السياسات الضريبية الى اين

من المجحف تناول مشروع قانون ضريبة الدخل بمعزل عن السياسات الضريبية السائدة في البلاد؛ فالتشوهات الضريبية، وتصاعد العبء الضريبي بدأ منذ تسعينات القرن الماضي، بفرض سياسات ضريبية إحلاليه، انطلقت من مبدأ “توحيد العبء الضريبي” بدلا من “إعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية”.  ومن اهم أدوات السياسة الضريبية الجديدة صدور قانون الضريبة العامة على المبيعات عام 1994 والتوسع في تطبيقاته، بشمول غذاء ودواء وكساء الفقراء، متزامنا مع تراجع نسبة الضريبة التصاعدية لضريبة الدخل من 55% الى 30% على البنوك والشركات المالية، إضافة الى استحداث الضريبة الخاصة.  

اما حصيلة السياسات الضريبية الجديدة؛ نقل العبء الضريبي عن البنوك والشركات المالية والتجار، وتحميله على الشرائح الوسطى والفقراء والمهمشين!! عكس تماما ما تضمنته المادة 111 من الدستور الاردني.

وللتدليل على ذلك؛ تضاعفت الإيرادات الضريبية تسع مرات مند عام 1994  (من 575 مليون دينار الى 5.146 مليار دينار)، بعد صدور قانون ضريبة المبيعات، وبالتدقيق في الإيرادات الضريبية التقديرية لعام 2018  يمكن ملاحظة ما يلى: 844 مليون دينار من الشركات المساهمة ، ما يعادل 16.5% و84% من عامة الشعب معظمها من الضرائب غير المباشرة وخاصة ضريبة المبيعات  على قاعدة “توحيد العبء الضريبي” وتتحملها الشرائح والطبقات الاجتماعية بشكل متساوي؛ فالفقراء يدفعون الضرائب على معظم دخولهم… بينما الاثرياء لا يدفعون الضرائب سوى على جزء بسيط من دخولهم، وكل ما ازداد دخل المكلف انخفضت نسبة مساهمته في الإيرادات الضريبية خلافا للنص الدستور بفرض الضريبة التصاعدية.  وبذلك تسقط المقولة المضللة بأن90 او 95% من الأردنيين لا يدفعون ضرائب، ليس هذا وحسب؛ بل يمكن القول ان ال 95% هم الذين يدفعون معظم الضرائب ويمولون الخزينة.

ومن المفارقات الغريبة في بلادنا ان الذين يمولون الموازنة، لا يحصلون على الخدمات الضرورية، فأن نفقات الموازنة لا تعكس احتياجات المجتمع المحلي من خدمات عامة (العمل، الصحة، التعليم، النقل العام ..الخ) فالخدمات العامة متهالكة ولم يجر تطويرها او ترميمها خلال العقدين الأخيرين مقارنة مع زيادة العبء الضريبي. فالرسوم الجامعية الحكومية متصاعدة والمقاعد المتاحة لا يحظى بها الا نسبة ضئيلة من الحاصلين على شهادة التوجيهي، كما تراجعت الخدمات الصحية ولم تواكب احتياجات المجتمع المحلي، اما خدمات النقل العام حدث ولا حرج، ناهيك عن عجز السياسات الرسمية في توفير فرص عمل، حيث قدرت نسبة البطالة بين الشباب بنحو 35%.  لذلك ينبغي مراعاة هذا الواقع بعين الاعتبار عند اجراء أي تعديلات ضريبية، بإلغاء ضريبة المبيعات على دواء وغذاء ذوي الدخل المحدود وتوفير الخدمات الضرورية قبل تحميلهم ضرائب اضافية.

اما مشروع قانون ضريبة الدخل؛ يحتاج الى تعديلات جوهرية ومتزامنة مع تعديلات في ضريبة المبيعات رغم وجود بعض العناصر الايجابية منها:

1- اخضاع البنوك والشركات المالية وشركات التأمين وشركات إعادة التأمين والأشخاص الاعتبارين الذين يمارسون أنشطة التأجير التمويلي تصل نسبتها مع ضريبة التوزيع نحو 45%.

2-  اخضاع شركات التعدين للمواد الأساسية تصل نسبتها مع ضريبة التوزيع نحو 35%.

اما أبرز العناصر السلبية في القانون تتمثل بالنقاط التالية:

1- تخفيض الإعفاءات الضريبية على شرائح مثقلة في الأعباء الضريبية، ويفترض ربط تخفيض الإعفاءات بإلغاء ضريبة المبيعات على الغذاء والدواء.

2- توحيد العبء الضريبي بين قطاعي الصناعة والتجارة بنسبة 20%، ما يحرم القطاع الصناعي من سياسات ضريبية تفضيلية، الامر الذي يهدد القطاع الصناعي الذي يمر بظروف حرجة، ما يدفع رأس المال نحو الانتقال من القطاع الصناعي الى القطاع التجاري، او مغادرة البلاد، لغياب الحوافز الاقتصادية والسياسات التفضيلية لقطاع يعاني من مخاطر كبيرة، أضافة الى ان دورة رأس المال في القطاع التجاري أسرع.

3- فرض ضريبة على القطاع الزراعي، ما يحرم هذا القطاع الهام من تدفقات استثمارية، في حين يفترض تقديم التسهيلات الضرورية لتشجيع الاستثمار في الزراعة للاعتماد على الذات، والحد من استنزاف احتياط البلاد من العملات الاجنبية.

4- تحميل الافراد أعباء ضريبية أكثر من التجار؛ فقد حدد مشروع القانون نسبة الضريبة في الشريحة الخامسة بنسبة 25%، بينما نسبة الضريبة على القطاع التجاري 20%.

5- ما يتعلق في البنود الإدارية، يُحمل مشروع القانون الموظف المفوض بالتوقيع عن الشخص الاعتباري او اي شخص مسؤول عن اقتطاع وتوريد الضريبة مسؤولية بأموالهم الخاصة بالتضامن والتكافل عن ضمان توريد الضريبة!!  لا يجوز تحميل موظف بسيط عبء مالي عن الشركة، فهي مسؤولية مدير عام او مدير مالي مفوض بالدفع والتوقيع امام البنوك.

6- ارغام الشركات على توريد ما يعادل 80% من اخر إقرار ضريبي سلفا من 2 الى 4 تحويلات في السنة قبل استحقاق الضريبة، الأصل ان تدفع الضريبة المستحقة بعد صدور الميزانية وتقديم الإقرار الضريبي.

المطلوب تحقيق إصلاح ضريبي حقيقي يستند الى المبادئ الدستورية (ضريبة تصاعدية) يؤدي الى زيادة مساهمة الفئات والشرائح العليا في المجتمع ويحقق العدالة الاجتماعية، وإعفاء ذوي الدخل المحدود من الضريبة وتخفيف العبء الضريبي عن الفئات الوسطى واستخدام الضريبة كأداة لدعم وتطوير الاستثمارات الإنتاجية التي تسهم في معالجة وتصويب الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الأردني من خلال تعزيز دور القطاعات المنتجة، وإلغاء ضريبة المبيعات على مدخلات الإنتاج في القطاعين الصناعي والزراعي ، لحماية الإنتاج الوطني، وتعظيم دوره في الاقتصاد الوطني، كما ان الإصلاح يعني تقليص دور الضرائب غير المباشرة وخاصة ضريبة المبيعات باعتبارها ضريبة انكماشية تسهم في تباطؤ النمو الاقتصادي،  كما ان الإصلاح يتطلب مساهمة قطاعات هامة لا تخضع لغاية الآن للضريبة كأرباح المتاجرة بالأراضي وأرباح الأسهم وغيرها من المضاربات، ولا بد من إسهام المداخيل المرتفعة والثراء الفاحش أحيانا الناجم عن صفقات خيالية في إيرادات الخزينة، بدلا من تحميل الفئات الشعبية مزيدا من الاعباء الضريبية.