بَعْد واحد وخمسين يومًا من الحرب الإجرامية التي شنتها قوات الاحتلال الصهيوني على غزة، احتفل الغزاويون خاصَّة، والفلسطينيون عامة، ومعهم أحرار العرب والعالم بالهزيمة النكراء التي لحقت بالفاشيين الجدد في “إسرائيل”. قد يتساءل البعض عن أي انتصار تتحدثون، نتحدَّث عن فشل المشروع الصهيوني بتصفية المقاومة الفلسطينية، فشله في قتل روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، فشله بتجريد المقاومة من سلاحها، فشله في المراهنة على تمزيق الوحدة الوطنية، والعودة إلى الانقسام، فشله بفرض سياسة الأمر الواقع على غزة كما هي الحال في رام الله، فشله في تنفيذ أهم حلقة من حلقات تصفية القضية الفلسطينية، فشله في تحريض الرأي العام الفلسطيني في قطاع غزة ضد المقاومة بسبب النهج اللا أخلاقي الذي اتبعته قوات الاحتلال الصهيوني بقتل الأطفال وهدم المنازل على رؤوس المواطنين الفلسطينيين، انتقاما وتحريضا.

محاضرتي في بيت الشباب في 30/8/2014

بدعوة من “مسار” وضمن فعاليات ملتقى الفكر الاقتصادي

تداعيات الازمة الرأسمالية .. والتوجهات الاشتراكية المعاصرة

فهمي الكتوت

منذ تسعينيات القرن الماضي ويجري البحث عن إجابة على السؤال التالي: ما هي أسباب انهيار التجربة السوفيتية، فبعد أكثر من سبعة عقود على انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية، وبعد الاعتقاد أن الاشتراكية انتصرت في وجه الظلم والاستغلال والطغيان. جاء الانهيار المدوي الذي كان أثره كالصاعقة ليس فقط على شعوب الاتحاد السوفيتي فحسب بل على شعوب العالم اجمع وبشكل خاص على الـدول النامية وفي عدادها الدول العربية. فمن لم يقدر أهمية وجود الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، اعتقد انه الآن يستطيع إدراك ذلك، ومدى الضرر الذي لحق في مختلف شعوب العالم من تفرد اميركا وهيمنة الليبرالية المتوحشة على العالم والتحكم بمصيره. وما مدى أهمية وجود دولة عظمى تحمل مبادئ وأفكار سامية وتؤمن بحق تقرير المصير لشعوب العالم .

إذا كان انتصار الثورة عام 1917 قد هزّ العالم على حد تعبير الكاتب الأمريكي جون ريد في كتابه الشهير عشرة أيام هزت العالم فالانهيار أيضا قد هزّ أركان العالم، وكان صدى وأثار ونتائج الحدث الثاني عكس تماما صدى وأثار ونتائج الحدث الأول على مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في كافة أركان المعمورة، من هنا اختلفت الأجتهادات والآراء في الإجابة على السؤال الرئيسي حول أسباب الانهيار:- هل هذه الأسباب لها علاقة في نظرية كارل ماركس حــــول نقد الرأسمالية والبحث عن سبل تجاوزها، أم في التجربة السوفيتية ذاتها، وإذا كان الجواب يتصل بالتجربة، هل يكمن السبب بفكرة قيام الثورة في روسيا، كونها اضعف حلقات النظام الرأسمالي، أم بالأسلوب الستالينيي البيروقراطي المركزي الذي طبق في الاتحاد السوفيتي، وهنا أود أن اطرح بعض الأضاءات والأفكار لأبرز قادة الفكر الاشتراكي في العالم حول هذا الموضوع .
القراءات الأولى للتجربة الروسية في بداياتها خلصت ألى أنّ الثورة ضد “منطق رأسمال ” أي منطق ماركس حسب تعبير المفكر الإيطالي غرامشي، كونها جاءت في أكثر الدول الرأسمالية تخلفا، وان نظرية لينين بإمكانية قيام الثورة في روسيا باعتبارها اضعف حلقات الإمبريالية، حققت غرضها في استيلاء الطبقة العاملة على السلطة، وكان التطور الرأسمالي في روسيا بمراحله الأولى، والطبقة العاملة أقل خبرة وتجربة ولكنها الأكثر تنظيما من الناحية السياسية بفضل دور حزب البلاشفة.
كانت الطبقة العاملة متواضعة من حيث الحجم، وكاد ينحصر وجودها بشكل رئيسي في مدينتي موسكو وسان بطرسبرغ أمام جماهير غفيرة من الفلاحين الذين اجتذبتهم الثورة في مواجهة الإقطاع وملاكي الأراضي، لا شك إن شعار تحالف العمال والفلاحين والجنود في ظروف الحرب الذي طرحه لينين شكل قوة محركـــة ومـــؤثرة وفاعلة من اجل انتصار الثورة، والوصول الى السلطة السياسية، إلا أن الحلم تبدد بعد ذلك بسبب العقبات الرهيبــــة التي واجهت الدولة الحديثة، مما اضطر القيادة السوفيتية بزعامة لينين من إجراء تعديلات على مسارها، بالتخلي عن شيوعية الثكنات . حين “طرح لينين بوضوح في المؤتمر العاشر للحزب في عام 1921 بأنه” لا يمكن إنجاز الثورة الاشتراكية في بلد تتكون فيــه أغلبية السكان من منتجين زراعيين صغار ألا بجملة من التدابير الانتقالية الخاصة، التي لا حاجة إليها إطلاقا في البلدان الرأسمالية المتطورة. أن الحالة تختلف في روسيا حيث عمال الصناعة أقلية وحيث صغار المزارعين أغلبية” وكانت هذه التوجهات هي المقدمة لطرح السياسة الاقتصادية الجديدة” النيب ” في عام 1922 والتي انطلقت من إعادة النظر بالتوجهات المبكرة التي تبناها لينين في بداية الثورة، وخاصة ما يتعلق بالتـأمين والمصادرة وإلغاء الإنتاج البضاعي الصغير، وقدم رؤيته الجديدة التي انطلقت من حفز وتشجيع رأس المال الأجنبي والمحلي للإسهام في بناء اقتصاد الدولة الفتية كمرحة انتقالية لمحاولة إنجاز ما لم تنجزه البرجوازية الروسية قبل الثورة.
اعترض بليخانوف وكاوتسكي على توجيه الثورة في روسيا نحو سلطة العمال منذ البداية منطلقين من ان بلد مثل روسيا يتشكل اقتصاده أساسا من الإنتاج البضاعي الصغير وأغلبية سكانه من الفلاحين لا يستطيع النهوض بمهام الثورة الاشتراكية، وحذرا من نشوء نظام استبدادي، وتنبأ كاوتسكي في مطلع الثلاثينات بتعذر استمرار التجربة.
أدرك لينين هذه الحقيقة وكان ينتظر الثورات العمالية في القارة الأوروبية وبشكل خاص في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لقد زكى لينين هذا الاتجاه في كتاباته بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر حين قال في صريح العبارة ” كنا نفترض دون حساب كاف، بأننا سنتمكن بالأوامر الصريحة التي تصدرها الدولة البروليتارية من أن ننظم على الطريقة الشيوعية في بلد من صغار الفلاحين، إنتاج وتوزيع المنتجات من جانب الدولة إلا ان الحياة بينت خطأنا وتبين انه لا بد من سلسلة من الدرجات الوسيطة، رأسمالية الدولة، ففي بلد كهذه لا يمكن للثورة الاشتراكية إن تنتصر الا بشرطين:
الأول:- تدعمها في الوقت المناسب الثورة الاشتراكية في بلد أو عدة بلدان متقدمة.
الثاني:- التفاهم بين البروليتاريا التي تتسلم زمام السلطة وبين أغلبية السكان الفلاحين، إن الفلاحين مستاءون من شكل العلاقات وإنهم لا يريدوا أن يعيشوا بعد اليوم على هذا النحو، وينبغي لنا أن نأخذ رغبتهم بعين الاعتبار، وبذلك قرر المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي في روسيا الاستعاضة عن التأمين والمصادرة بالضريبة العينية.
حققت المرحلة الانتقالية السياسة الاقتصادية الجديدة ” النيب” نجاحات ملموسة في مجال إعادة بناء الاقتصاد السوفيتي المدمر من أثار الحروب الداخلية والخارجية، لم تدم هذه المرحلة طويلا فقد أعاد ستالين اقتصاد شيوعية الثكنات من جديد، ورافق هذا التوجه حملة واسعة من القمع والإرهاب طالت ملايين البشر لفرض النموذح الستاليني بالقوة، باستيلاء الدولة على مختلف إشكال الملكية في الأرياف والمدن، وإدارة الاقتصاد بأسلوب أوامري بيروقراطي.
اسهم دور ستالين في الحرب الوطنية والتحام الدولة والحزب والشعب في معركة واحدة ضد المحتلين النازيين، والانتصار العظيم الذي حققته الدولة السوفيتية، بالتغطية على ممارساتها القمعية، واضعفت التوجهات النقدية لسياساته، خاصة بعد تعاظم دور الدولة السوفيتية، وتعزز هذا الدور بفضل الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفيتي لشعوب الدول المستعمرة في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في نضالها من أجل الاستقلال والتحرر الوطني، كل ذلك اكسب الدولة السوفيتية شرعية وطنية وأممية، الا ان أحلام خورتشوف الوردية بإقامة النظام الشيوعي قبل نهاية القرن العشرين قد تبددت، ودخل الاتحاد السوفيتي في “كوما” في عصر بريجينيف وخاصة في المرحلة الاخيرة، ولم يتمكن من احراز أي تقدم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وبدأت مظاهر الأزمة في الربع الأخير من القرن الماضي في البروز دون علاج ، وقد أسهم كل من غوربتشوف ويلتسن بالتسريع في انهيار الدولة السوفيتية، والسؤال الهام هل كان انهيار الدولة السوفيتية حتمية تاريخية ..؟ اعتقد ان الانهيار لم يكن حتمية تاريخية، لقد كشفت اميركا عن وثيقة سرية اعدها مجلس الامن القومي في اواسط اربعينات القرن الماضي سميت “بمخطط ألن دالاس” تضمنت سنعمل على فرض نظريتنا على موسكو لتطور العالم، ولسنا مرتبطين بجدول زمني لتحقيق هذا الغرض، سنوظف طاقاتنا لإحداث انقلاب داخلي في الاتحاد السوفيتي”. ويعترف نيكولاي ريجكوف اخر رئيس وزراء للاتحاد السوفييتي في حديث لتلفزيون روسيا اليوم، اسهمت العوامل الخارجية بنسبة 50% من اسباب الانهيار. ويقول جورج شولتز وزير خارجية اميركا في عهد ريغان في مذكراته لقد جمع غورباتشوف اكواما من التنازلات امام اقدامنا، وقدمها على صحن من ذهب وهي حصيلة ضغوطنا خلال السنوات الخمس الاخيرة.
اذا كان ممكنا تفادي الانهيار لو نجحت القيادة بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تخرج الدولة السوفيتية من ألازمة، ليس باتباع سياسات حقبة شيوعية الثكنات، كما إنها ليست الصيغة المبنية على فكرة ” كل حسب حاجته” أي بمعنى إنها ليست المساواتية التي تفقد القدرة على التنافس الحر في ظل تكافؤ الفرص، بل تكريس مبدأ “كل حسب قدراته” وان العمل اساس كل كسب مادي. مع توفير الضمانات الاجتماعية، وتطوير اشكال الملكية التي ينبغي ان لا تنحصر بملكية الدولة كما كان الحال في الاتحاد السوفيتي، ولن تقوم على التأميم والمصادرة لكافة الفروع والقطاعات الاقتصادية بغض النظر عن حجمها، وتحويل الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والمبدعين الى موظفين في مؤسسة بيروقراطية، مع التمسك بحق الدولة في الثروات الوطنية، فهي ملك للشعب، كما ان للدولة دور هام يجب القيام به في مجال التنمية الاقتصادية وتحقيق وتائر نمو عالية لتأمين وفر في الانتاج. وفي مجال تحسين وتطوير الخدمات العامة للمجتمع، وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية والسكن، وتحقيق رفاهية المجتمع، شريطة توفير الحوافز الكفيلة لتطوير الانتاج وزيادة الانتاجية، مع ضمان اشاعة الديمقراطية وتحقيق الشفافية، لتعكس مدى النجاح أو إلاخفاق حول مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فان صناديق الاقتراع في ظل تعددية سياسية تعكس مدى رضى الجماهير الشعبية عن برنامج الحزب.
يبن الليبرالية والتنمية الاقتصادية الشاملة
إذا كان النموذج السوفيتي لم ينجح في روسيا بتشكيل حاضنة لرأسمالية الدولة لإنجاز مهام ما قبل الثورة الاشتراكية، كيف الحال في البلدان المتخلفة فالنموذج البيروقراطي المقولب بأنماط محددة امتزج مع تصورات خورتشوف بفكرة التطور اللارأسمالي في العديد من البلدان النامية وفي عدادها بعض الدول العربية، دون دراسة مسبقة لخصائص وظروف هذه البلدان، قدّم هذا التصور باعتباره نموذجا مناسبا وقابلا للتطبيق في البلدان النامية كمرحلة انتقالية الى الاشتراكية، فكانت النتائج أكثر سوء مما حدث في الاتحاد السوفيتي وشرق أوروبا كون الصيغة المطروحة صورة مشوهه عن نظام بيروقراطي معاد للديمقراطية، أدى هذا النقل الميكانيكي إلى بروز أنظمة مركزية بيروقراطية عاجزة عن تحقيق ديمقراطية سياسية، أو توفير الآليات المناسبة لتحقق نمو اقتصادي حقيقي في معظم هذه البلدان، وهيمنة انظمة بوليسية عملت على مصادرة الرأي الاخر، مع ذلك لا يمكن إغفال بعض النجاحات التي تحققت باقامة المشاريع الاستراتيجية التي تم تنفيذها مثل بناء السد العالي ومصانع حلوان في مصر والعديد من المشاريع الانتاجية في سوريا والعراق والجزائر، بدعم من الاتحاد السوفيتي، وعلى أهمية هذه النجاحات إلا إنها غير كافية لبناء دولة عصرية، ففشلت هذه البلدان في تحقيق الديمقراطية ومواجهة التحديات الكبرى في بناء القاعدة المادية الاقتصادية المبنية على إنتاج وسائل الإنتاج وتوطين التكنولوجيا، واستثمارها في مختلف الفروع الإنتاجية واستغلال الثروات الضخمة، وتطوير القطاع الزراعي ومكننته، وإنتاج السلع الاستهلاكية وتوفير الاحتياجات الضرورية للمجتمع.
كما فشلت انظمة التحرر الوطني في البلدان العربية من تحقيق القضية المركزية، والتي اعتبرت المبرر الرئيسي لصعودها إلى الحكم، “التصدي للمشروع الصهيوني التوسعي، وتحقيق المشروع القومي الحضاري، واقامة دولة الوحدة ” بسبب الفجوه بين الشعارات التي تبنتها ومواقفها الفعلية، وبقي المشروع وسيلة إعلامية لدى أنظمة الحكم، وفي وجدان الجماهير العربية، مما اضعف دور هذه البلدان في مواجهة المشروع الصهيوني، ليس هذا فحسب بل نجحت إسرائيل بتحالفها مع الإمبريالية الأمريكية من توجيه ضربات لهذه الأنظمة أدت في نهاية المطاف الى انهيارها واحدة تلو الاخرى، وقد شكلت هذه التراجعات مقدمات للبدء بالحلول المنفردة مع “اسرائيل”، كما شكلت اتفاقية كامب ديفد ضربة قاتلة للعمل العربي المشترك، وجاءت بعد ذلك اتفاقيات اوسلو ووادي عربة لتجهز هذه الاتفاقيات على الجبهة المعادية للاحتلال الإسرائيلي وفتحت الباب على مصراعيه لإنهاء المقاطعة مع “إسرائيل” واتخذت هذه الاتفاقيات مبررا لدى بعض الدول العربية والدول الصديقة للتطبيع وإقامة العلاقات السياسية مع الكيان الصهيوني، وطرحت المشاريع الشرق أوسطية التي تهدف إلى دمج “إسرائيل” في المنطقة وإعطائها دورا محوريا سياسيا واقتصاديا، وتمكين الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة الكاملة على الثروات العربية، وخاصة منابع النفط،.
إذا كانت السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الدول التي اصطلح على تسميتها ” التطور اللا رأسمالي” لم تستطع إنجاز مشروع تنموي يشكل قاعدة مادية لدولة عصرية، فأن الخضوع لنهج الليبرالية الجديدة واملاءات الصندوق والبنك الدوليين ليس فقط لم يحققا نموا اقتصاديا بل سببا كوارث اقتصادية واجتماعية لهذه البلدان وشعوبها، فقد دخلت معظم البلدان النامية في ثمانينات القرن الماضي في أزمة اقتصادية حادة أدت الى تراجع النمو الاقتصادي، وزيادة نسبة البطالة، وبرزت أزمة المديونية بشكل صارخ في مختلف دول العالم الثالث، وشكلت هذه الأزمة انتكاسة للطموحات والآمال المعقودة من قبل مروجي سياسة الانفتاح الاقتصادي لتحقيق انتعاش وتنمية اقتصادية، ونجحت المراكز الرأسمالية من خلال صندوق النقد والبنك الدوليين، باستغلال الظروف الاقتصادية البائسة للبلدان النامية وفرض املاءاتها، واخضاعها لما يسمى “برنامج الاصلاح الاقتصادي” بفرض حزمة اجراءات: إلغاء مختلف أشكال الدعم عن المواد الأساسية والخدمات الضرورية، وتحرير التجارة وإزالة كافة الحواجز الجمركية لتسهيل انسياب السلع، وإلغاء الدعم عن المنتجات الصناعية والزراعية ، وتحرير الأسعار، وفرض الضرائب غير المباشرة، وإتباع سياسة الخصخصة ،بتخلي الدولة عن كافة مؤسساتها او مساهماتها في مختلف القطاعات لصالح القطاع الخاص، واعطائه الدور القيادي في إدارة الاقتصاد والدولة، هذه السياسات جرّت الويلات على البلدان النامية وأفقرت شعوبها، وكانت المقدمة الأساسية لهيمنة المراكز الرأسمالية على اقتصاد هذه البلدان ومن ثم فرض الهيمنة السياسية الشاملة عليها.
انفجار الازمة المالية والاقتصادية
أشعلت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية أزمة مالية، وأزمة فيض إلانتاج، شملت معظم البلدان الرأسمالية، وعلى الرغم من الإجراءات والتدابير الواسعة التي اتخذتها حكومات معظم البلدان الرأسمالية، إلا أن الأزمة كانت تتصاعد يوما بعد أخر، ومنذ انفجار الأزمة والعالم يشهد حالات فزع وذعر بسبب الخسائر الكبيرة التي شهدتها أسواق المال. بدأت مظاهر الأزمة تتفاعل منذ اوائل ثمانينات القرن الماضي، ومع وصول رونالد ريغان الى الحكم، بدأ يجنح بسياسة اقتصادية متشددة حول البرنامج الاجتماعي، تحت ذريعة تخفيض عجز الموازنة، في الوقت الذي أقدم على تخفيض الضرائب على الاحتكارات الرأسمالية، كما اتجه بشكل ملموس نحو السياسة الاقتصادية المنفلتة ” الليبرالية الجديدة”، وقد شهد الاقتصاد الاميركي ارتفاعا ملحوظا في معدلات التضخم. كما شهد تبدلات هيكلية أدت الى اتساع ظاهرة النشاط المالي من سندات واسهم واتساع ظاهرة المضاربات في البورصات والأنشطة المالية على مختلف أنواعها، مع انخفاض بنسبة الأموال الموظفة في الاقتصاد الحقيقي – الصناعة والزراعة- وتراجع دور القطاعات المنتجة في الاقتصاد الكلي ، الامر الذي ادى الى تضخم الاقتصاد المالي وضمور الاقتصاد الحقيقي، لدرجة ان نصيب الصناعة والزراعة من الناتج المحلي الإجمالي أصبح لا يتجاوز 21.5% في الولايات المتحدة الاميركية، ليعكس مدى هيمنة القطاعات الخدمية والمالية على الاقتصاد.
ومع انهيار التجربة السوفيتية اتسعت هذه الظاهرة بشكل كبير، حيث ساد شعور عام لدى حكام البيت الأبيض ان انهيار التجربة السوفيتية، انتصار لليبرالية الجديدة، التي تغولت بسياساتها المتوحشة والمعادية للإنسانية عامة سواء في داخل أميركا ضد العمال والفقراء عامة، أو في الخارج ضد شعوب العالم اجمع.
ساعد انتشار تداول الاوراق المالية (أسهم وسندات) على انخفاض نسبة النمو الاقتصادي، وزيادة الاعتماد على الخارج في الاستهلاك المحلي، مما أدى الى زيادة عجز الميزان التجاري ، وتصاعد عجز الموازنة حيث قدرت بحوالي 4500 مليار دولار، وارتفاع المديونية الى 10 تريليون دولار في عام 2008 ، اما اليوم فتقدر المديونية وفق اخر التقارير بحوالي 16.7 تريليون دولار، اكثر من 100% من الناتج المحلي الاجمالي، في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية أنفة الذكر برزت أزمة الرهن العقاري، حيث استدرجت البنوك العقارية أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية وتم توريطهم بقروض عقارية فاقت قدراتهم، ومع زيادة أسعار الفائدة وارتفاع مستويات التضخم ،وزيادة تكاليف المعيشة عجزت معظم هذه الفئات عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات المصرفية ، وتبين ان حجم القيمة العقارية في أمريكا تبلغ 50 تريليون دولار وان قيمة القروض العقارية بلغت 150 تريليون دولار، ثلاثة اضعاف القيمة الحقيقية للعقارات، ومع ارتفاع معدلات الفائدة و انخفاض القدرة الشرائية للمقترضين، وعدم مقدرتهم على الوفاء بتسديد اقساط القروض، استولت البنوك على العقارات. لكن ذلك لم يخرج البنوك من ازمتها بل عرض قسما منها لحالات الافلاس.
كما ادى تراجع الطلب العام على السلع الى ازمة فيض الإنتاج، بتكديس البضائع في المستودعات لعدم قدرة المنتجين (الطبقة العاملة) على الشراء نتيجة انخفاض مداخليهم الفعلية وإغراقهم بالقروض والالتزامات المتعددة، وبدأت الأزمة بدورتها المعروفة. وقد شهد النظام الرأسمالي منذ القرن التاسع عشر العديد من الأزمات، منها الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 1882 والتي استمرت ثلاث سنوات وكان مركزها أمريكا وفي عام 1890 نشأت أزمة اقتصادية بلغت ذروتها 1892 – 1893 في ألمانيا وانكلترا، وانفجر فيض الإنتاج في روسيا عام ،1899 سرعان ما انتشرت الأزمة في الدول الأوروبية عام 1900 ، أما الأزمة الشهيرة التي اندلعت في عام 1929 – 1933 فقد شملت جميع البلدان الرأسمالية دون استثناء. ان الأزمات المتكررة للاقتصاد الرأسمالي تضع مسألة وجود النظام الرأسمالي موضع بحث.
الرأسمالية تحمل في طياتها أسباب الأزمة
قدم ماركس نظريته حول نقد الرأسمالية في أواسط القرن التاسع عشر في مرحلة تاريخية معينة من تطور الرأسمالية، ثم جاءت التجربة السوفيتية التي وصلت الى طريق مسدود ، والظواهر التي درسها ماركس في حياته هي في تحول مستمر ، بفضل الانجازات التي حققتها البشرية في مجال العلم والتكنولوجيا والتي كشفت عن مظاهر جديدة للنظام الرأسمالي الذي يحتاج إلى دراسة معمقة لاستيعاب آثار المستجدات العلمية عليه ، وهي بمثابة انقلاب على المفاهيم الكلاسيكية ، لكن ذلك لم يغير في جوهره الاستغلالي، وتجلى هذا بقدرته على التكيف مع مواجهة المستجدات، وكان أبرزها مواجهة الأزمات الاقتصادية التي شهدها النظام الرأسمالي في بداية القرن العشرين خلال أعوام 1929_1933 والتي كادت تعصف في معظم الدول الصناعية، ما حدا بالمفكرين الاقتصاديين في النظام الرأسمالي التدخل لإنقاذ النظام الرأسمالي من الانهيار . وقد برزت الفلســفة الاقتصادية الكنزية كبديل للفكر الكلاسيكي ومنقذ للنظام الرأسمالي، وشكلت انقلابا جوهريا في الفكر الاقتصادي تتمثل في تدخل الدولة في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، متخلية عن محرمات الفكر الرأسمالي الكلاسيكي ومن ابرز خطواتها إنشاء اقتصاد مختلط من القطاعين العام والخاص وتأميم قطاعات اقتصادية رئيسية، وزيادة الإنفاق الحكومي لتخفيض معدلات البطالة، وإنشاء منظومة من التشريعات والمؤسسات في مجــال التأمينات الاجتماعية والصحية للعمال.
صحيح ان الرأسمالية نجحت بالتكيف خلال القرن الماضي، والإفلات من العديد من الأزمات إلا ان ذلك لا يعني بحال من الأحوال ان الرأسمالية انتصرت، وهي نهاية التاريخ وفقا للنظرية الرجعية لفوكوياما، الرأسمالية تحمل في طياتها أسبابا موضوعية لبروز الأزمة الاقتصادية الدورية، هذا ما أكده كارل ماركس في كتابه الشهير رأس المال، وهذا ما نشاهده في هذه الأيام، لقد كشف بوضوح ان الرأسمالية تتعرض لازمات دورية ومتعاقبة مشبها أزمتها الدورية بالأجرام السماوية التي ما ان تأخذ حركة التوسع والتقلص التناوبية حتى تتجدد بشكل متواصل. وان النتائج تصبح بدورها أسبابا، ومراحل العملية المتعاقبة هذه تجدد باستمرار شروطها الخاصة وتأخذ شكلا دوريا، موضحا ان المراحل الأساسية في دورة رأس المال هي (الأزمة، الانحطاط ، الانتعاش ، النهوض). وما يجري في هذه الأيام دليل ساطع على صحة هذا التحليل الذي حافظ على جوهره .
فمنذ سنوات وتتعرض شركات عملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية لازمات حادة تصل أحيانا الى حد الإفلاس، فقد شهدت أميركا إفلاس عشرات المؤسسات المالية الضخمة ومن أبرزها بنك “ليمان براذرز” الذي قدرت قيمته بحوالي 209 مليار دولار، والذي كان يستخدم 25 ألف موظف، وبانهيار “ليمان براذرز” فتح الباب على مصراعيه امام أسوأ أزمة مالية منذ “الكساد العظيم”. وانتشار الأزمة المالية عالميا، لتضرب اسواق المال في المراكز الرأسمالية كافة بعد ان سادت حالة من الذعر والفوضى في البورصات العالمية، التي هوت بسرعة مذهلة. وقيام الحكومة بشراء أبرز مؤسسات الرهن العقاري »فاني ماي« و »فريدي ماك« واكبر شركة تأمين في العالم. وقيام قطاع النقل الجوي في أمريكا بالتخلص من 22 ألف وظيفة بعد خسائر قدرت بعشرات المليارات من الدولارات، كل ذلك تعبيرا عن الفشل الذريع للسياسات الليبرالية. ان ألازمة المالية العالمية دفعت شركات أميركية وأوروبية إلى إعلان خفض كبير في الوظائف وتخفيض الإنتاج.
محاولات الخروج من الأزمة
حاولت الحكومات الرأسمالية جاهدة إنقاذ اقتصاداتها من أزمته الطاحنة بضخ أكثر من ثلاثة آلاف مليار دولار لإنقاذ المؤسسات المالية وشركات التأمين من الانهيار دفعت من جيوب المواطنين، وعلى حساب بؤس وإفقار وتجويع ملايين البشر في بلدان العالم الثالث، وتدخلت الدولة الاميركية بشراء مؤسسات مالية متعثرة خشية من انهيار النظام المصرفي، وتجنيب النظام الاقتصادي من الانهيار، لم تفلح هذه الاجراءات في إنقاذ النظام الرأسمالي من الوقوع في أزماته، فكافة المعطيات تشير الى ان الأزمة في صلب الاقتصاد الحقيقي للنظام الرأسمالي، ولم تنحصر بالسياسة المالية ونقص السيولة وانهيار عشرات المؤسسات المصرفية وشركات التأمين فحسب، بل تعمقت الأزمة وأصبحت أزمة النظام الرأسمالي. فعلى سبيل المثال تعرض قطاع صناعة السيارات لخسائر فادحة ادت الى إفلاس بعضها، ووصلت مدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات في العالم الى حافة الإفلاس بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية، وتوالت الانهيارات في البورصات العالمية، تاركة خلفها خسائر تقدر بآلاف المليارات.
ومن ابرز النتائج الأولية للازمة التي يعاني منها النظام الرأسمالي سقوط الليبرالية الجديدة النظرية الرأسمالية القائمة على الحرية المطلقة لرأس المال، وإطلاق العنان لآلية السوق ووقف تدخل الدولة في كافة النشاطات الاقتصادية، وسقوط الإيديولوجية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على معظم دول العالم، مستغلة تفردها بالنظام العالمي، مستخدمة ثقلها السياسي والاقتصادي وكذلك العسكري لإخضاع العالم لمصالحها ولرؤيتها الفكرية والسياسية، مسـتغلة المؤسسات الدولية من صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية كأذرع لفرض سياستها بالقوة، دون أدنى اعتبار للنتائج الكارثية التي أفرزتها هذه السياسة، وقد برزت مفاعيلها بالآثار الناجمة عن سياستها هذه في البلدان النامية، بالجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية، بدءا من تحميل الفئات الشعبية أثار ونتائج ألازمات الاقتصادية، برفع الدعم عن مختلف الخدمات الأساسية من التعليم والصحة وزيادة العبء الضريبي وانتهاء بفــرض سياسة التخاصية، وتحرير التجارة وتحرير الأسعار، وما تعنيه هذه السياسات من نتائج مؤلمة على الفئات الشعبية. والتي أدت إلى تجويع وإفقار مئات الملايين من البشر في مختلف أنحاء المعمورة، كما أدت إلى قتل وتشريد الملايين في الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض سياساتها.
ان الأزمة المالية والاقتصادية خلقت وقائع جديدة على الأرض، أهمها تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية وفقدانها لدورها الأوحد في العالم وفرض شروطها على شعوب الارض، فقد حان الوقت لطرح ملفات جديدة على طاولة المفاوضات، الملف الاقتصادي بإعادة صياغة السياسات النقدية وطرح سياسات جديدة تنهي الدور المتميز للدولار الأمريكي ، والملف السياسي بإعادة تكوين مجلس الأمن وإدخال دول جديدة للعضوية الدائمة وإلغاء حق الفيتو وإنهاء هيمنة أميركا على الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها . وإجراء تعديلات على دور وعمل المؤسسات الدولية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بما يخدم تحقيق تنمية اقتصادية شاملة في البلدان النامية ، وإعادة النظر بالديون على البلدان الفقيرة التي ورثتها من السياسة الليبرالية التي فرضتها أميركا .
فشلت برامج الإنقاذ الاستثنائية التي اتبعتها المراكز الرأسمالية لإخراج اقتصاداتها من الازمة. خاصة بعد ظهور أزمة العجوزات المالية في موازنات البلدان الرأسمالية، فإذا كانت سياسة ضخ الأموال أسهمت في إنقاذ بعض الشركات العملاقة من الانهيار لكنها لم تفلح في شفاء اقتصاد مسكون في الأزمة. وفشلت المحاولات المتكررة في الخروج من حالة الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. والتي اتجهت اساسا على اجراءات تقشفية بتحميل المواطنين اعباء الازمة، فقد تعرضت الطبقة العاملة والفقراء المهمشين لإجراءات تقشفية واسعة، تمثلت بزيادة الضرائب وتخفيض الرواتب والهجوم على المكاسب الصحية والاجتماعية، والتي أدت إلى زيادة معدلات التضخم وتفاقم مشكلة البطالة، واتساع دائرة الفقر. وقد شهدت البلدان الرأسمالية مسيرات غاضبة واضرابات واسعة احتجاجا على الاجراءات الحكومية، خاصة بعد فشل الادعاء ان الاقتصاد العالمي على أعتاب مرحلة جديدة، سمتها الأساسية الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية، والانتقال إلى مرحلة الانتعاش. ففي تصريح لافت، عبر ستانلي فيشر رئيس “مجلس الاحتياط الفيدرالي” (البنك المركزي) الأمريكي عن خيبة أمله لترنح الاقتصاد العالمي على الرغم من مرور ستة أعوام على الأزمة المالية والاقتصادية، معربًا عن أسفه لفشل معظم التوقعات المتفائلة التي صدرت في الأعوام الماضية، معترفا أنّه فشل في تفسير الأسباب الحقيقية لتباطؤ الاقتصادات الكبرى متسائلا إن كانت أزمات دورية..؟ أم بنيوية تتعلق بتغيير “أنماط الإنتاج الذي يتطلب بنى اقتصادية” تختلف عن تلك المتوفرة حالياً بفضل المتغييرات التي احدثتها تكنولوجيا المعلومات. معبرًا عن قلقه الشديد ليس لتباطؤ الاقتصاد الأمريكي فحسب بل واقتصادات المراكز الرأسمالية، شاكيًا مما وصفه من “إدمان” بكين على الخطط المحفزة التي تنعكس سلباً على تجارة أمريكا مع أكبر شريك لها.
اعتراف صريح من أهم الرموز الاقتصادية بفشل فلاسفة الاقتصاد الرأسمالي في تفسير أسباب استمرار الأزمة، وهو تعبير عن حالة الارتباك التي يعيشها الاقتصاد الرأسمالي، أما القول إنها أزمة بنيوية .. هذا صحيح فالأزمة متصلة في جوهر الاقتصاد الرأسمالي، وهي ناجمة عن التناقض الرئيسي بين العمل ورأس المال. وإن طبيعة التناقضات الملازمة لنمط الإنتاج الرأسمالي –كما يقول إرنست ماندل- تنفجر دوريا في أزمات فيض الإنتاج، ذلك ان الميل إلى أزمات فيض الإنتاج الدورية، والى سير الإنتاج بدورات يجتاز عبرها بالتتالي مراحل الإنعاش والرواج و”السخونة” والأزمة والكساد ، هذا الميل ملازم لنمط الإنتاج الرأسمالي ، وله وحده ، بحيث يمكن أن يختلف اتساع هذه التموجات بين حقبة وأخرى، غير أنها واقع حتمي في النظام الرأسمالي.
إن الذي يميز أزمة فيض الإنتاج الرأسمالية انخفاض المداخيل وانتشار البطالة، ليس لأن الإنتاج المادي قد انخفض بل عكس ذلك، لأنه ازداد بصورة تخطت بكثير القوة الشرائية المتوفرة. فينخفض النشاط الاقتصادي لأن المنتجات لم يعد بيعها ممكنا وليس لأنها نقصت ماديا .

كشفت الحرب القذرة التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بدعم وتأييد من حلف الأطلسي عن ظاهرتين بارزتين: الأولى مواقف الدول الصديقة المؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني، وأخص بالذكر دول أمريكا اللاتينية، والتي تستحق الشكر والتقدير على مواقفها الرائعة والمبدئية ضد حرب الإبادة، وقد عبّرت معظم هذه الدول مجتمعة ومنفردة عن مواقف مبدئية منحازة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني باعتبارها جزءً أساسيًا من حركة التحرر العالمي. فقد ألغى زعماء البرازيل والأرجنتين وبوليفيا وفنزويلا والأوروغواي والباراغوي في اجتماع مشترك اتفاقية “الميركسور” للتعاون الاقتصادي مع الكيان الصهيوني، كما اعتبرت بوليفيا “إسرائيل” دولة إرهابية، “ووقعت على نداء مقاطعة إسرائيل” الذي تتبناه منظمات غير حكومية، وقرر الرئيس الفنزويلي، “نيكولاس مادورو”، استضافة الأطفال المصابين، وكفالة الأطفال اليتامى.

هزيمة نكراء باعتراف جنرالات الاحتلال الصهيوني.. جيش الاحتلال يجر أذيال الخيبة.. فشل العدوان الإسرائيلي الإجرامي في تحقيق أهدافه المعلنة.. “تدمير قواعد الصواريخ وشل عمل المقاومة الفلسطينية”، لم تتوقف صواريخ المقاومِة حتى الدقيقة الأخيرة من وقف إطلاق النار، لكن قوات الاحتلال نجحت بجدارة بمنافسة “هتلر وموسليني” في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير المنازل والمدارس على رؤوس المدنيين والأطفال. لم تفلح الطائرات والمدافع الإسرائيلية التي ألقت حممها خلال أربعة أسابيع في فرض صك الاستسلام على غزة الباسلة.. غزة التي نالت إعجاب وتقدير شعوب العالم أجمع.. ونجحت في تلقين جيش الاحتلال درسًا جديدًا، غزة الشامخة التي عانقت السحاب بصمودها وتضحياتها.

صوَّب المجرمون الفاشست لهيب نيرانهم -وللمرة الثالثة على التوالي- على مدارس الأنروا، رغم حصول المسؤولين في الأنروا على موافقة قوات الاحتلال على إيواء الأطفال والنساء الفلسطينيين في مدارسها، وتسليم إحداثيات هذه المدارس للمحتلين الصهاينة لتجنب قصفها؛ فقد استخدمت هذه الإحداثيات لتوجيه القنابل الأمريكية الحارقة لقتل النساء والأطفال الذين احتموا بالمدارس. وصمة عار على النظام العربي الذي لم يُحرك ساكنا لوقف المذابح، لوقف شلال الدماء.. آلاف الفلسطينيين بين قتلى وجرحى؛ منهم: 80% من المدنيين، مُعظمهم من الأطفال والنساء. كتب الجندي الإسرائيلي دافيد عوفاديا -على حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي- “قتلت اليوم 13 طفلا عربيا”. عار على جبين النظام الدولي ألا يضع حدًّا لهؤلاء القتلة! والذي يُقيم الدنيا ولا يقعدها على قتل “إسرائيلي” واحد، في حين تخضبت أرض غزة بدماء الفلسطينيين وقادة التحالف الإمبريالي، يُكررون تصريحاتهم الاستفزازية العدوانية “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها!!”.