شهدت جلسات مجلس النواب مناقشات عاصفة حول الموازنة العامة للدولة، الموازنة تحتل أهمية خاصة في حياة المواطنين، فهي تمثل تجسيدا عمليا لخطة الحكومة وتوجهاتها العامة على ارض الواقع، وكل ما لا تتضمنه الموازنة يبقى مجرد وعود لا يستند الى معطيات مادية ملموسة، فالحكومة قدمت برنامجها الاقتصادي والاجتماعي لعام قادم من خلال الموازنة لمجلس النواب

أعلن رئيس الوزراء ان من أهم أهداف الحكومة مكافحة الفقر والبطالة، لندقق في برنامج الحكومة المتصل بالموازنة العامة للدولة، برنامج الحكومة تضمن رفع أسعار المشتقات البترولية”الكاز والغاز والسولار” بشكل مباشر ورفع أسعار البنزين بشكل غير مباشر بفرض ضريبة إضافية “ضريبة المبيعات”، كما تضمن برنامج الحكومة رفع أسعار الكهرباء، الأمر الذي سيؤدي الى رفع أسعار مختلف السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، كما قررت الحكومة تعويم أسعار بعض أصناف الدواء، ومصطلح التعويم غالبا ما يعني رفع الأسعار، كما ان التوجهات العامة للحكومة تتجه نحو زيادة العبء الضريبي، بالتوسع في تطبيق الضريبة العامة على المبيعات، هذا ما أعلنته الحكومة على لسان المسؤولين، حيث سيشمل هذا التوسع قطاع المقاولات، وسيسهم ذلك برفع أسعار العديد من السلع، بالإضافة الى رفع كلفة السكن، وزيادة إيجار المساكن لقطاع وصلت حالة التضخم فيه حدا لا يمكن احتماله، بالإضافة الى كل ذلك أعلنت الحكومة لا زيادة على رواتب الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين.

تتمركز معظم الصناعات المحلية في محافظة العاصمة, العاصمة محور النشاط الاستثماري والتجاري, لا شك ان الكثافة السكانية وتواجد معظم العمالة الماهرة, وسهولة متابعة الاجراءات الرسمية والتخليص والشحن, من الاسباب الرئيسية وراء ذلك, وعلى الرغم من انشاء تجمعات حرفية وصناعية في بعض المحافظات, وتقديم تسهيلات واعفاءات ضريبية للصناعات التي تقام في هذه التجمعات او في المناطق النائية, الا ان ذلك غير كاف لتحقيق توزيع عادل للصناعات بين المحافظات, وللتدقيق في هذا الموضوع, يمكن الوقوف على جوانب هامة تكشف عن اختلالات في التوزيع, فقد بلغ نصيب اقليم الوسط 4.307 مليار دينار من الانتاج القائم للصناعات الاستخراجية والصناعات التحويلية وانتاج الكهرباء وتوزيعها ويشكل هذا 79% من الانتاج الكلي علما ان سكان اقليم الوسط يشكلون 62.9% فقط من سكان الاردن, ونصيب اقليم الشمال 9%من الانتاج الكلي وهم يشكلون 27.8% من السكان, اما نصيب اقليم الجنوب 11.9% من الانتاج الكلي ويشكلون 9.3% من السكان, واللافت للانتباه ان القيمة المضافة لصناعات اقليم الوسط كانت ادنى نسبة حيث بلغت 33.2% في حين بلغت القيمة المضافة لصناعات اقليم الشمال 44.7%, اما صناعات اقليم الجنوب فقد سجلت اعلى نسبة من القيمة المضافة 46.8%, وتفسير ذلك ان قسما من الصناعات المحلية لاقليم الوسط هي تعليب وتغليف وتجميع, وهي لا تحقق قيمة مضافة مرتفعة, كما يعكس ذلك ارتفاع كلفة مدخلات الانتاج المستوردة من الخارج, فمن المعروف ان الشركات المتعددة الجنسيات والتي تهيمن على القطاعات الصناعية الرئيسية في ظل العولمة الرأسمالية تقوم بفتح فروع او تعيين وكلاء لها في البلدان النامية للاستفادة من الايدي العاملة الرخيصة وكذلك لتخفيض كلفة الشحن, لتحافظ على مستويات مرتفعة من الارباح.

يحتل قطاع الانتاج الصناعي دورا هاما في الاقتصاد الوطني للدول المتقدمة, وكذلك الدول النامية التي تسعى للارتقاء في اقتصادها الى مستوى الدول المتقدمة, ونحن في الاردن كباقي معظم الدول النامية, ما زال اقتصادنا يعاني من ضعف شديد في هذا القطاع الحيوي, على الرغم من الحديث المتكرر وفي مختلف المناسبات حول رغبتنا في تحقيق تنمية مستدامة, ووضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة, لا شك ان تحسنا ما قد طرأ على مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الاجمالي, الا ان قطاع الخدمات ما زال يحتل الدور الرئيسي في الاقتصاد الوطني, وبقيت مساهمة قطاع الانتاج الصناعي لا تتجاوز 20% من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2005 وفقا لمعلومات دائرة الاحصاءات العامة, على الرغم من تمتع الاردن بامكانيات تؤهله لتوسيع دور قطاع الانتاج الصناعي, مستفيدين من الثروات الغنية التي تمتلكها الدولة, مثل البوتاس والفوسفات والصخر الزيتي.. وتوفر الايدي العاملة التي تحتاج الى الاعداد والتدريب, والمستوى التعليمي والثقافي الذي يتمتع به المجتمع الاردني, وكذلك الاستفادة من السيولة المحلية الضخمة, التي تهدر في المضاربات المالية, او تجمد في العقارات والاراضي, بالاضافة الى حاجة الاسواق المحلية والعربية للسلع التي يمكن انتاجها من المواد الاولية المحلية, بدلا من تصديرها خامات باسعار زهيدة, وبذلك يمكن تحقيق تنمية مستدامة تسهم في معالجة قضايا الفقر والبطالة, وتعزيز قدرة الاقتصاد الوطني, وتوسيع مصادر ايرادات الخزينة, والكف عن نهج سياسة الاعتماد على التوسع الضريبي بشكل رئيسي, وخاصة الضرائب غير المباشرة, التي تسهم برفع كلفة السلع الاساسية الامر الذي يؤدي الى سوء الاوضاع المعيشية ويترك اثارا مؤلمة على ذوي الدخل المحدود, ويسهم في تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين.