفقر والبطالة وتدني الأجور وارتفاع الأسعار، في ظل حرمان الطبقة العاملة من حقها في التنظيم السياسي في معظم الأقطار العربيه، والتنظيم النقابي في بعض هذه الأقطار، بالإضافة الى حرمانها من ابسط حقوق الإنسان في الاعتراض او الاحتجاج على الظلم الواقع عليها، ناهيك عن معاناة الطبقه العاملة التي ترزح تحت نير الاحتلال الأجنبي في فلسطين والعراق التي تعاني من اضطهاد مزدوج طبقي وقومي.
تقدر الطبقة العاملة العربية بحوالي ( 112 ) مليون عامل منهم حوالي ( 17 ) مليون عاطل عن العمل، أما فقراء الوطن العربي الذين يعيشون تحت خط الفقر فهم حوالي ( 200 ) مليون نسمه أي 65% من مجموع سكان الوطن العربي ومعظمهم من الدول غير النفطية، حيث يقدر دخل الفرد في هذه الدول بحوالي 1000- 1500 دولار سنويا فيما تتراوح معدلات دخل الفرد في الدول العربية النفطية من 15 ألف – 22 ألف دولار سنويا. معظم الدول العربية غير النفطية غارقة بالمديونية وتخضع لما يسمى بسياسة التصحيح الإقتصادي ولتوجيهات الصندوق والبنك الدوليين، التي تعمق توجيهاتها التمايز الطبقي وتزيد العمال والفقراء فقرا، وأبرزها تحرير الأسعار وتحرير الأسواق وإزالة كافة الحواجز الجمركيه لتسهيل إنسياب السلع الأجنبيه للاسواق المحليه، وتخفيض سعر صرف العملات المحليه، وزيادة أسعار الطاقه بالإضافه إلى زيادة الضرائب غير المباشره وتخفيض الضرائب المباشره، ورفع الدعم عن الخدمات العامه من التعليم والصحه والمياه….. وتأتي هذه السياسات ضمن حقبة الليبراليه الجديده والعولمة الرأسمالية، فهي تسعى إلى فرض هذه السياسات على دول العالم الثالث، وهنا ينبغي التوقف عند مسألتين:

اولمرت يعلن عن استعداده للقاء العرب لبحث المبادرة العربية التي رفضها من حيث المبدأ, لكن.. لا مانع لديه بالدخول في مفاوضات بهدف التطبيع واقامة العلاقات مع الدول العربية, اما المبادرة من وجهة نظره فهي تحتاج الى اجراء تعديلات بحيث تصبح مناسبة للكيان الصهيوني, ومفاوضاته مع محمود عباس فقط لبحث النظام الاقتصادي والقضائي والامني في المناطق المحتلة. وليس لبحث الوضع النهائي لوجود الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي العربية المحتلة. اما قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالانسحاب وحق العودة للاجئين الفلسطينيين فهي في ذمة التاريخ من وجهة نظره واصبحت المبادرة العربية التي تعتبر دون الحد الادنى المقبول به عربيا هي موضوع المساومات والتنازلات.

تعهدت حكومة الدكتور معروف البخيت في بيانها الوزاري التي نالت الثقة على أساسه بتحقيق الإصلاح السياسي, ولم تكن الحكومة الأولى في تاريخ البلاد التي تقدم مثل هذا التعهد, وتضمن برنامجها تطوير التشريعات التي تعزز الحياة الديمقراطية في البلاد, الا ان ذلك لم يتحقق, ليس فقط بعهد هذه الحكومة بل والحكومات السابقة, وبقيت هذه الشعارات السياسية من دون تطبيق منذ العقد الأخير من القرن الماضي, حين دخلت البلاد مرحلة الانفراج السياسي على اثر هبة نيسان.1989

وبدلا من إصدار القوانين التي تعزز الديمقراطية أصدرت الحكومات القوانين التي تقيد الحريات  العامة, وتعزز النزعة العرفية لدى السلطات السياسية, لقد اعتادت الحكومات المتعاقبة على تقديم الوعود بإصدار قانون انتخابات ديمقراطي متطور يسهم في تطوير الحياة السياسية, كما اعتادت ان تغادر هذه الحكومات الدوار الرابع من دون ان تقدم شيئا في هذا المجال, وحال حكومة البخيت يبدو ليس أفضل حالا من الحكومات السابقة, لقد انتهت الدورة البرلمانية الأخيرة لمجلس النواب ولم ير القانون المنتظر النور.

هنري كيسنجر يتوقع هزيمة نكراء للجيش الأمريكي في العراق, مشابهة للهزيمة التي مني بها الجيش الأمريكي في فيتنام, كيسنجر مهندس السياسة الأمريكية في الحقبة الفيتنامية, والأكثر تطرفا في الإدارة الأمريكية, ومن أهم الشخصيات الأمريكية التي دفعت الوطن العربي الى الحالة المتردية التي يعيشها الآن.

كيسنجر يصف الوضع في العراق بالأكثر تعقيدا من فيتنام, لوجود قيادة سياسية فيتنامية كانت تشرف على العمليات العسكرية, وهنا يشير لمراوغة الإدارة الأمريكية في مفاوضاتها المرثونية مع الثوار الفيتناميين، في محاولة لانتزاع مكاسب سياسية, وتحقيق انسحاب يحفظ لها ماء الوجه, إلا ان ذلك لم يجنب الجيش الأمريكي هزيمة ساحقة, خرج الجيش الأمريكي مذعورا غير قادر على حماية »حلفائه« في سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية قبل تحريرها, التي كانت مقرا للقوات الأمريكية, ترك الجيش الأمريكي »حلفاءه« ليواجهوا مصيرهم من قبل الشعب الفيتنامي الذي أطاح بهم كما أطاح بأكبر قوة عسكرية إمبريالية متغطرسة في العالم.

ان تفقد عزيزا غاليا قضيت معه اكثر من ربع قرن امر في غاية الصعوبة, وان يكون الفقيد شخصية اقتصادية مميزة وعامة فالامر اكثر صعوبة, نحن امام شخصية لم تأخذ حقها في المجال الاعلامي, ولم تكرم بمناسبة وطنية, لكن ذلك لم يقلل من شأن هذه الشخصية, قيل عن شخصية ابو صلاح محمد عاشور الكثير, جلها من الواقع وبعضها من الخيال, عمل هذا الرجل بصمت بعيدا عن الاضواء طيلة اكثر من ستين عاما, افنى حياته في مجال الابداع والانتاج الصناعي خدمة للوطن, نجح ابو صلاح وهو في مقتبل العمر بانتاج ما عجزت عن انتاجه الدول العربية في نهاية الاربعينيات, كما قام بتطوير مصنعه في الاراضي العربية المحتلة, في مواجهة الغزو الاقتصادي الاسرائيلي, ومنافسة الاسرائيليين في الضفة والقطاع في انشاء اكبر محطات لتشميع وتدريج وتلوين الحمضيات دون الاستعانة بأي خبرات اجنبية, وبطاقة انتاجية عالية, وقد شكل هذا التحدي استفزازا للاسرائيليين, كثيرا ما دفع ثمنه.

وفي اوائل الثمانينات قام ابو صلاح بانتاج مميز, بانشاء خطوط انتاج للمصانع, وعرض باكورة انتاجه في معرض المدينة الصناعية سحاب, وكان محط انظار واهتمام كافة الزوار من شخصيات رسمية ومهنية, وفي مقدمتهم المغفور له الملك حسين الذي عبر عن مفاجأته لوجود صناعة وطنية متطورة بتكنولوجيا عالية تضاهي الصناعات الاوروبية, وطلب من وزير الاقتصاد آنذاك جواد العناني الذي كان برفقته مع رئيس الوزراء احمد عبيدات بالاهتمام بهذا المنتج وبالصناعة الوطنية الواعدة, وصلت هذه المنتجات المزينة بعبارة »صنع في الاردن« الى معظم الدول العربية ومن بينها دول الخليج العربي ومصر واليمن.

الى جانب ابو صلاح هناك شخصيات اقتصادية هامة في هذا الوطن تستحق التكريم والعرفان, من عرف ابو جميل اصطفان الذي فقدناه قبل اكثر من عام, يقدر مدى الابداع الذي قدمه في حياته, قدم ابو جميل منتجا مميزا في مجال صناعة رديترات السيارات, وقد قيل الكثير عن ابداع هذا الرجل, الذي صمم وانتج اول مزرعة لتفريخ الصيصان في الخمسينات من القرن الماضي في سجن الجفر الصحراوي حيث كان سجينا سياسيا فيه, والذي تحول الى مركز تدريب مهني, وله العديد من الابداعات في سجله الوطني والمهني.

نحن في امس الحاجة للعناية والاهتمام بأمثال هؤلاء الرجال الذين تتوفر لديهم صفات ومزايا فريدة ليشكلوا العمود الفقري لتطوير الصناعة والاقتصاد الوطني, وتعزيز مكانة الانتاج السلعي في الاقتصاد, ولتغليب القطاعات المنتجة على القطاعات الاخرى بما يعزز مكانة الاردن اقتصاديا امام العالم ويسهم في معالجة البطالة.

لم يكن فقيدنا الغالي ابو صلاح مجرد مبدع في مجال الصناعة فقط, بل كان انساناً بكل المقاييس, تمتع بصفات نبيلة, وكان موضع احترام وتقدير من قبل الذين تعرفوا عليه, له الرحمة ولأسرته الكريمة وأبنائه الاعزاء مني كل العزاء.