من المجحف تناول مشروع قانون ضريبة الدخل بمعزل عن السياسات الضريبية السائدة في البلاد؛ فالتشوهات الضريبية، وتصاعد العبء الضريبي بدأ منذ تسعينات القرن الماضي، بفرض سياسات ضريبية إحلاليه، انطلقت من مبدأ “توحيد العبء الضريبي” بدلا من “إعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية”.  ومن اهم أدوات السياسة الضريبية الجديدة صدور قانون الضريبة العامة على المبيعات عام 1994 والتوسع في تطبيقاته، بشمول غذاء ودواء وكساء الفقراء، متزامنا مع تراجع نسبة الضريبة التصاعدية لضريبة الدخل من 55% الى 30% على البنوك والشركات المالية، إضافة الى استحداث الضريبة الخاصة.  

بدعوة من ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية وبمشاركة واسعة من هيئات ومؤسسات وفعاليات وشخصيات وطنية عقد الملتقى الوطني الاقتصادي يوم 29/11/2017 تحت شعار مواجهة الاجراءات الاقتصادية الحكومية وإسقاط نهج الجباية والإفقار وبعد دراسة وحوار من المشاركين حول الاوضاع الاقتصادية والمعيشية تم الاتفاق على تقديم قراءة لمشروع الموزانة العامة لعام 2018 تقدم للرأي العام ووسائل الإعلام ولمجلس النواب، تعكس رأي وموقف واستخلاصات للخروج من الأزمة وتالياً نص الورقة:

يعكس مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2018  تفاقم الازمة المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد، فقد كشف خطاب الموازنة ان معدلات النمو الاقتصادي ما زالت تراوح مكانها بحدود 2% وهي تلامس نسبة النمو الطبيعي للسكان، وتؤثر سلبا على توفير فرص العمل الامر الذي يؤدي الى ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت الى اكثر من 18% وفق الأرقام الرسمية، وتقدر بنحو 35 الى 40% بين الشباب، وقد تراجعت صادرات البلاد بنسبة 7.5%  خلال العام الماضي 2016، وتصاعد عجز الميزان التجاري ليصل الى نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي، اما الدين العام الذي وصل الى اعلى مستوياته فقد بلغ 27.1   مليار دينار لغاية تشرين اول الماضي 2017  وفق الأرقام الرسمية، في حين تجاهلت الحكومة إضافة نحو مليار ونصف المليار دينار وردت كقروض في الموازنة تحت باب تسديد التزامات سابقة، ما يرفع نسبة الدين العام الى اكثر من 100% من الناتج المحلي الاجمالي. وقد خفضت مؤسسة “ستاندر اند بورز” التصنيف الائتماني للأردن في ضوء ارتفاع حجم الدين العام، حيث أشار تقريرها ان التصنيف الائتماني للأردن سيكون عرضه للمزيد من التخفيض في حال ارتفاع الدين العام الى مستويات اعلى، ولا يسمح قانون الدين العام بارتفاع المديونية لأكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي.   

فهمي الكتوت*

جريدة الغد – يعد قانون الموازنة برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي خلال عام، ومصادر الموازنة وأولويات إنفاقها يعكس رؤيتها تجاه الشرائح والطبقات الاجتماعية، وهنا يطرح سؤال جوهري؟ هل تراعي الموازنة من خلال سياساتها المالية مفهوم إعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية، أم تسهم في تعميق الفجوة بين الطبقات، وتعمق الاحتقانات الاجتماعية؟

لم تستهدف سياسات صندوق النقد الدولي؛ تصحيح الاختلالات المالية في موازين المدفوعات بقدر ما تستهدف فرض حزمة كاملة من الإجراءات المالية والنقدية والاقتصادية التي تعبر عن رؤية المدرسة الاقتصادية النيوليبرالية والعولمة الرأسمالية، واهمها: تحرير أسواق المال والتجارة، وازاله الحواجز لانسياب السلع والتدفقات النقدية، وتقليص الخدمات الحكومية، ووقف الدعم، وتطبيق سياسة التخاصية لتوسيع السوق الرأسمالي وتأمين فرص أرحب للاحتكارات الرأسمالية.

من سمات الأزمة الرأسمالية أنَّ الحلول تصبح أسبابا لتفاقمها؛ فقد لجأت المراكز الرأسمالية الى سياسة تقليص الانفاق على الخدمات العامة وخفض عائدات الطبقة العاملة من الإنتاج للحد من عجز موازناتها، فكانت النتائج مخيبة للآمال؛ وبدلاً من تخفيض العجز، تفاقمت الأزمة المالية وضربت مفاصل الاقتصاد الرأسمالي ودخل في نفق الركود الاقتصادي نتيجة تراجع القدرة الشرائية للعمال والفقراء والمهمشين عامة.

غادر أمين عام وزارة المالية إلى خارج البلاد لإصدار سندات يورو بوند بقيمة مليار دولار بعد أن أصدرت في نيسان الماضي سندات مشابهة بقيمة 500 مليون دولار بفائدة مرتفعة جداً نسبتها5,875 % (قيمة الفائدة على القروض الخارجية السابقة والآخذة بالاستحقاق هي نحو 2 %)؛ الأمر الذي يغرق البلاد بالمديونية التي أصبحت تشكل نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي خلافاً لما تعلنه الحكومة؛ فهي تخفي من احتساب المديونية نحو مليار دينار وردت في الموازنة الأخيرة للدولة تحت باب التزامات سابقة! وهذه «الالتزامات السابقة» هي عبارة عن نفقات خارج الموازنة وتشكل مخالفة قانونية ودستورية. وهذا يرفع كلفة تمويل المديونية بشكل كبير. ومن المفيد الإشارة إلى أن المديونية لها أثمان سياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية؛ فهي عبارة عن ضرائب مؤجلة الدفع.

تعيش الأردن أزمات سياسة واقتصادية واجتماعية مركّبة، كثمرة لنهج التبعية السياسية والاقتصادية، بعد إغراقها بالمديونية، فقد تراجع النمو الاقتصادي إلى 2% كما تراجعت الصادرات الوطنية بنسبة 9% خلال العام الماضي 2016. واستنزفت السياسات التقشفية طاقات الشعب الأردني وأسهمت بتوسيع دائرة الفقر التي شملت نحو ثلث السكان، ومع انهيار القيمة الشرائية للأجور تعمقت الفجوة الطبقية بين الشـرائح الاجتماعية، وتآكلت الطبقة الوسطى وارتفعت معدلات البطالة الى أكثر من 18% وفق الأرقام الرسمية، وهي مؤشرات تعكس تفاقم الأزمة الاقتصادية.

شهد الاقتصاد الأميركي، في «ذروة انتصار» الليبرالية الجديدة، تبدلات هيكلية أدت الى اتساع ظاهرة النشاط المالي.. من سندات وأسهم ومضاربات في البورصات والأنشطة المالية على اختلاف أنواعها، مقابل انخفاض نسبة الأموال الموظفة في الاقتصاد الحقيقي (الصناعة والزراعة). الأمر الذي أدى الى تضخم الاقتصاد المالي وضمور الاقتصاد الحقيقي، إلى درجة أن نصيب الصناعة والزراعة من الناتج المحلي الإجمالي أصبح لا يتجاوز 21.5%.

تحرير أسواق المال والتجارة الداخلية والخارجية، وفرض سياسة التخاصية وانهاء دور الدولة في الاقتصاد، إضافة الى تعويم العملة المحلية؛ الوصفة التي يصرفها صندوق النقد والبنك الدوليين، بعد اغراق الدول النامية بالمديونية، وتحميل الفقراء والشرائح الوسطى في المجتمع أعباء الازمة بتخفيض الدعم ورفع أسعار السلع وزيادة الضرائب غير المباشرة.