كثرت التصريحات الرسمية المتناقضة حول الأزمة المالية التي تواجه البلاد، ” البلاد تسير نحو اليونان… الاقتصاد الأردني مهدد بالانهيار… الدينار مهدد بالانهيار… لا يوجد رواتب لموظفي الدولة… العام الحالي سيكون صعبا على الأردن… بالمقابل نطالع تصريحات مضادة، مثل: الاقتصاد الأردني تعافى من أزمته… الدينار يتمتع بحماية كافية للحفاظ على استقراره… الوضع المالي في البلاد ليس أصعب من السنوات السابقة..! كيف يمكن تفسير هذه التصريحات المتناقضة، هل الاقتصاد الاردني يعيش ازمته ام تعافى وتجاوزها..؟ علما أن التصريحات المتفائلة أو المطمئنة تأتي مباشرة بعد التصريحات المتشائمة، هل هناك تخبط في السياسية المالية والاقتصادية، أم لهذه التصريحات وظيفة سياسية محددة؟
أعتقد جازما أن هذه التصريحات جاءت لتمرير رفع أسعار المشتقات النفطية في أكثر من مرة على الرغم من الضرائب المرتفعة التي تفرضها الحكومة على هذه المواد الارتكازية، والتي تسببت برفع أسعار معظم السلع الأساسية. وتكررت هذه التصريحات في هذه الأيام لتمرير رفع أسعار الكهرباء. فقد سربت الحكومة توجهاتها المبنية على تعهداتها لصندوق النقد الدولي، برفع فاتورة الكهرباء على مراحل تبدأ بزيادة نسبتها 15%، انسجاما مع املاءات صندوق النقد الدولي، الذي يُتبع سياساته أولا بأول من خلال مندوبه الدائم في وزارة المالية. دون اعتبار للآثار الاجتماعية لهذا الاجراء الذي يتسبب برفع معظم السلع الأساسية، ناهيك عن تأثيره على القطاع الصناعي من اضعاف القدرة التنافسية للصناعة الوطنية وهروب المستثمرين للخارج. أما التصريحات المطمئنة التي يطلقها بعض المسؤولين، وظيفتها محاولة يائسة لترميم آثار التصريحات المتشائمة دون جدوى.
نحن نتحدث عن الأردن وليس عن كوكب آخر لتبرير التنبؤات المتناقضة، نحن نتحدث عن حصيلة السياسات المالية والاقتصادية في البلاد، وليس عما يحتويه باطن الأرض من غاز أو بترول يحتمل التقديرات المتباينة. إن فحص نتائج السياسات المالية الاقتصادية تحتاج الى معطيات محددة تفضي بنتائج ملموسة، منها معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي الذي يحدد الوضع الاقتصادي، وهو يراوح حول 2.5% ، ويلامس معدلات النمو السكاني في البلاد، ويعبر عن فشل النهج الاقتصادي السائد في تحفيز الاقتصاد الوطني بسبب استمرار السياسات الليبرالية الجديدة التي فرضت على البلاد، على الرغم من الاعتراف المدوي بفشل هذه السياسات في المراكز الرأسمالية. أما بخصوص السياسة المالية، فقد اتسعت الهوه بين الايرادات والنفقات، بزيادة معدلات نمو النفقات بنسب أعلى بكثير من معدلات نمو الايرادات، فقد خفضت الحكومات ايرادات الخزينة من القطاع المصرفي والتجار بالتعديلات المتتالية لضريبة الدخل، وتراجعت ايرادات الخزينة من الايرادات المحلية غير الضريبية بسبب التخلي عن مؤسسات الدولة لصالح الاحتكارات الرأسمالية باسم التخاصية. أما النفقات المتنامية والتي لا تحتل أولوية في الاقتصاد الأردني، على سبيل المثال استملاك الأراضي والاشغال والمباني والاثاث والسيارات الفارهة، التي تشكل حوالي نصف النفقات الرأسمالية. أما نفقات الجهاز العسكري التي ارتفعت خلال السنوات الأربعة الأخيرة أكثر من 50%، وشكلت حوالي ثلث النفقات الجارية خلال العام الماضي 2012، وفوائد الدين العام التي تضاعفت خلال نفس الفترة من 400 مليون الى 800 مليون دبنار. كما أن المديونية تجاوزت قانون الدين العام بشكل خطير، وبدلا من ضبطها يعلن وزير المالية عن توجه الحكومة باعادة النظر بقانون الدين العام. وبهذه المناسبة نشرت وكالات الأنباء قرار وكالة ” ستاندرد أند بورز” تخفيض التصنيف الائتماني للأردن على المدى الطويل درجة واحدة إلى “بي بي سالب” من النظرة السلبية للاقتصاد الأردني الذي يعيش أزمة مركبة تفاقمت خلال الأعوام الثلاثة الماضية. والحديث يطول حول الازمة ومظاهرها، وسوء توزيع الدخل الذي أسهم بشكل مباشر في اتساع الهوة بين الاثرياء من البرجوازية البيروقراطية والكمبرادور من جهة، والطبقات الفقيرة والمتوسطة من جهة ثانية. ناهيك عن الفساد المالي والاداري الذي استنزف طاقات البلاد.
أما الاستخلاص الرئيس أن الأزمة التي تعيشها البلاد تحتاج الى نهج جديد لمواجهتها وليس لتصريحات تعكنن أمزجة المواطنين لتمرير مزيدا من الأعباء المالية على كاهلهم، وان السياسات المالية والاقتصادية السائدة تدفع البلاد نحو المجهول، وان رفع أسعار المحروقات والكهرباء لن يحل مشكلة الموازنة. لكن من المفيد ان نذكر معالي وزير المالية بتصريحاته السابقة حول الهدر في نفقات الموازنة الذي قدره بحوالي 15%-20% وتصريحاته الأخيرة الذي يتحدث فيها عن تهرب ضريبي سنوي مقداره 800 مليون دينار.

تحت هذا العنوان نشر ريتشارد هاس، أحد أبرز المفكرين السياسيين المحافظين ورئيس أحد أهم مراكز الأبحاث الأمريكية “مجلس العلاقات الخارجية “، مقالا قال فيه: إن التهديد الأكثر خطورة الذي يواجه الولايات المتحدة الآن وفي المستقبل المنظور ليس الصين الصاعدة، أو كوريا الشمالية المتهورة، أو إيران النووية، أو الإرهاب الحديث، أو تغير المناخ. رغم أن كلاً من هذه المخاطر يشكل تهديداً محتملاً أو فعليا، فإن أعظم التحديات التي تواجه الولايات المتحدة تتلخص في الديون المتزايدة الضخامة، والبنية الأساسية المتهالكة، والمدارس الابتدائية والثانوية الرديئة، ونظام الهجرة الذي عفا عليه الزمن، والنمو الاقتصادي البطيء، باختصار؛ الركائز المحلية التي تستند إليها قوة أميركا.
ما ورد في تشخيص الكاتب حول التحديات التي تواجه الولايات المتحدة، يعبر عن مفاعيل الازمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في أيلول 2008، والتي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على النظام الرأسمالي، وعلى أهمية ما أورده الكاتب، لكنه توقف عند بعض مظاهر الأزمة. وهنا نضع عدة خطوط تحت كلمة “بعض” تجاهل الكاتب أبرز مظاهر الازمة، البطالة المتفاقمة، ومعاناة العمال والفقراء والطبقات الوسطى، اضافة الى ما سببته الأزمة من معاناة لشعوب الأرض قاطبة، فالأزمة التي اشعلت فتيلها أزمة الرهن العقاري وانهيار بنك ليمان برذرز، وانهيار مئات البنوك والمؤسسات المالية الأميركية، تسببت بتشريد ملايين البشر من منازلهم ليقيموا بكرافانات أشبه بمعسكرات الاعتقال الجماعي، ينتظرون وجبات الطعام من الجمعيات الخيرية، هؤلاء وغيرهم من الهائمين على وجوههم، هم الذين دفعوا ثمن سياسات اقتصاد السوق المنفلت.
ويضيف الكاتب.. قد يتشفى القراء بما يُجرى. تشفى المتضررين من الغطرسة الامريكية لا يستطيع أحد حصره، فالمشاعر الانسانية لضحايا السياسة الأمريكية ملك لأصحابها… لم تفلت دولة في بلدان العالم الثالث من الغطرسة الامريكية، منذ أواسط القرن الماضي بدءا من ” مشروع أيزنهاور” الذي عرف بسياسة ملء الفراغ، بعد هزيمة الاستعمار الإنجلو- فرنسي في الشرق الأوسط، ومحاولات فرض ” حلف بغداد ” وما تبع ذلك من احلال للاستعمار الجديد متمثلا في الولايات المتحدة الأميركية، مكان الاستعمار القديم، والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، باخضاع ايران للنفوذ الاميركي بعد الانقلاب على حكومة مصدق. والدعم غير المحدود السياسي والاقتصادي والعسكري الذي قدمته الولايات المتحدة الاميركية للكيان الصهيوني في احتلالها فلسطين واجزاء من الوطن العربي، ومن ثم الاحتلال الاميركي المباشر للعراق الذي اعتبر ذروة انتصار “مشروع ايزنهاور” في ملء الفراغ والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط. وعشرات الحروب والانقلابات الدموية التي تمت بتخطيط من الدوائر العسكرية والأمنية في الولايات المتحدة، من كوبا الى فيتنام ومن الكونغو الى تشيلي والقائمة تطول.
يستدرك الكاتب بالقول إنه ينبغي للناس في مختلف أنحاء العالم أن يتوخوا الحذر في حين يتمنون فشل أميركا في التعامل مع تحدياتها الداخلية، لأن ذلك لن يأتي بلا ثمن باهظ ، موضحا أن رهان العالم على نجاح أميركا يكاد يعادل رهان أميركا على نفسها. حيث يشكل اقتصاد الولايات المتحدة نحو ربع الناتج العالمي. وإذا تسارع نمو الولايات المتحدة، فإن قدرة أميركا على استهلاك سلع وخدمات دول أخرى سوف تزداد.
لا شك أن الكاتب يدرك أن لا أحد يضمر شرا للشعب الأميركي، ولا رغبة لأحد باختفاء اميركا عن العالم فقط اختفاء الغطرسة الأميركية والسسياسة العدوانية الأميركية.. اختفاء الظلم وتحقيق العدل.. كل ما تسعى اليه الشعوب تغيير السياسات الأمريكية، فالاعتراض على نهج الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية القائمة على التفرد بقيادة العالم مستغلة جبروتها، مستعينة ببعض الأنظمة الديكتاتورية والدول العنصرية لفرض هيمنتها على ارادة الشعوب. وفي السياسة الداخلية يمكن القول، انتهى العصر الذي تستطيع المراكز الرأسمالية الجمع بين تحقيق رخاء يضمن نسبة نمو اقتصادي يسمح بالسيطرة على معدلات البطالة وتحقيق الثراء الفاحش لكبار الرأسماليين، وتآكل الطبقة الوسطى، هذا النهج أصبح خَلْفنا بعد اختراق الدول النامية مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها جدار الدول المتقدمة ومنافستها ليس في الأسواق العالمية فحسب، بل في أسواقها. انتهى عصر تقسيم العمل بين دول منتجة “الدول الصناعية” ودول مستهلكة “الدول النامية”. نحن في عصر العولمة، عصر انتقال رأس المال من المراكز الى الأطراف بحثا عن العمالة الرخيصة. ليس مهما لرأس المال المحافظة على مكانة دولته الاستثمارية، بقدر ما هو أهم “جني الأرباح” .
أما مسألة الخروج من الأزمة في ظل الواقع الملموس، لم تجد نفعا يد ادم سميث “الخفية” في الحفاظ على التوازن الاقتصادي في سوق منفلت، فقد حان الوقت لاحداث تغيير جوهري، بدور ملموس للدولة في “توزيع عادل للثروة” بدلا من يد سميث “الخفية”، ليتمكن العمال والفقراء من توفير غذاء ودواء لأطفالهم وزيادة الطلب الكلي في السوق، ما يسهم برفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة ايرادات الخزينة وتطوير البنية التحتية والسيطرة على الدين العام.

اتيحت لي فرصة حضور لقاء مفتوح مع ممثلي النقابات العمالية المستقلة بمشاركة شخصيات نقابية وسياسية ونيابية عقد بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية، تحت عنوان “نحو إصلاح الإطار التشريعي للحق في التنظيم: النقابات العمالية المستقلة نموذجاً”، تناول الحوار الأسباب الموضوعية وراء حركة العمال بتأسيس نقابات مستقلة، والاطار التشريعي لهذه النقابات، وأثر هذه النقابات على وحدة الطبقة العاملة. لا شك أن أسبابا موضوعية كانت وراء تشكيل نقابات عمالية مستقلة، منها عدم مواكبة الحركة النقابية للمستجدات التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية، وعدم مواكبة التشريعات العمالية للتطورات، الأمر الذي حرم قطاعات واسعة من العمال من تشكيل نقاباتهم، اضافة إلى حرمان موظفي الدولة من تشكيل نقابات عمالية، ما دفع قطاعات واسعة من العمال في القطاعين العام والخاص بتشكيل نقابات عمالية مستقلة، وتشكيل اتحاد عام للنقابات المستقلة، ومع ادراك التام لما ينطوي على هذه الاجراء من مخاطر وجود جسمين للحركة النقابية وأثر ذلك على وحدة الطبقة العاملة، الا أن عدم تفاعل معظم النقابات العمالية مع الظروف والمستجدات التي تعيشها البلاد في ظل الأزمة الاقتصادية، وانهيار القيمة الفعلية للأجور. وعدم مواكبة معظم النقابات العمالية للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة، خاصة أثر حزمة القوانين الاقتصادية التي صدرت تمشيا مع نهج الليبرالية الجديدة الذي ساد منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وكان أبرزها تحرير الأسعار وانفلاتها، وتحرير أسواق المال، والغاء الدعم على السلع الضرورية وارتفاع تكاليف الخدمات الصحية والتعليمية، وأثر ذلك على الواقع المعيشي للعمال، في حين لم تتصد معظم النقابات العمالية كما يجب لمهامها في الدفاع عن حق العمال في العيش الكريم. ولم يطرأ أية تطورات ملموسة على قانون العمل لتوفير مظلة نقابية عمالية تشمل كافة القطاعات، وتعيد النظر في الاجراءات الكيفية التي تمت بهدف احتواء الحركة النقابية في سبعينيات القرن الماضي التي ما زالت تعاني من أثارها حتى يومنا هذا. ولالقاء الضوء على أهم الأسباب التي أدت الى اضعاف الحركة النقابية وفشلها في التصدي للسياسات الاقتصادية التي مورست خلال العقدين الأخيرين في الدفاع عن حقوق العمال، لا بد من التذكير بالدور المميز الذي قامت به الحركة النقابية العمالية في سبعينيات القرن الماضي، في الدفاع عن استقلاليتها وحقها بتنظيم المطالب العمالية في مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة التي شهدتها البلاد في تلك المرحلة، والتصدي للهجمة الشرسة التي تعرضت لها بسبب التدخلات السافرة في شؤونها الداخلية وإجراء انتخابات صورية أوصلت قيادات لا تعكس ارادة العمال على رأس عدد من النقابات العمالية، وذلك لحرمان العمال من القيام بحركات مطلبية. فقد سادت أجواء إرهابية بين صفوف العمال وتعرض العديد من النقابيين للاعتقال والتنكيل والاستدعاءات الأمنية. فقد شهدت النقابات العمالية خاصة التي كان على رأسها هيئات إدارية منتخبة نشاطا عماليا ونقابيا في مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة وانهيار القيمة الفعلية للاجور في بداية سبعينيات القرن الماضي، التي عرفت بحقبة “البترودولار” فاكتشفت السلطة أن إجراءاتها وتدخلاتها كافة في شؤون الحركة النقابية لم تحقق أهدافها في احتواء الحركة النقابية والالتفاف على الحركة المطلبية، فالنهوض العمالي والتحركات النقابية جاءت على عكس توقعاتها، خاصة بعد نجاح الاضرابات العمالية بتحقيق أهدافها، وتوقيع اتفاقيات مع أصحاب العمل تتضمن تحسين شروط الاستخدام، لذلك اكتشفت الدوائر الرسمية أن لا بد من وجبه جديدة من الإجراءات والتدخلات بهدف اضعاف وترويض الحركة النقابية لإجهاض الحركة المطلبية العمالية. وقد جاءت التدخلات الجديدة عبر تعديل المادة (84) من قانون العمل الأردني التي أعطت وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الحق بإعادة تشكيل النقابات ودمجها بصورة كيفية بما يسمح تقويض نشاطها والحد من دورها، وتضمن التعديل تحديد المهن والصناعات التي تشكل نقابة عمالية واحدة وحصر هذه النقابات بـ 17 نقابة عمالية عامة، وقد جاء قرار التعديل في ظل حملة مطاردة واعتقالات بين صفوف العمال وقادة الحركة النقابية وعلى رأسهم القائد النقابي السابق المرحوم موسى قويدر واستخدام الوسائل كافة لإبعاد العمال عن نقاباتهم . ورغم مرور عدة عقود على هذه الأحداث إلا أن آثارها ما زالت ماثلة امامنا ” ضعف الحركة النقابية وتكلسها” الأمر الذي دفع العمال في البحث عن مؤسسات نقابية عمالية جديدة، تكفل لهم حقهم بالدفاع عن لقمة عيشهم. وتشكل اداة ضغط لاشاعة الديمقراطية في النقابات العمالية، وتطوير بنيتها الهيكلية.
 

احتفلت الطبقة العاملة في الأول من أيار -عيد العمال العالمي، بالمسيرات والمهرجانات الغاضبة لتجدد رفضها للاستغلال الذي تتعرض له من نتائج سياسات الليبرالية المتوحشة واقتصاد السوق المنفلت. فقد انطلقت المسيرات العمالية في مختلف المدن والعواصم العالمية، وقد شهدت عمان مسيرة حاشدة نظمها اتحاد الشيوعيين رفعت شعارات وطنية واجتماعية، من أبرزها رفض التدخل الأميركي في الأزمة السورية، ورفض استخدام الأردن ممرا للعدوان على القطر الشقيق. كما هتف العمال مطالبين بتحرير الاقتصاد الوطني من التبعية والتمسك بحق الأردنيين بثرواته الوطنية في مواجهة ما يعرف بسياسة التخاصية، والدفاع عن لقمة عيش الفقراء، في ظل الارتفاع المتواصل للأسعار وانهيار القيمة الفعلية للأجور، مطالبين بحق العمال بالعمل. وقد ألقى كل من د. منير حمارنة، الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، و د. حيدر رشيد، رئيس النقابة العامة للعاملين في المصارف والتأمين والمحاسبة، كلمات أكدا فيها التمسك بحقوق العمال، والدفاع عن القضايا الوطنية وطرح سياسة اقتصادية جديدة تتضمن مشروعا تنمويا يضع باعتباره استثمار ثروات البلاد وتوفير فرص عمل، والتصدي للجشع والاستغلال، بعيدا عن املاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.
ويأتي عيد العمال هذا العام في ظل تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي ما يزيد من بؤس وآلام الطبقة العاملة والكادحين عامة، حيث دفع العمال العرب ثمن السياسات الرعناء التي فرضها النظام العربي، من التفرد بالسلطة ومصادرة الحريات العامة، واستشراء الفساد واغراق البلدان العربية بالمديونية والخضوع لاملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين. وقد استثمر أعداء الأمة تداعيات الثورات الشعبية العربية في محاولة لاحتوائها. أما الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال يعاني من أبشع أنواع القهر الطبقي والقومي، من الاستيطان وتهويد الأراضي وأسر خيرة أبنائه الذين يخوضون معارك المعد الخاوية، وفي طليعتهم الاسير البطل سامر العيساوي، صاحب أطول اضراب عن الطعام الذي انتصر أخيرا على جلاديه.
فالعمال والكادحون والمهمشون العرب يدفعون ثمن سياسات الفساد والاستبداد، فقد كشفت منظمة العمل العربية أن نسبة البطالة في الوطن العربي تقدر بحوالي 16% وهي مرشحة إلى الازدياد،. كما أكدت المنظمة أن سوء الأحوال المعيشية للعمال العرب في العديد من الدول العربية مثل مصر وتونس ولبنان والسودان وفلسطين المحتلة، دفعت الكثير منهم للهجرة بحثا عن فرص عمل أفضل وتحسين مستوى حياتهم، الأمر الذي أوقع حوالي 600 ألف عامل مهاجر ضحايا الاتجار والاعتداء والعمل الإجباري والاستغلال الجنسي. إن الطبقة العاملة التي فجرت الثورات الشعبية في عدد من الأقطار العربية ضد نظم الفساد والاستبداد وسياسات الليبرالية الجديدة التي أدخلت الوطن العربي في أزمة حادة، فهي قادرة على تصويب المسار وقيادة النضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
عالميا استقبلت الطبقة العاملة الأول من أيار باحتفالات ومهرجانات ومسيرات عبرت من خلالها عن رفضها لنهج الطغم المالية والاحتكارات الرأسمالية بتحميل العمال والفقراء نتائج الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي، بفرض سياسات انكماشية، بخفض الأجور وزيادة الضرائب، ورفع سن التقاعد، والغاء العديد من المكاسب العمالية التي تحققت عبر مئات السنين. اضافة إلى فصل ملايين العمال عن العمل وارتفاع معدلات البطالة التي تعتبر من أخطر مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية. وقد شهدت معظم الدول الرأسمالية خلال العام الماضي مظاهرات واضرابات احتجاجية على سياسات التقشف وفي مقدمتها اليونان وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا، حيث أسهمت هذه السياسات بتعميق الأزمة ودخول معظم اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي في مرحلة الانكماش الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة، وقد سجل عدد العاطلين من العمل في فرنسا 3.2 مليون عامل وفي إسبانيا 6.2 مليون عامل لترتفع نسبة البطالة في رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو إلى 27% ، كما بلغت نسبة العاطلين من العمل بين الشباب في أوروبا حوالي 24%. وتعتبر هذه الحصيلة النتيجة الطبيعية لتحميل الطبقة العاملة وفقراء العالم عبء الأزمة الاقتصادية. الأمر الذي أدى الى اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء. ففي الوقت الذي تعاني الطبقة العاملة من سياسة التقشف والفقر والاملاق ارتفعت ثروة الأغنياء حيث تشير مجلة “فوربس” أن ثروة (1428) ملياردير ازدادت من (4.6) تريليون دولار إلى (5.4) تريليون خلال العام الأخير.