يعتبر مشروع قانون الموازنة الاداة الرئيسية لتنفيذ التوجهات العامة للدولة, وهو المعيار الحقيقي لسياساتها في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وقدم هذا المشروع من قبل حكومة الدكتور معروف البخيت, على عكس قانون الموازنة لعام 2006 الذي كان مقرا من قبل حكومة سابقة, واكتفت الحكومة بتقديمه لمجلس النواب, مع بعض الملاحظات والانتقادات, بقراءة موضوعية ودقيقة لمشروع قانون الموازنة العامة يمكن التعرف على التوجهات الحقيقية للحكومة.انتقد خطاب الموازنة لعام 2006 المقدم من قبل الحكومة الحالية زيادة الانفاق الرأسمالي في موازنة 2006 والتي بلغت 843 مليون دينار, بزيادة نسبتها 8.5% عن عام 2005 مبررا انتقاده الى احتواء النفقات الرأسمالية لقائمة طويلة من النفقات الجارية, مثل الرواتب والاجور والمصاريف التشغيلية, والصيانة وغيرها, والتي تزيد في متوسطها عن ثلث النفقات الرأسمالية, وطالب خطاب الموازنة بفصل الجزء المتعلق بالنفقات الجارية عن النفقات الرأسمالية, كنا نفترض ان الحكومة سوف تأخذ بعين الاعتبار ملاحظاتها هذه عندما وضعت مشروع قانون موازنة .2007 لمعرفة الحجم الحقيقي لمساهمة الدولة في الاستثمار الا ان هذه الافكار تبخرت عندما قدمت الحكومة موازنتها الجديدة, فلم تقدم كشفا مستقلا للنفقات الجارية كما طالبت الحكومة السابقة, وبدلا من ان تخفض النفقات الرأسمالية رفعتها بشكل كبير حيث تجاوزت المليار دينار, بزيادة نسبتها حوالي 30% عن 2006 اعادة تقدير.كما انتقد خطاب الموازنة النهج القائم على تجاوز حدود المبالغ المرصودة للنفقات في الموازنة العامة, ومع ذلك تجاوزت حكومة البخيت الموازنة المرصودة بنسبة لا تقل عن 13%.تميز مشروع قانون الموازنة بزيادة ملحوظة في الانفاق حيث بلغت النفقات العامة في مشروع قانون الموازنة 4334 مليون دينار, بزيادة قدرها 885 مليون دينار عن موازنة 2006 تقديرية, علما ان الموازنة الحالية خلت من دعم المحروقات, مما يؤشر الى زيادة غير مبررة في الانفاق وصلت نسبتها الى حوالي 25%, قياسا لعام 2006 تقديرية, وقد اصدرت الحكومة ملحقاً لموازنة 2006 وبلغت نفقات اعادة تقدير 3902 مليون دينار, اي بزيادة قدرها (452) مليون دينار في النفقات, ومع ذلك ورغم هذه الزيادة في النفقات فقد تميزت موازنة 2006 بتغطية النفقات الجارية بنسبة 100% من الايرادات المحلية, وذلك بفضل زيادة الايرادات الضريبية.بلغت الايرادات التقديرية لعام ,2007 3954 مليون دينار, حققت الايرادات الضريبية زيادة قدرها 570 مليون دينار, بتحسن ملحوظ في الايرادات المحلية ناجمة عن زيادة الايرادات الضريبية, على اهمية هذه الزيادة الا انها تعكس جانبا سلبيا كون الزيادة ناجمة عن زيادة العبء الضريبي, وليس من ايرادات محلية استثمارية, من هنا يؤشر مشروع قانون الموازنة الى سياسات انكماشية سوف تعمق الفجوة بين الفئات والشرائح الاجتماعية, زيادة الضرائب على المواطنين, والغاء الدعم عن المحروقات, فالعبء الضريبي اخذ في الارتفاع, وقد اصبح يشكل ضغطا كبيرا على الواقع المعيشي للفئات والشرائح الفقيرة والمتوسطة, كما يشكل ضررا على النمو الاقتصادي, في حين تميل الايرادات غير الضريبية نحو الانخفاض, وذلك بفضل التوجهات الحكومية القائمة على التوسع في سياسة الخصخصة, وقد اسهمت هذه السياسة في تفاقم الازمة, ومع ذلك لم تقف هذه القضية عند هذا الحد, فالحكومة ماضية في توجهاتها نحو خصخصة قطاعات التعليم والصحة مما يحرم الغالبية العظمى من ابناء المجتمع المحلي من الاستفادة من هذه الخدمات.الحكومة تتباها بان موازنتها بلا دعم للمحروقات, وبلا زيادة للموظفين, كما لمح خطاب الموازنة لعام 2007 الى نية الحكومة في زيادة اسعار المحروقات خلال العام المقبل, وهو اجراء غير مبرر فاسعار النفط تميل نحو الانخفاض, كما ينبغي اخذ المنحة النفطية السعودية التي سوف تقدم للاردن بقيمة 188 مليون دينار بعين الاعتبار, بالاضافة الى مساعدة مالية مباشرة بـ 210 ملايين دينار, يجب ان تسهم هذه المنحة في تخفيض سعر النفط وليس بزيادته, اما الايرادات الضريبية التي سوف تصل هذا العام الى 2369 مليون دينار بزيادة نسبتها اكثر من 25% عن 2006 تقديرية, حق دافع الضرائب الاستفادة منها قبل غيره, بتحسين الخدمات العامة وتخفيض كلفتها وزيادة رواتب الموظفين.

تحت هذا العنوان قدم الاستاذ ناهض حتر دراساته الفكرية والسياسية في كتابه الصادر عن دار ورد للنشر والتوزيع حول الجوانب الاساسية لفلسفة حركة التحرر الوطني, ضمن رؤية نقدية للتيارات الفكرية لحركة التحرر, سواء ما يتعلق منها باستراتيجية وتكتيك الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية, او في رؤية الفكر السلفي وبشكل خاص افكار حسن حنفي حول الاصالة والمعاصرة, من خلال دراساته الاربع, التي نشرت بكتاب جديد وهي: حول التراث والغرب والثورة في نقد حسن حنفي, ومهدي عامل وتنظير حركة التحرر الوطني, ومستقبل الماركسية العربية وحول اولوية السياسة ومعناها.قدمت هذه الابحاث في ظروف ومراحل تاريخية مختلفة في الفترة ما بين 1984 و 2001 وجاءت ضمن سياقها التاريخي, ومع ذلك لا بد من الانتباه الى اشارة الكاتب انه ما زال يتمسك بالنقاط الرئيسية للافكار الواردة في هذه الدراسات, على الرغم من المتغيرات الكبيرة التي شهدها العالم خلال العقدين الماضيين والتي احدثت تبدلات سياسية وفكرية لا يمكن تجاهلها.يتساءل الكاتب في اكثر من موقع حول دور الاحزاب الشيوعية العربية, وعن عدم اقدامها على الاستيلاء على السلطة في دولة عربية, والقيام بالثورة الاشتراكية, مشيرا الى اكتفائها بان تكون العقل للبرجوازية العربية, وفي بحثه حول مستقبل الماركسية العربية طالب بتنظيم الطلائع العمالية والشعبية العربية, في حزب شيوعي عربي قادر على ان يطرح على نفسه مهمة اقامة ديكتاتورية البروليتاريا في الوطن العربي, لا شك ان الاحزاب الشيوعية في معظم الاقطار العربية خاضت نضالا وطنيا يشهد له في معركة الاستقلال الوطني, وكانت تعتبر القوة الاساسية في هذه المعارك لكنها سرعان ما فقدت بريقها, وذلك لاسباب متعددة لا يمكن اختزالها باسباب ذاتية فقط, ان هدوء او انتهاء المعارك الوطنية, سواء بسبب تقهقر المستعمرين, او وصول انظمة الحكم الى صيغ تصالحية مع الدول المستعمرة من اهم الاسباب, بالاضافة الى غياب الديمقراطية وتعرض كوادر هذه الاحزاب الى حملات الاعتقال والتنكيل التي شنتها الدوائر الاستعمارية بالتحالف مع انظمة الحكم في المنطقة.اما الاسباب الذاتية يمكن القول ان هذه الاحزاب لم تنجح في تعريب الماركسية, وتوطينها في المنطقة, وبقية الفكرة مستوردة او غير متحررة من جذورها الاوروبية كما اورد د. سمير امين في كتابه ما بعد الرأسمالية, وان هذه الاحزاب تمسكت بنظرية التعاقبية في التقدم واعتماد تطور القوى المنتجة لحسم الصراع, وتغيير علاقات الانتاج, استنادا الى ماركس, ويقول د. سمير امين ان الماوية اكسبت الماركسية طابعا عالميا حقيقيا اذ اخرجتها من اطار التاريخ الاوروبي في تبنيها لقضايا التحرر الوطني, كما في التجارب الاسيوية فيتنام وكوريا وغيرهما, وهنا نستطيع القول ان الاحزاب الشيوعية العربية اخفقت بالقيام في هذا الدور الطليعي في الصراع العربي الاسرائيلي.ان قيادة النضال الوطني الفلسطيني رغم محاولاتها التي جاءت متأخرة في تشكيل فصيل مسلح ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي, »قوات الانصار« ومع ذلك لم تتواصل هذ التوجهات, الا من خلال الحزب الشيوعي اللبناني في دوره المميز على هذا الصعيد, نعم لقد اخفقت الاحزاب الشيوعية العربية في ان تصبح قوة قومية لشعوبها في النضال الوطني ومن ثم تتوج معركتها الوطنية, بمضمون اجتماعي يراعي خصائص المنطقة ويحقق العدالة الاجتماعية, اما ان تقود ثورة بروليتارية لاقامة نظام اشتراكي, فهذا ليس ممكنا, لعدم توفر معطيات تسمح بتحقيق ذلك, ان مستوى تطور القوى المنتجة في الوطن العربي لم يصل لمرحلة بروز تباين طبقي حاد, بحيث تفرض تغيير علاقات الانتاج التناحرية, بعلاقات انتاج اشتراكية حسب نظرية ماركس, ليس هذا فحسب, هل يوجد في الوطن العربي بروليتاريا حقيقية, وهل وزنها الاجتماعي والسياسي يسمح لها بقيادة النضال واقامة ديكتاتورية البروليتاريا, المغامرة الافغانية ماثلة امامنا, اوصلت الافغان الى كارثة, لا احد معني بتكرار تجارب فاشلة, ان مشكلة هذه الاحزاب ليست بعدم قيامها بثورة بروليتارية, بل بعدم دراستها للواقع المحلي ضمن رؤية علمية لاستخلاص المهام, وتعريب الماركسية وتوطينها, بدلا من ان تكون صدى لحدث عالمي حتى تجارب دول شرق اوروبا, كانت انعكاسا للتجربة السوفييتية, لذلك انهارت لمجرد ان سحب السوفييت غطاءهم الامني عنها, والتجربة السوفييتية, نفسها واجهت مشاكل معقدة, اود التذكير بما قاله لينين في الذكرى الرابعة لثورة اكتوبر. كنا نفترض من دون حساب كاف, باننا سنتمكن بالاوامر الصريحة التي تصدرها الدولة البروليتارية من ان تنظم على الطريقة الشيوعية في بلد من صغار الفلاحين, انتاج وتوزيع المنتجات من جانب الدولة الا ان الحياة بينت خطأنا وتبين انه لا بد من سلسلة من الدرجات الوسيطة, رأسمالية الدولة, ففي بلد كهذا لا يمكن للثورة الاشتراكية ان تنتصر الا بشرطين.الاول: تدعمها في الوقت المناسب الثورة الاشتراكية في بلد او عدة بلدان متقدمة.الثاني: التفاهم بين البروليتاريا التي تتسلم زمام السلطة وبين اغلبية السكان الفلاحين, ان الفلاحين مستاءون من شكل العلاقات وانهم لا يريدون ان يعيشوا بعد اليوم على هذا النحو, وبناء عليه فقد قرر المؤتمر العاشر للحزب الاستعاضة عن التأمين والمصادرة بالضريبة العينية, اذا كانت الثورة الاشتراكية في روسيا بحاجة الى حاضنة توفر لها مناخ البقاء لا شك انها قضية شديدة التعقيد.لقد تركت التبدلات والمتغيرات الكبيرة بصماتها على الحركة الاشتراكية, حيث تمت اعادة قراءة للماركسية, ضمن رؤية جديدة غلب عليها الطابع الخاص, اي بمعنى الانطلاق, اساسا من فكرة الوصول لاستخلاصات محلية مستندة لخصائص الواقع الاقتصادي والاجتماعي, ضمن منظور يراعي اولويات العمل والمهام في ظروف المرحلة الجديدة, في معالجة مختلف القضايا المحلية والاقليمية والدولية, ومن هنا كما اعتقد جاءت استجابة الكاتب لهذه المستجدات في اشارته الى الانتقال خلال عقد الهزيمة في التسعينيات من استراتيجية اليسار الثوري الى استراتيجية دفاعية هي استراتيجية اليسار الاجتماعي, في سياق نشاط نظري وسياسي لتكوين قوة سياسية ديناميكية قادرة على الدفاع عن مصالح الفئات الشعبية التي تنسحق, وتأتي اهمية الدراسة الرابعة حول اولوية السياسة ومعناها. كونها تتناول قضايا راهنة, واكثر اقترابا من الواقع المحلي والعربي الملموس, وتعالج مسائل ذات صلة بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي, في ظل احادية القطبية وهيمنة العولمة الرأسمالية, وهي مداخلة قدمها الكاتب تعقيبا على ورقة للدكتور ميخائيل ايركه في ورشة عمل اقامها مركز الاردن الجديد في اذار عام 2001 ويجيب الكاتب من خلالها على ثلاثة اسئلة تدور حول ثلاث مجموعات من القضايا المعلقة ويقترح من خلالها برنامجا سياسيا لليسار العربي يقوم على نقض الهيمنة الكمبرادورية في المجال الاقتصادي من جهة, ونقض الهيمنة السلفية في المجال الثقافي من جهة اخرى, وفتح الطريق امام الفئات الشعبية للنضال في سبيل العدالة الاجتماعية والتقدم.1- ترتبط الاولى بقضايا الاقتصاد الوطني, وينتقد استنكاف المثقفين الاردنيين عن ابداء الرأي في الشأن الاقتصادي, وتوصل مديرو الاقتصاد الوطني الى اقناع الرأي العام بان سياستهم القائمة على الامتثال الكامل لمطالب صندوق النقد الدولي, والمتواطئة مع المصالح المحلية للاثرياء, ليست موضع نقاش.2- المجموعة الثانية من الاسئلة الوطنية, هي المرتبطة بالاسس الوطنية والدستورية والثقافية للدولة الاردنية وشرعيتها بوصفها سياقا للنشاط الاجتماعي السياسي. 3- اما المجموعة الثالثة ترتبط بقضايا الاصلاح السياسي, فالاصلاح السياسي وان يكن مطلوبا في ذاته, فان هدفه الجوهري هو تمكين النخب السياسية والثقافية الفاعلة والجمهور العريض من المشاركة الحاسمة في القرار الوطني.وضع الشأن الاقتصادي والاجتماعي في صدر المهام الوطنية كما اوردها الكاتب قضية جوهرية لاي حركة سياسية تقترب من هموم وآلام المواطنين, فالقضية المركزية انتشال الغالبية العظمى من ابناء المجتمع الاردني من اثار الازمات الاقتصادية, الناجمة عن اغراق البلاد بالمديونية والتخلص من الاجراءات والتدابير الانكماشية التي دفعت ثمنها الفئات والشرائح الدنيا والمتوسطة من ابناء المجتمع. اما البند الثاني المتعلق بالاسس الوطنية والثقافية والدستورية للدولة الاردنية, اعتقد ان عمادها الاساسي الاستقرار الاجتماعي من جهة والنضال الوطني بلا هوادة ضد المشاريع التوسعية الصهيونية من جهة اخرى, ومساعدة الشعب الفلسطيني باقامة دولته على ارض وطنه. وبلا شك ان الاصلاح السياسي يتقدم كافة القضايا الاخرى, باعتباره الخطوة الاولى لايجاد حياة ديمقراطية دستورية فاعلة, تستطيع ان تعكس ارادة الشعب وتحقق اهدافه.ان فكرة انشاء تجمع ديمقراطي عريض يعبر عن مصالح الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من السياسات الاقتصادية السائدة, والمرتبطة بتطبيقات الليبرالية الجديدة سواء ما يتعلق منها بما يعرف باعادة الهيكلة وسياسة الخصخصة او تحرير التجارة والاسواق والاسعار والخدمات بشكل مطلق, من دون اي اعتبار للنتائج المترتبة على ذلك, تتقاطع هذه الفكرة مع المساعي التي بدأت منذ عدة سنوات لتحقيق الهدف ذاته فما زالت هذه الفكرة متصلة, وموضع اهتمام لفئات واسعة في المجتمع الاردني. وقد يتعرض القارئ الى التباس احيانا, او الى اختلاف في الرأي مع الكاتب احيانا اخرى اثناء قراءة افكاره حول الفئات الاجتماعية التي يراها ضمن مقومات مشروع التجمع الديمقراطي فقد حدد المشروع الفئات التالية من وجهة نظر الكاتب:1- الاوساط البيروقراطية التقليدية وحلفاؤها فهذه الاوساط المهمشة سياسيا تحت وطأة الهجمة الليبرالية الكمبرادورية, لم يعد حضورها السياسي ممكنا الا بالاليات الديمقراطية النيابية.لا شك ان هناك التباسا في هذه الفقرة على الرغم من توضيح الاستاذ ناهض في لقاء التوقيع على الكتاب, والذي تضمن في معرض اجابته, ان المقصود جمهور الموظفين المتضررين من الليبرالية الجديدة, الا ان النص الحرفي الوارد في المشروع يتحدث عن بيروقراطية تقليدية مهمشة سياسيا تحت وطأة الهجمة الليبرالية الكمبرادورية, اذن الحديث يدور عن بيروقراطية سياسية وليست وظيفية, واذا كان كذلك فالبيروقراطية السياسية هي المسؤولة بصفة عامة عن السياسات التي سادت في البلاد خلال المرحلة المنصرمة بما في ذلك الازمات الاقتصادية, فكيف يمكن اعتبارها من مكونات تجمع ديمقراطي ويسار اجتماعي, الا اذا كان الحديث يدور عن بعض الشخصيات التي تميزت بمواقف مستقلة واضحة.2- العشائر القوى الاجتماعية في الريف المهمشة اقتصاديا وسياسيا, التي لم تعد جزءا من التحالف الاجتماعي المسيطر تحت قيادة الليبرالية, فالقوى العشائرية تنزع نحو الاليات الديمقراطية المختلفة للتعبير عن نفسها, ويعود الكاتب للتأكيد (يسار العشائر? ولم لا?) من باب التدقيق النظري اود الاشارة الى: العشيرة نمط انتاج جماعي بدائي الشكل قبل الدولة يقوم على اساس تنظيم العمل بشكل عائلي, والارض هي وسيلة العمل الاساسية وملكيتها جماعية, اما في العصر الراهن, العشيرة جزء من مكون اجتماعي يشمل فئات وشرائح مختلفة, لا يمكن اعتبارها طبقة متطابقة المصالح, بين صفوفها فئة صغيرة منحازة لكبار الملاكين والكمبرادور والبيروقراطيين المتنفذين, والغالبية العظمى من ابنائها متضررة من السياسات السائدة, واصحاب مصلحة في التغيير الاجتماعي, وهنا يمكن دعوة الغالبية العظمى من ابناء الريف والبادية المتضررة من السياسات الاقتصادية السائدة ضمن هذا التجمع.3- المثقفون خصوصا في اوساط المهنيين وهؤلاء ينزعون الى الديمقراطية.. المثقفون جزء من الطبقة المتوسطة, التي تضم هذه الطبقة ايضا, فئات واسعة من الموظفين والصناع والحرفيين وصغار التجار… بالاضافة الى هذه القوى الاجتماعية وقبلها العمال والفلاحون والمزارعون وصغار الموظفين باعتبارهم اصحاب مصلحة حقيقية في التغيير الاجتماعي, والخلاص من السياسات الاقتصادية السائدة واقامة مجتمع ديمقراطي.لا شك ان هذه الملاحظات لا تقلل من اهمية الدراسة المقدمة, سواء اتفقت او اختلفت مع بعض افكارها تبقى هذه الدراسة جزءا هاما من انتاج المعرفة التي تحتاجه هذه المرحلة بالذات في ظل سقوط المرجعيات السلفية التي كانت سائدة والتي اسهمت في اجهاض البحث العلمي وتطوير الفكر, واستنباط المهام ضمن رؤية علمية ناجمة عن معرفة حقيقية لخصائص المجتمع المحلي.

شكل القطاع الزراعي اضعف حلقة من حلقات النمو الاقتصادي الاردني خلال العقود الاربعة الماضية, فقد كان نصيب الزراعة من الناتج المحلي الاجمالي (31.9) مليون دينار في عام 1964 ما نسبته 15.7% من الناتج المحلي الاجمالي. وفي عام 2005 بلغ نصيب الزراعة 157.6 مليون دينار ما نسبته حوالي 2.4% من الناتج المحلي الاجمالي. مما يبين مدى تراجع مكانة القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني, وزيادة الاعتماد على لاستيراد في توفير الحاجيات الاساسية من المواد الغذائية, وقد برز تراجع الانتاج الزراعي بشكل واضح في المحاصيل الحقلية والتي تشكل العمود الفقاري للامن الغذائي لاي دولة في العالم, فعلى سبيل المثال بلغ انتاج القمح (294.7) الف طن عام 1964 , تراجع عام 2005 الى 34.4 الف طن وكذلك الشعير الذي تراجع انتاجه من 97.2 الف طن عام 1964 الى 31.8 الف طن عام 2005 ، اما العدس الذي بلغ انتاجه 25.1 الف طن عام 1964 تراجع الى 800 طن عام 2005. لقد استمر انخفاض المساحات المزروعة على مدارالسنوات الماضية في حين كانت المساحة المستغلة زراعيا 5.3 مليون دونم عام 1973 تراجعت الى 2.473 مليون دونم عام 2005 اما الاراضي المروية فهي بحدود 800 الف دونم, ويتضح من ذلك محدودية الاراضي الصالحة للزراعة ومعظم الاراضي الزراعية تعتمد على مياه الامطار مما يعني تذبذب الانتاج الزراعي الامر الذي ادى الى عزوف العديد من الفلاحين والمزارعين عن الزراعة, كونها غير مضمونة النتائج في ظل المنافسة الحادة في السوق, نتيجة اغراق البلاد بالمنتوجات الزراعية المستوردة مما يدفع العديد من المزارعين الى هجر الارض والانتقال الى المدينة, وقد اصبح القسم الاعظم من الانتاج الزراعي يعتمد على العمالة الاجنبية اما تلبية احتياجات المجتمع المحلي من المواد الغذائية فيتم توفير معظمها عن طريق استيرادها من الخارج, فقد تم عام 2005 استيراد حنطة ودقيق بحوالي 90 مليون دينار, وشعير بحوالي 71 مليون دينار, والمثير للدهشة استيراد خضار وفواكه بحوالي 102 مليون دينار وذلك حسب التقرير السنوي لدائرة الاحصاءات العامة لعام 2005 وهذا مؤشر خطير يعكس الميل العام نحو تعميق النمط الاستهلاكي في المجتمع الاردني, اما المواد الغذائية عامة والحيوانات الحية منها فقد بلغ مجموع استيرادها بحوالي 881 مليون دينار, في حين بلغت صادراتنا من نفس المواد بحوالي 275 مليون دينار, والمؤسف ان صادراتنا من المواد الغذائية لا تتجاوز 34% من استيرادنا لنفس المواد, لبلد يفترض ان نمط اقتصاده الاساسي ناشئ باعتباره بلدا زراعيا, ولهذه السياسات تبعات لا حصر لها, فهي بالاضافة الى التشوهات الهيكلية التي تحدثها في الاقتصاد الوطني, باضعاف دور قطاع الانتاج السلعي, والاعتماد على الخارج في توفير احتياجات السكان من اساسيات الحياة فهي تسهم بشكل كبير في تفاقم العجز التجاري في ميزان المدفوعات, التي وصل حدا لا يمكن تجاهله فقد بلغ 3556 مليون دينار (39% من الناتج المحلي الاجمالي) في عام 2005 مما يثير مخاوف جدية واخطار حقيقية تواجه الاقتصاد الوطني.قد تكون قلة الامطار ومحدودية مخزوننا المائي من اسباب ضعف الانتاج الزراعي الا ان هذه الاسباب ليست الوحيدة المسؤولة عن هذه الحالة, فلا بد من تدخل الدولة واجراء دراسات لسياسات اقتصادية زراعية مثمرة, هناك شكوى تتردد في كثير من الاحيان من عدم جدوى انتاج الموز من الناحية الاقتصادية بسبب استهلاكه لكميات كبيرة من المياه في حين ان زراعة النخيل تشكل احد البدائل الممكنة لانتاج زراعي اقتصادي, ان مراكز الاختصاص سواء في وزارة الزراعة او في الجامعات الاردنية, او اية جهات اخرى معنية في هذا الشأن, مدعوة للوقوف امام ظاهرة ارتفاع فاتورة استيراد المواد الغذائية, لوقف نزيف العملات الاجنبية, نتيجة الاختلالات وزيادة الاعتماد على الذات في توفير الغذاء كما ان اطلاق العنان لتشجيع النمط الاستهلاكي وفتح الباب على مصراعيه لتدفق المنتوجات الزراعية من القارات الخمس من دون اي ضوابط لحماية الانتاج الوطني سبب رئيسي, مما يكشف عن مدى الاضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني جراء تحرير التجارة من دون اي اعتبار للمصالح الوطنية العليا, فالدول الكبرى صاحبة القول والفصل في سياسات التجارة الحرة تلجأ احيانا الى تجاوز الاتفاقيات الدولية دفاعا عن مصالحها علما ان منظمة التجارة العالمية تركت هامشا للدول النامية وخاصة في مجال القطاع الزراعي لمواجهة الاغراق ولحماية الاقتصاد الوطني, لا بد من التدخل في بعض الحالات للحد من الافراط في النمط الاستهلاكي وحماية الاقتصاد الوطني.

يصادف هذا العام الذكرى الثلاثون لوفاة المناضل البارز والقائد الوطني والاممي فؤاد نصار الابن البار للشعبين الفلسطيني والأردني, الذي رحل عنا في 30 ايلول عام ,1976 والذي كرس حياته دفاعا عن القضايا الوطنية, وعن العمال والفلاحين والفقراء عامة, قاتل المستعمرين الانجليز والعصابات الصهيونية في فلسطين, وواصل نضاله ضد المستعمرين البريطانيين في العراق والاردن, بعد نكبة 1948 وتشريد الشعب الفلسطيني. واصبح فؤاد نصار قائدا سياسيا وكاتبا لامعا ومثقفا ثوريا اتقن عدة لغات, على الرغم انه ترك المدرسة من الصف الرابع الابتدائي ليعمل في صناعة الاحذية لمساعدة العائلة على نفقاتها, التي كانت تعتمد على دخل والدته, التي كانت تعمل في التعليم. وكرس قلمه لكتابة مئات المقالات في الصحف العربية والعالمية, وكانت كتاباته تلعب دورا كبيرا في تعريف الرأي العام العالمي على نضالات الشعبين الشقيقين الفلسطيني والاردني.ولد فؤاد نصار في بلودان عام 1914 وعاد برفقة ابويه واخوته عام 1920 الى مدينة الناصرة مسقط رأس والديه وعائلته, في عام 1929 شارك في المظاهرات الشعبية ضد الاستعمار البريطاني وضد الاستيطان الصهيوني, واحتجاجا على اعدام الوطنيين الفلسطينيين الثلاثة حجازي وجمجوم والزير, وقد القي القبض عليه وسجن لمدة اسبوع, وكانت بداية حياته النضالية.في عام 1936 قام فؤاد نصار بتشكيل مجموعة من الثوار كانت تصنع المتفجرات, وتهاجم المواقع البريطانية, اعتقل في نفس العام, وقدم للمحكمة بتهمة الانتماء الى منظمة سرية معادية للانتداب البريطاني, والقيام بنشاط شيوعي, اكتشف فؤاد نصار حقد البريطانيين على الشيوعيين مما دفعه للبحث عنهم, وتعرض بعد ذلك الى الاعتقال عدة مرات, خرج من سجن عكا وفرضت عليه الاقامة الجبرية في الناصرة, فر الى الخليل والتحق بالثورة الفلسطينية من جديد, استدعته القيادة العامة للثورة الفلسطينية في اواخر عام 1938 الى لبنان ليعود الى فلسطين قائدا للثورة المسلحة في منطقة القدس والخليل, بعد انسحاب القائد الفلسطيني عبدالقادر الحسيني الى دمشق بسبب مرضه.استمر في قيادة الثورة لهذه المنطقة حتى اواخر عام ,1939 حين بدأت الحرب العالمية الثانية, واخذت السلطات الفرنسية في سورية ولبنان تضيق الخناق على الثوار. قاد عدة معارك ضارية ضد قوات الاحتلال البريطاني بينها معارك كسلا وعرطون وام الروس ومار الياس وغيرها, حيث كبد العدو خسائر فادحة بالرجال العتاد, وتجلت في كل هذه المعارك شجاعته الفائقة وحنكته العسكرية واخلاصه للقضية الوطنية ووفاؤه التام ومحبته وصلاته الوثيقة بالحي من الفئات الشعبية, اصيب بجروح بليغة في يده اليمنى وكتفه في تشرين اول 1939 وفي منتصف كانون اول 1939 انسحب بناء على توجيهات القيادة العامة للثورة, مع مجموعة من رجاله الى بغداد, مشيا على الاقدام عن طريق الاردن, حيث وفرت له العائلات الاردنية المكان الآمن, ووصل بغداد عام 1940 ودخل الكلية العسكرية في بغداد وتخرج منها بعد 9 اشهر, وفي آذار عام 1941 قامت ثورة الضباط الوطنيين في بغداد (حركة رشيد عالي الكيلاني) ضد الانجليز, واشترك فيها, وانسحب بعد فشل الحركة مع رفاقه الثوار الى ايران في حزيران عام ,1941 لم تسمح لهم ايران البقاء على اراضيها, فقد استقر به الامر في شمال العراق, وتعرض خلال وجوده في العراق للمطاردة والاعتقال من قبل السلطات البريطانية, تعرف على قادة الحركة الوطنية العراقية وقادة الحزب الشيوعي العراقي وفي مقدمتهم الامين للحزب يوسف سلمان (فهد).في اواخر عام 1942 اصدرت حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين عفوا عاما, وعاد فؤاد نصار في بداية عام 1943 الى فلسطين, وفرضت عليه السلطات البريطانية الاقامة الجبرية في مدينة الناصرة. اعاد اتصاله بالعمال والنقابيين الذين كان قد تعرف عليهم في الثلاثينات, وانضم للحركة النقابية الفلسطينية.في خريف عام 1943 تم تكوين عصبة التحرير الوطني في فلسطين وانتخب ابو خالد عضوا في اللجنة المركزية بينما كان غائبا وفي عام 1944 انعقد المؤتمر الاول للعصبة واقر برنامجها وانتخب ابو خالد احد اربعة امناء للجنة المركزية للعصبة. وفي عام 1945 تم تأسيس مؤتمر العمال العرب في فلسطين وانتخب فؤاد نصار امينا عاما للمؤتمر ومسؤولا عن تحرير جريدة الاتحاد التي اصبحت لسان حال مؤتمر العمال العرب.اندلعت الحرب العربية الاسرائيلية في عام 1948 وتفاقمت الاعمال الارهابية لمنظمة الهجاناه اليهودية الفاشية, ودخلت الجيوش العربية فلسطين, احتلت العصابات الصهيونية معظم الاراضي الفلسطينية وتم تشريد الشعب الفلسطيني, وتمزقت عصبة التحرير الوطني الفلسطيني, ولم يبق من قيادتها في الضفة الغربية سوى (8) اعضاء منهم فؤاد نصار اذ طالب في حينه, بإقامة الدولة الفلسطينية التي نص عليها قرار الامم المتحدة الصادر في 29/11/.1947لم يعد ممكنا بقاء عصبة التحرير الوطني الفلسطينية بمعزل عن النضال الوطني الاردني, واعتبرت ان النضال ضد الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين والقوات البريطانية في الاردن هدف مشترك للشعبين الشقيقين ولذلك واصلت نضالها السياسي في الاردن من اجل استكمال الاستقلال السياسي, والغاء المعاهدة البريطانية, واخراج القوات البريطانية من البلاد, يقول فؤاد نصار ان التماثل بين مصالح الامبريالية البريطانية والحركة الصهيونية في العالم العربي وعدائهما المشترك لحركة التحرر الوطني العربية كانا من بين العوامل الاساسية التي جعلت بريطانيا تصدر وعد بلفور. وبناء على المستجدات اعلن في عام 1951 عن قيام الحزب الشيوعي الاردني وانتخب فؤاد نصار امينا عاما للحزب, وفي نهاية 1951 القي القبض عليه وحكم لمدة عشر سنوات وخفض الحكم لست سنوات, وبقي في سجن الجفر الصحراوي طيلة هذه المدة, وفي تموز عام 1956 رفضت السلطات اطلاق سراحه, الى ان جاءت الحكومة الوطنية برئاسة الشخصية الوطنية سليمان النابلسي, في اعقاب نجاح الحركة الوطنية في الانتخابات النيابية, وقررت اطلاق سراحه, ونجح عن الحزب في هذه الانتخابات نائبان د. يعقوب زيادين عن مقعد القدس, وفائق وراد عن مقعد رام الله. وفي آذار عام 1956 تحقق شعار هام من شعارات الحركة الوطنية الاردنية بطرد قائد القوات البريطانية كلوب باشا وتعريب الجيش.وفي نيسان عام 1957 غادر فؤاد نصار البلاد الى دمشق بسبب الظروف التي نشأت في البلاد يعد الانقلاب على الحكومة الوطنية, وتنقل بين دمشق وبغداد الى ان استقر به المقام في اوائل عام 1960 في المانيا الديمقراطية وعاد للبلاد بعد حرب حزيران 1967 قائدا للحزب, وكان على رأس كونغرس الحزب في نيسان عام 1970 الذي اقر تشكيل قوات الانصار للمساهمة في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الاسرائلي. وفي عام 1972 اختير عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني, وواصل عمله على رأس الحزب في النضال من اجل تحقيق الديمقراطية, والعدالة الاجتماعية, ومن اجل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته على ارض وطنه.

تشير المعلومات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي الى نمو القيم المضافة للقطاعات الاقتصادية بمعدلات ايجابية لعام ,2005 باستثناء قطاع الصناعات الاستخراجية الذي تراجع بنسبة 1.2%, فقد سجلت قطاعات الانتاج نموا بلغت نسبته 9% في حين بلغت نسبة نمو قطاع الخدمات 6.2%, وبذلك تكون ارتفعت الاهمية النسبية لقطاعات الانتاج السلعي في الناتج المحلي الاجمالي نصف نقطة. ومع ذلك ما زالت قطاعات الانتاج السلعي تشكل 35.1% من الاقتصاد الوطني وقطاعات الخدمات 64.9% ونصيب الزراعة والغابات وصيد الاسماك من قطاعات الانتاج السلعي 3.8% اما الصناعات الاستخراجية 2.4% والصناعات التحويلية 20.6% والكهرباء والمياه 2.7% والانشاءات 5.6%.

ان السياسات الاقتصادية التي اتجهت نحو توسيع دور الدولة في الاقتصاد لم تكن لاسباب عقائدية فالاردن اختار طريق التطور الرأسمالي والاقتصاد الحر منذ نشأته فالنظر الى هذه التطورات من دون قراءة موضوعية للمعطيات الاقتصادية والسياسية التي واكبت تطور الاردن منذ عهد الامارة, سيضع المراقب امام استنتاجات خاطئة لن تمكنه من معرفة الاسباب الحقيقية وراء ذلك, فمن المعروف ان موازنة الدولة لعبت دورا اساسيا بتنفيذ السياسات العامة للدولة, وهي الاداة الرئيسية لتحقيق اهدافها, وقد قفزت موازنة الدولة خلال نفس الفترة من 46.2 مليون دينار عام 1964 الى 3539 مليون دينار عام 2005 اولية حسب تقارير البنك المركزي, وكان لهذه التطورات والنتائج المبهرة للوهلة الاولى لدولة فقيرة محدوودة الموارد الطبيعية نسبيا, تحتل المناطق الصحراوية مساحات شاسعة, اثار سلبية على الاقتصاد الوطني اهمها شروط انفاق المساعدات الخارجية من قبل الدول المانحة, بالاضافة الى سوء استخدام موارد الدولة من قبل الحكومات المتعاقبة, فقد اسهمت هذه السياسات باتساع المؤسسة البيروقراطية في البلاد, مما ادى الى اهمال الانتاج الزراعي وتعميق التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني. ان هذه التشوهات لم تكن وليدة الساعة فقد برزت مع نشوء وتطور الاقتصاد منذ قيام الدولة الاردنية, ومرد ذلك الى الظروف التاريخية التي نشأت بها الدولة ومراحل تطورها, ان عدم توفر امكانية العمل خارج حدود القرية في بداية تشكل الدولة كان حافزا للفلاحين للتمسك بالارض باعتبارها مصدر رزقهم الوحيد, وكانت القرية الملاذ الاول والاخير لابنائها, يغادرها ابناء شيوخ العشائر وبعض الميسورين لطلب العلم, وخلاف ذلك انحصر اتصال ابناء القرية بالمدينة في تصريف منتوجاتهم الزراعية وشراء بعض الاحتياجات الضرورية مثل الملابس وغيرها, ومع زيادة سكان القرية زاد فقر واملاق ابنائها لمحدودية الانتاج الزراعي الذي يعتمد بشكل رئيسي على مياه الامطار, ونظرا لعدم توفر امكانية تطوير الانتاج الزراعي او الانتقال الى اماكن اخرى للعمل فيها.ومع تطور الدولة الاردنية وتوسع مؤسساتها وانشاء البنية الحتية من خدمات عامة وزيادة الانفاق الحكومي اصبحت الهجرة من الريف الى المدينة ظاهرة ملموسة بهدف العمل في مؤسسات الدولة وقد امتصت اجهزة الدولة جزءا كبيرا من العاطلين عن العمل او البطالة المقنعة في الريف, واخذت هذه الظاهرة بالاتساع الى ان اصبحت ظاهرة سلبية, فق هجر معظم ابناء الريف الارض الزراعية لمحدودية مردودوها قياسا لمعدلات دخل الوظيفة الحكومية فاصبحت الدولة اكبر رب عمل توظف حوالي نصف العاملين في الاردن, الامر الذي ادى الى تضخم مؤسسات الدولة واصبحت كلفة الوظيفة الحكومية عبئا ثقيلا على الخزينة, فقد شكى وزير المالية في خطاب الموازنة لعام 2006 من زيادة اعباء فاتورة التقاعد التي اصبحت تشكل 15% من النفقات الجارية في عام 2005 علما ان الاشتراكات لا تغطي سوى 4.2% من هذه الفاتورة, كما شكلت فاتورة رواتب واجور العاملين في الحكومة المركزية والمؤسسات العامة نحو 16.1% من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2003 وشكل بند الرواتب والاجور في الموازنة العامة ما نسبته 42% من النفقات العامة لنفس العام, وتعتبر هذه النسب من اعلى النسب عالميا, وتثقل كاهل الموازنة العامة بشكل كبير وتعكس هذه الفاتورة وجود هيكل تنظيمي حكومي كبير ومشتت ومتداخل يضم حاليا 23 وزارة مقارنة مع 15 وزارة في الدول المتقدمة واكثر من 130 دائرة ومؤسسة عامة. هذه الحصيلة النهائية للسياسات الاقتصادية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة, والتي حكمت البلاد بسلطات مركزية, حكومات غير منتخبة ولم تحصل على ثقة الشعب في مرحلة الاحكام العرفية, وحتى الحكومات التي شكلت في مرحلة الانفراج السياسي في ظل قانون انتخابات الصوت الواحد لم تحظى بالشرعية الشعبية, وتفرض نهجها بقوة القانون الذي فرض بظروف استثنائية ان هذه التراكمات من الاخطاء السياسية والاقتصادية التي وضعت البلاد في ازمات اقتصادية خانقة وعمقت التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني.منذ بداية الالفية الثالثة تسعى الحكومات المتعاقبة للتخلص من هذا العبء الثقيل عن طريق اعادة هيكلة الدوائر والوزارات وخصخصة مؤسسات الدولة, لتخفيف الاعباء عن الخزينة, فاذا كانت السياسات الاقتصادية السابقة اقترفت خطأ بتوسيع المؤسسة البيروقراطية وتشويه البنية الهيكلية للاقتصاد, فالحكومات الجديدة التي تسعى بوحي من الليبراليين الجدد بالتخلص من هذه الاعباء عن طريق فصل الاف الموظفين باسم اعادة الهيكلة تقترف خطأ اكبر, فلا يعالج الخطأ بالخطأ وبدفع البلاد والعباد نحو المجهول, ان سياسة اقتصادية جديدة قائمة على استثمار الامكانيات والثروات المتوفرة, وتصويب الاختلالات الهيكلية بتطوير القطاعات الانتاجية لتحقيق التنمية المستدامة ووقف هدر المال العام بمشاريع مظهرية ومكافحة الفساد هو المخرج الحقيقي للازمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

شهد الاقتصاد الاردني تطورات ملحوظة خلال العقود الاربعة الماضية, حقق خلالها الناتج المحلي الاجمالي نموا يفوق النمو الطبيعي لأي دولة غير بترولية من الدول النامية, فقد ارتفع الناتج المحلي الاجمالي من (200) مليون دينار عام 1964 الى (9012) مليون دينار عام ,2005 استنادا لتقارير البنك المركزي, وذلك لاعتبارات واسباب متعددة بعضها ناجم عن تطورات طبيعية للاقتصاد الوطني والنشاط الاستثماري التنموي, خاصة وان البلاد شهدت خلال هذه المرحلة انشاء وتطوير البنية التحتية للدولة الاردنية, من طرق ومياه ومجار ومحطات كهرباء واتصالات وغيرها, والبعض الآخر له علاقة مباشرة بالهجرات القسرية التي جرت بسبب حرب الخليج الثالثة, التي نجم عنها عودة حوالي ربع مليون مواطن من الاردنيين العاملين في دول الخليج, ونقلوا مدخراتهم الى الاردن وانفقوها بشراء عقارات او توظيفها باستثمارات محلية, بالاضافة الى ذلك اجتذاب الاردن لمستثمرين عرب واجانب بفضل التسهيلات الممنوحة لهم وحالة الاستقرار التي يتمتع بها الاردن, ووجود عمالة محلية ماهرة غير مكلفة, كما حظي الاردن بالاولوية في استقبال مواطنين عرب ومستثمرين نتيجة الظروف الاستثنائية والحروب التي شهدتها المنطقة سواء في العراق او لبنان, كل هذه الاسباب مجتمعة شكلت حالة جذب واستقطاب للمستثمرين, مما اسهم في تطوير الاقتصاد وتحقيق قفزات خلال هذه الحقبة التاريخية, مع الاخذ بعين الاعتبار حجم المساعدات التي تلقاها الاردن سواء من خلال الدعم العربي بعد قمة بغداد او منحة النفط العراقية او المساعدات العراقية او المساعدات الخارجية عامة بالاضافة الى تحويلات المغتربين. لكن السؤال الجوهري هل تحسنت الاوضاع المعيشية لأبناء المجتمع الاردني بهذا القدر من النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد..? اما السؤال الاخر هل تمت الاستفادة كما ينبغي من الامكانيات الضخمة التي وضعت بين ايدي الحكومة المتعاقبة, بما في ذلك القروض التي حصلت عليها الدولة وتحولت الى الدين العام, في بناء قاعدة مادية للاقتصاد الوطني..? الجواب على هذه الاسئلة بالنفي وذلك للأسباب التالية:

لم تستطع البرجوازية الوطنية في معظم البلدان النامية وفي عدادها البلدان العربية من القيام بدور قيادي في تنمية الموارد الاقتصادية والاجتماعية, ولم تعد مؤهلة في هذه المرحلة من اعادة نشاطها ضمن المفهوم السابق لدور البرجوازية الوطنية, فهي تكيفت مع الدور المتواضع الذي جاء ضمن افرازات النظام العالمي الجديد في تسويق منتجات النظام الرأسمالي ممثلي الشركات والوكالات الاجنبية »الكمبردور« والاندماج بالنظام الرأسمالي ضمن شروط التبعية, في ظل التوسع الرأسمالي الذي شهده العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, وعلى الصعيد العربي على الرغم من اهمية الثروات العربية التي تشكل اهم مصادر الطاقة في العالم وشريان الصناعة الغربية الا ان الدول العربية لم تستطع وضع الوطن العربي على مساق الدول التي تفرض احترامها على العالم, كما لم تستطع بناء اسس الدولة الحديثة على الرغم ان سكان الوطن العربي يتجاوز الثلاثمائة مليون نسمة والناتج المحلي الاجمالي بلغ 870 بليون دولار عام 2004 فما زالت الامية متفشية في الوطن العربي اذ بلغت معدلاتها بنحو 39% من اجمالي السكان, وذلك حسب التقرير الاقتصادي لجامعة الدول العربية, مما يعكس حالة التخلف التي تعاني منها معظم الدول العربية بما فيها الدول النفطية , وتقدر القوى العاملة العربية بحوالي 115 مليون عامل في عام ,2003 وما تزال الدول العربية كمجموعة تسجل ادنى معدلات لمشاركة المرأة في سوق العمل بين الاقاليم الرئيسية في العالم, حسب نفس المصدر اما الايرادات العامة لمجموع الدول العربية بلغت 274.8 بليون دولار عام 2004 شكلت الايرادات النفطية 65% منها حسب نفس المصدر, مما يعكس ضعف الاقتصاد العربي وهشاشته اذا ما استثنينا الايرادات النفطية خاصة اذا ما علمنا ان الصادرات الزراعية تشكل 27.4% من الواردات الزراعية, وان نصيب الزراعة من الناتج المحلي الاجمالي كالحبوب والبقوليات يتم استيرادها من الخارج على الرغم من المناطق الزراعية الشائعة وسلة الغذاء العربي في حالة غيبوية, والامن الغذائي المعدوم, كما هو الحال في الامن القومي, وما زال ربع السكان محرومين من شرب المياه المأمونة.كما تراجعت مكانة الدول العربية في التجارة الخارجية بشكل ملموس في الفترة ما بين 1980 و 1998 ففي الوقت الذي ارتفعت النجارة الخارجية العالمية والصادرات والواردات السلعية من 3802 مليار الى 10635 مليار اي بزيادة قدرها 180% نلاحظ ان التجارة الخارجية العربية قد انخفضت خلال نفس الفترة من 347 مليار دولار الى 290 مليار دولار وبذلك تراجعت حصة التجارة العربية من 9.1% الى 2.7% من التجارة العالمية, كما سجلت الموازين التجارية العربية عجزا مقداره ستة مليارات دولار عام 1998 في حين سجلت فائضا مقداره 123 مليار دولار عام ,1980 وذلك حسب معطيات التقرير الاقتصادي الصادر عن الجامعة العربية في ايلول ,2000 والسبب في ذلك يعود للاعباء الثقيلة التي تحملتها الدول العربية النفطية في حرب الخليج, والكلف الباهظة للتسليح, كما لوحظ تطورا ملموسا في العلاقات التجارية بين الدول النفطية والدول الاوروبية والامريكية والاسيوية, في حين شهدت التجارة العربية البينية ترديا ملحوظا, ان حجم التجارة العربية البينية في عام 1999 قدرت بحوالي 8.6% فقط من التجارة الخارجية الكلية وتشير المعلومات ان ربع تجارة الاردن الخارجية تعتمد على التجارة العربية على الرغم من التراجع الملحوظ في الفترة 1989-1999 في حصة الاردن البينية مقارنة بالتجارة العربية البينية من 10.9% الى 5.2% وذلك لاعتبارات سياسية ناجمة عن تأزم العلاقات العربية ابان حرب الخليج وقد استمرت معدلات التجارة العربية البينية ضمن مستوياتها بحدود 8.9% خلال العشر سنوات الماضية حسب نشرة المعهد العربي للتخطيط الصادرة في نيسان 2005 في الكويت, واستنادا لنفس المصدر ان الصادرات النفطية تشكل حوالي 50% من الصادرات العربية والمواد الكيماوية 17% بينما الالات ومعدات النقل تشكل 5% والاغذية والمصنوعات المختلفة 28%.هذه بعض المظاهر المأساوية للواقع العربي وهذا هو حال الامة العربية بفضل غياب الديمقراطية, وتحكم قلة قليلة بمقدرات وثروات الوطن العربي التي هي ملك للامة وللاجيال القادمة. فالامانة الوطنية والقومية تقتضي استثمار هذه الثروات بمشاريع استراتيجية لبناء تكتل اقتصادي عربي يشكل محورا اساسيا لاتحاد عربي يرى النور على غرار التكتلات العالمية فلم تتحقق طموحاتنا ضمن رؤية قطرية محدودة في ظل عالم تسوده التكتلات الاقتصادية الضخمة, وفي ظل التحدي الصهيوني التوسعي وهنا تبرز من جديد اهمية موضوع المشروع العربي الحضاري التنويري لتحقيق برنامج اصلاح بنيوي لكافة الهياكل والنظم في المجتمع العربي وفي مقدمتها مشروع ثقافي يسهم في انتشال الوطن العربي من حالة التخلف والتبعية, يخرج من صميم الامة ويسهم في ربط الواقع بالحداثة, ويحمل برنامجا ديمقراطيا يؤمن الحرية والكرامة الشخصية للمواطن اولا, لا شك ان مشروعا كهذا امامه عوائق وصعوبات كبيرة ليس فقط من قبل اعداء الامة, بل من داخل الامة نفسها فالثروة الهائلة المكدسة بأيدي حفنة من الاغنياء وكذلك بين بعض الدول ووجود الفقر والمعاناة للطبقات المعدومة في الوطن العربي بالاضافة الى العديد من الملفات العالقة بين الاقطار العربية والتي تشكل حالات توتر تصل احيانا الى حد القطيعة, لذلك لا بد من التفكير بخطوات تدريجية تنطلق من القواسم المشتركة لانشاء بنى اقتصادية يمكن ان تتطور الى بناء تكتل اقتصادي قابل للحياة والتلاقي مع المشروع النهضوي الحضاري.لكل هذه الاعتبارات تقتضي اهمية طرح مشروع وطني ديمقراطي تقدمي من قبل الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من هذا النهج وهي تمثل الاغلبية الساحقة, يحمل مهام وطنية لم تنجزها البرجوازية في بلادنا ليس في الجوانب الاقتصادية فحسب. وكذلك في الجوانب السياسية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وتحقيق الديمقراطية وتداول السلطة.وفي افق اجتماعي يحقق العدالة الاجتماعية وما يميز المرحلة الجديدة ان قضية التغيير الاقتصادي والاجتماعي والتصدي للاستغلال والاستلاب والتمييز اخذت مسارا جديدا بخطوات تدريجية عبر آلية ديمقراطية ضمن المعطيات الجديدة, بعد فشل الثورة في الوصول الى هذه الاهداف, وما يجري في امريكا اللاتينية مثال ساطع على ذلك.تتصدر مهام العمل العربي في هذه المرحلة النضال من اجل الديمقراطية لتمكين الشعوب العربية من ممارسة دورها في مختلف الميادين القومية والاقتصادية والاجتماعية, وتبقى القضية المركزية الى جانب القضايا الاقتصادية والاجتماعية, حسم الصراع العربي الاسرائيلي باتجاه احقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني بالانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة عام 67 واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وضمان حق العودة وتدمير جدار الفصل العنصري وتفكيك المستوطنات الاسرائيلية من الاراضي العربية المحتلة, وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي السورية واللبنانية, وكذلك انهاء الاحتلال الانكلو امريكي للعراق والحفاظ على وحدته.لقد كشفت الاحداث الاخيرة اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان عن ضعف وعجز الموقف العربي فالشعوب العربية مغيبة عن الاحداث وانحصرت ردود افعالها بالشجب والاستنكار دون توفير آليات عمل للمساهمة في التصدي للغزاة لانها مكبلة من انظمة بوليسية ومحرومة من ممارسة الديمقراطية بسبب هيمنة حكومات عربية غير منتخبة لا تعبر عن ارادة شعوبها.وهذا سبب عجز النظام العربي عن القيام بأي دور محوري في مواجهة العدوان رغم الامكانيات الضخمة التي يتمتع بها الوطن العربي والاوراق الهامة التي يمكن استخدامها في حال توفر الارادة السياسية.من هنا يتضح تأكيدنا على ان النضال من اجل الديمقراطية هو محور العمل العربي في هذه المرحلة الى جانب اهمية التعرف على خصائص مجتمعنا المحلي والعربي برؤية علمية بعيدا عن النصوص والاستخلاصات التي اسقطت بلا وعي وادراك, ان ادراكنا للواقع بوعي هو وحده الذي يحدد مهامنا وتصوراتنا لافاق تطور بلادنا. اننا نسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لا نستطيع سلفا تحديد شكل وطبيعة النظام الذي نسعى للوصول اليه مستقبلا, لكننا نستطيع القول اننا نسعى لنظام يخلو من الاستغلال والاستلاب والتمييز.

رغم التحديات الكبيرة التي واجهت البلدان العربية الا ان بعضها حقق نجاحات ملموسة في مرحلة النهوض الوطني, سواء كان ذلك في مجال الاستقلال السياسي او التطور الاقتصادي والاجتماعي, فلا يمكن اغفال المشاريع الاستراتيجة التي نفذت بمبادرة الدولة على غرار ما جرى في مصر من بناء السد العالي واقامة مصانع حلوان وغيرها من المشاريع المختلفة, رغم الصعوبات التي اعترضتها, وعلى اهمية هذه النجاحات الا انها غير كافية لبناء دولة عصرية, ففشلت في تحقيق الديمقراطية ومواجهة التحديات الكبرى في بناء القاعدة المادية الاقتصادية المبنية على انتاج وسائل الانتاج ووسائل النقل, وامتلاك تكنولوجيا المعلومات واستثمارها في مختلف الفروع الانتاجية واستغلال الثروات الضخمة, وتطوير القطاع الزراعي وادخال التكنولوجيا لهذا القطاع, وانتاج كافة السلع الاستهلاكية وتوفير الاحتياجات الضرورية للمجتمع, وهذا لا يعني بحال من الاحوال الانغلاق على العالم, لكن الانفتاح يحتاج الى اقتصاد قوي ومتين قادر على النمو المضطرد, لكي يستطيع الصمود والتفاعل في ظل التكتلات الاقتصادية التي تتحكم في العالم, وكان لبعض الاجراءات الاقتصادية غير الناضجة والطفولية احيانا والتي جرى اسقاطها من دون اي اعتبار لخصائص المجتمعات المحلية في البلدان التي عرفت بما يسمى »بالتطور اللارأسمالي«, وغياب الديمقراطية وهيمنة الاجهزة البيروقراطية اكبر الاثر في قتل المبادرات واجهاض المشروع التنموي, وهروب رأس المال الوطني.اما القضية المركزية التي عجزت انظمة التحرر الوطنية في البلدان العربية من تحقيقها رغم انها كانت المبرر الاساسي لصعودها الى سدة الحكم, التصدي للمشروع الصهيوني التوسعي, وتحقيق المشروع الحضاري القومي, فعلى الرغم من تبني القيادات السياسية لهذا المشروع الحضاري الا انها عجزت عن تحقيق خطوات ملموسة بهذا الاتجاه, لعدم اشراك الجماهير الشعبية, وبقي المشروع وسيلة اعلامية لدى انظمة الحكم, وفي وجدان الجماهير العربية, ولم يترجم الى ارض الواقع, مما اضعف دور هذه البلدان في مواجهة المشروع الصهيوني, ليس هذا فسحب بل نجحت اسرائيل بتحالفها مع الامبريالية الامريكية من توجيه ضربات لهذه الانظمة ادت في نهاية المطاف الى انهيار معظمها, وقد شكلت هذه التراجعات مقدمة للبدء بالحلول المنفردة مع اسرائيل, كما شكلت اتفاقية كامب ديفيد ضربة قاتلة للعمل العربي المشترك, وجاءت بعد ذلك اتفاقيات اوسلو ووادي عربة لتجهز على الجبهة المعادية للاحتلال الاسرائيلي وفتحت الباب على مصراعيه لانهاء المقاطعة مع اسرائيل واتخذت هذه الاتفاقيات مبررا لدى بعض الدول العربية والدول الصديقة للتطبيع واقامة العلاقات السياسية مع اسرائيل, وطرحت المشاريع الشرق اوسطية التي تهدف الى دمج اسرائيل في المنطقة واعطائها دورا محوريا سياسيا واقتصاديا, وتمكين الولايات المتحدة الامريكية من وضع يدها على الثروات العربية كاملة والسيطرة على منابع النفط, وتذويب معالم الحضارة والثقافة العربية بهدف حرمان الشعوب العربية من اقامة مشروع حضاري تقدمي, وكثر الحديث عن هذه المشاريع في الآونة الاخيرة, وكان اخرها ما طرحته كوندوليزا عن الشرق الاوسط الجديد, بهدف تقطيع اوصال الوطن العربي والقضاء المبرم على اي نهوض عربي وحدوي, وتمكين اسرائيل وامريكا من الهيمنة سياسيا واقتصاديا وعسكريا على المنطقة.اذا كانت السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الدول التي اصطلح على تسميتها »التطور اللارأسمالي« لم تستطع انجاز مشروع تنموي يشكل قاعدة مادية لدولة عصرية, فإن الخضوع لنهج الليبرالية الجديدة واملاءات الصندوق والبنك الدوليين لم يحققا نموا اقتصاديا فقط بل سببا كوارث اقتصادية واجتماعية لهذه البلدان وشعوبها, فقد دخلت معظم البلدان النامية في ثمانينات القرن الماضي في ازمة اقتصادية حادة ادت الى تراجع النمو الاقتصادي, وزيادة نسبة البطالة, وبرزت ازمة المديونية بشكل صارخ في مختلف دول العالم الثالث كانت في مقدمتها البرازيل والمسكيك, اما في الوطن العربي فقد احتلت مصر الدولة الخامسة في العالم من حيث المديونية, وشكلت هذه الازمة انتكاسة للطموحات والآمال المعقودة من قبل مروجي سياسة الانفتاح الاقتصادي لتحقيق انتعاش وتنمية اقتصادية, ونجح الرأسمال العالمي من خلال الصندوق والبنك الدوليين, باستغلال الظروف الاقتصادية البائسة للبلدان النامية, لفرض املاءاته عليها, واخضاعها لبرامج التثبيت والتكيف الهيكلي, ما يسمى ببرنامج الاصلاح الاقتصادي, وانتقل مركز القرار الى الصندوق والبنك الدوليين ومانحي القروض والمساعدات, وبدأت اعادة جدولة الديون, وفرضت سياسة تقشفية, وتم الغاء كافة اشكال الدعم على المواد الاساسية والخدمات الضرورية, وتحرير التجارة وازالة كافة الحواجز الجمركية لتسهيل انسياب السلع, والغاء الدعم عن كافة المنتجات الصناعية والزراعية, وتحرير الاسعار, وفرض الضرائب غير المباشرة, واتباع سياسة الخصخصة, بتخلي الدولة عن كافة مؤسساتها او مساهماتها في مختلف القطاعات لصالح القطاع الخاص واعطائه الدور القيادي في ادارة الاقتصاد والدولة, هذه السياسات جرّت الويلات على البلدان النامية وافقرت شعوبها, وكانت المقدمة الاساسية لهيمنة الرأسمال العالمي على اقتصاد هذه البلدان ومن ثم فرض الميمنة السياسية الشاملة عليها.وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الامم المتحدة لتحقيق التنمية البشرية والتصدي للفقر وسوء التغذية ووضع برنامج تنموي في مجال الصحة والتعليم الا ان هذه البرامج لا تلقى الاهتمام الكافي من قبل الدول الكبرى, وتبقى هذه المشاريع حبرا على ورق, فقد جددت حكومات العالم تعهدها مع بداية الالفية الجديدة باعلانها الصادر عن الامم المتحدة عام 2000 نتطلع لتحقيق نمط جديد من الاندماج العالمي المبني على الانصاف والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان, وتخفيض نسب الفقر المدقع عام .2015وفي هذا الصدد يشير تقرير التنمية البشرية للعام ,2005 الى الجدل الذي اثارته العولمة والذي اتسم بالحدة في بعض الاحيان حول اتجاهات توزيع الدخل في العالم, وعلاقتها بالفقر وما اذا كان الاندماج في الاسواق العالمية يؤدي الى تقارب او تباعد في الدخل بين البلدان الغنية والفقيرة, فمعظم البلدان الافقر في العالم فشلت في تخفيض الفقر على حد تعبير التقرير, بل انها تخلفت اكثر فأكثر عن البلدان الغنية, فيشير التقرير (لو توقف نمو بلدان الدخل المرتفع اليوم واستمرت بلدنا افريقيا جنوب الصحراء وامريكا اللاتينية على مسارات نموها الحالية, فتحتاج امريكا اللاتينية حتى عام 2177 وافريقيا حتى عام 2236 لتلتحق ببلدان الدخل المرتفع, والدلالة على ذلك عمق الفجوة في الدخل فإن اغنى (500) انسان في العالم يزيد دخلهم على 416 مليون نسمة في العالم. ان تكلفة انهاء الفقر المدقع لانتشال مليار نسمة الى ما فوق خط فقر الدولار الواحد في اليوم هي 300 مليار دولار ما يعادل 1.6% من دخل اغنى 10% من بين سكان العالم, اي لو فرضت ضريبة مقدارها 1.6% من دخل اغنى 10% من سكان العالم واستثمرت في معالجة قضايا الفقر لتم حل مشكلة الفقر المدقع لحوالي مليار انسان في العالم, لكن ما يجري عكس ذلك تماما, فبدلا من توفير المال والتضامن والتكافل الاجتماعي لمواجهة الفقر المدقع, تفرض الطبقة الاغنى في العالم (10%) نهجها وسياستها على اقتصاديات البلدان الفقيرة لكي تزيد افقارها, وذلك من خلال نفوذها وهيمنتها على المؤسسات الدولية من الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية, وما رافق هذه السياسات الاقتصادية من زيادة بؤر التوتر والنزاعات الاقليمية التي ادت الى زيادة النفقات العسكرية فقد اوضحت منظمة (اوكسفام) البريطانية ان النفقات العسكرية في العالم للعام الحالي 2006 ستتخطى حدها الاقصى الذي سجل ايام الحرب الباردة وتتوقع التقديرات ان تزيد النفقات العسكرية لهذا العام 1059 مليار دولار ويفوق هذا المبلغ 15 ضعفا حجم المساعدات الدولية, وادى هذا الارتفاع في الموازنات العسكرية الى ازدهار صناعات الاسلحة فزادت مبيعات الشركات الرئيسية في هذا المجال بنسبة 60% خلال اربع سنوات وكانت الولايات المتحدة ودول الشرق الاوسط هي المسؤولة بشكل رئيسي عن هذه الزيادة في النفقات العسكرية وحسب منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) ان الحرب هي السبب الاول لموجات المجاعة في العالم.اما التوجهات الانسانية والاجتماعية للامم المتحدة فقد ذهبت ادراج الرياح وبقيت حبرا على ورق, ويتوقع تقرير التنمية البشرية استنادا الى المعطيات واستقراءات افاق المستقبل فشل اهداف الالفية في تحقيق تقدم في وفيات الطفولة والالتحاق في المدارس والانصاف الجنسوي في التعليم والحصول على الماء الصالح للشرب وتوفير الصرف الصحي.ان 65 بلدا يبلغ مجموع سكانها 1.2 مليار نسمة ستفشل في تحقيق هدف واحد على الاقل من اهداف التنمية البشرية حتى ما بعد عام .2040 وتشير التقديرات الى ان نحو 800 مليون شخص سيعيشون بأقل من دولار واحد وان 1700 مليون شخص اخرون سيعيشون باقل من دولارين في اليوم في عام .2015 وان 670 مليون انسان يعانون سوء التغذية في العالم عام .2015 والاستثمارات اللازمة لتزويد 2600 مليون انسان مياه نظيفة 7 مليارات دولار سنويا خلال العقد المقبل وهي اقل مما ينفقه الاوروبيون على العطور. علما ان هذا الاستثمار من شأنه انقاذ حياة 4 الاف انسان يوميا.

منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ويجري البحث عن إجابة على سؤال جوهري، حول أسباب انهيار التجربة السوفيتية، فبعد أكثر من سبعة عقود على انتصار ثورة أكتوبر وقيام الدولة السوفيتية، والاعتقاد أن التجربة الاشتراكية قد انتصرت في وجه الظلم والاستغلال والطغيان، جاء الانهيار المدوي الذي كــــان أثره كالصاعقة ليس فقط على شعوب الاتحاد السوفيتي فحسب بل على شعوب العالم اجمع وبشكل خــــاص على الــــدول النامية وفي عدادها الدول العربية، وهذا ليس تقيما فكريا بل سياسيا، فمن لم يقدر أهمية وجود الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، اعتقد انه الآن يستطيع إدراك ذلك، وما مدى الضرر الذي لحق في مختلف شعوب العالم من تفرد الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنة الليبرالية المتوحشة على العالم والتحكم بمصيره، وما مدى أهمية وجود دولة عظمى تحمل مبادئ وأفكار سامية وتؤمن بحق تقرير المصير لشعوب العالم، وهذا لم يقلل من فداحة الأضرار الناجمة عن غياب الديمقراطية وغياب التعددية السياسية في الاتحاد السوفيتي، والتي أسهمت في انهياره. فإذا كان انتصار الثورة عام 1917 قد هزّ العالم على حد تعبير الكاتب الأمريكي جون ريد في كتابه الشهير عشرة أيام هزة العالم فالانهيار أيضا قد هزّ أركان العالم، وكان صدى وأثار ونتائج الحدث الثاني عكس تماما صدى وأثار ونتائج الحدث الأول على مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في كافة أركان المعمورة، من هنا اختلفت الأجتهادات والآراء في الإجابة على السؤال الرئيسي حول أسباب الانهيار:- هل هذه الأسباب لها علاقة في نظرية ماركس حــــول نقد الرأسمالية والبحث عن سبل تجاوزها، أم في التجربة السوفيتية ذاتها، وإذا كان الجواب يتصل بالتجربة، هل يكمن السبب بفكرة قيام الثورة في روسيا، أم بالأسلوب الستالينيي البيروقراطي المركزي الذي طبق في الاتحاد السوفيتي، وهنا أود أن اطرح بعض الأضاءات والأفكار لأبرز قادة الفكر الاشتراكي في العالم حول هذا الموضوع.القراءات الأولى للتجربة الروسية في بداياتها خلصت ألى أنّ الثورة ضد “منطق رأسمال ” أي منطق ماركس حسب تعبير المفكر الإيطالي غرامشي، كونها جاءت في أكثر الدول الرأسمالية تخلفا، وان نظرية لينين بإمكانية قيام الثورة في روسيا باعتبارها اضعف حلقات الإمبريالية، حققت غرضها في استيلاء الطبقة العاملة على السلطة، وكان التطور الرأسمالي في روسيا بمراحله الأولى، والطبقة العاملة أقل خبرة وتجربة ولكنها الأكثر تنظيما من الناحية السياسية بفضل دور حزب البلاشفة.كانت الطبقة العاملة متواضعة من حيث الحجم، وكاد ينحصر وجودها بشكل رئيسي في مدينتي موسكو وسان بطرسبرغ أمام جماهير غفيرة من الفلاحين الذين اجتذبتهم الثورة في مواجهة الإقطاع وملاكي الأراضي، لا شك إن شعار تحالف العمال والفلاحين والجنود في ظروف الحرب الذي طرحه لينين شكل قوة محركـــة ومـــؤثرة وفاعلة من اجل انتصار الثورة، والوصول الى السلطة السياسية، إلا أن الحلم تبدد بعد ذلك بسبب العقبات الرهيبــــة التي واجهت الدولة الحديثة، مما اضطر القيادة السوفيتية بزعامة لينين من إجراء تعديلات على مسارها، وقد طرح لينين بوضوح في المؤتمر العاشر للحزب في عام 1921 بأنه” لا يمكن إنجاز الثورة الاشتراكية في بلد تتكون فيــه أغلبية السكان من منتجين زراعيين صغار ألا بجملة من التدابير الانتقالية الخاصة، التي لا حاجة إليها إطلاقا في البلدان الرأسمالية المتطورة. أن الحالة تختلف في روسيا حيث عمال الصناعة أقلية وحيث صغار المزارعين أغلبية” وكانت هذه التوجهات هي المقدمة لطرح السياسة الاقتصادية الجديدة” النيب ” في عام 1922 والتي انطلقت من إعادة النظر بالتوجهات المبكرة التي تبناها لينين في بداية الثورة، وخاصة ما يتعلق بالتـأمين والمصادرة وإلغاء الإنتاج البضاعي الصغير، وقدم رؤيته الجديدة التي انطلقت من حفز وتشجيع رأس المال الأجنبي والمحلي للإسهام في بناء اقتصاد الدولة الفتية كمرحة انتقالية لمحاولة إنجاز ما لم تنجزه البرجوازية الروسية قبل الثورة.اعترض بليخانوف وكاوتسكي على توجيه الثورة في روسيا نحو سلطة العمال منذ البداية منطلقين من ان بلد مثل روسيا يتشكل اقتصاده أساسا من الإنتاج البضاعي الصغير وأغلبية سكانه من الفلاحين لا يستطيع النهوض بمهام الثورة الاشتراكية، وحذرا من نشوء نظام استبدادي, وتنبأ كاوتسكي في مطلع الثلاثينات بتعذر استمرار التجربة.أدرك لينين لهذه الحقيقة وكان ينتظر الثورات العمالية في القارة الأوروبية وبشكل خاص في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا لقد زكى لينين هذا الاتجاه في كتاباته بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر حيث قال في صريح العبارة ” كنا نفترض دون حساب كاف، بأننا سنتمكن بالأوامر الصريحة التي تصدرها الدولة البروليتارية من أن ننظم على الطريقة الشيوعية في بلد من صغار الفلاحين، إنتاج وتوزيع المنتجات من جانب الدولة إلا ان الحياة بينت خطأنا وتبين انه لا بد من سلسلة من الدرجات الوسيطة، رأسمالية الدولة، ففي بلد كهذه لا يمكن للثورة الاشتراكية إن تنتصر الا بشرطين:الأول:- تدعمها في الوقت المناسب الثورة الاشتراكية في بلد أو عدة بلدان متقدمة.الثاني:- التفاهم بين البروليتاريا التي تتسلم زمام السلطة وبين أغلبية السكان الفلاحين، إن الفلاحين مستاءون من شكل العلاقات وإنهم لا يريدوا أن يعيشوا بعد اليوم على هذا النحو، وينبغي لنا أن نأخذ رغبتهم بعين الاعتبار، وبذلك قرر المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي في روسيا الاستعاضة عن التأمين والمصادرة بالضريبة العينية.حققت المرحلة الانتقالية السياسة الاقتصادية الجديدة ” النيب” نجاحات ملموسة في مجال إعادة بناء الاقتصاد السوفيتي المدمر من أثار الحروب الداخلية والخارجية، لم تدم هذه المرحلة طويلا فقد أعاد ستالين اقتصاد شيوعية الثكنات من جديد، ورافق هذا التوجه حملة واسعة من القمع والإرهاب طالت ملايين البشر لفرض النموذح الستاليني بالقوة، باستيلاء الدولة على مختلف إشكال الملكية في الأرياف والمدن، وإدارة الاقتصاد بأسلوب أوامري بيروقراطي.كان لتصدي شعوب الاتحاد السوفيتي للعدوان النازي، والتحام الدولة والحزب والشعب في معركة واحدة ضد المحتلين النازيين، والانتصار العظيم الذي حققته الدولة السوفيتية، ودخول الجيوش السوفيتية برلين وعواصم شرق أوروبا اكبر الأثر على خروج الاتحاد السوفيتي من عزلته، وإعطاء الدولة السوفيتية دعما وزخما هائلا, مكنها من البروز كقوة عظمى لا يمكن تجاهلها في أي قضية تطرح على بساط البحث، وكاتجاه رئيسي في الصراع الدولي والحرب الباردة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزز هذا الدور بفضل الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفيتي لشعوب الدول المستعمرة في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في نضالها من أجل الاستقلال والتحرر الوطني، كل ذلك اكسب الدولة السوفيتية شرعية وطنية وأممية، الا ان أحلام خورتشوف الوردية بإقامة النظام الشيوعي قبل نهاية القرن العشرين قد تبددت، ودخل الاتحاد السوفيتي في كوما في عصر بريجينيف وخاصة في المرحلة الاخيرة، ولم يتمكن من احراز أي تقدم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وبدأت مظاهر الأزمة في الربع الأخير من القرن الماضي في البروز دون علاج ، وقد أسهم كل من غوربتشوف ويلتسن بالتسريع في انهيار الدولة السوفيتية، والسؤال الهام هل كان الانهيار حتمية تاريخية ..؟ والسؤال الأخر هل كان من الممكن تحقيق الاشتراكية التـــي كتب عنها لينين عشية الثورة او في بداياتها الأولى وقبل طرحه السياسة الاقتصادية الجديدة النيب ..؟ ، اعتقد ان الانهيار لم يكن حتمية تاريخية وكان من الممكن تفاديه لو توفرت الإرادة السياسية لدى قيادة الدولة السوفيتية في وقت مبكر بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تخرج الدولة السوفيتية من ألازمة، ليس باتباع سياسات حقبة شيوعية الثكنات، كما إنها ليست الصيغة المبنية على فكرة ” كل حسب حاجته” أي بمعنى إنها ليست المساواتية التي تفقد القدرة على التنافس الحر في ظل تكافؤ الفرص، ولن تقوم على التأميم والمصادرة لكافة الفروع والقطاعات الاقتصادية بغض النظر عن حجمها، وتحويل الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والمبدعين الى موظفين في مؤسسة بيروقراطية، فالثروات الأساسية للدولة هي ملك للشعب وينبغي عدم التفريط بها ، كما ان للدولة دور هام يجب القيام به في مجال التنمية الاقتصادية، وفي مجال تحسين وتطوير الخدمات العامة للمجتمع، ووضع الضوابط الكفيلة لمنع الجشع والاستغلال، أي بمعنى الوصول الى صيغة جديدة ،وهذه الصيغة ليست الليبرالية المتوحشة، كما انها ليست رأسمالية الدولة البيروقراطية، لكن الحياة نفسها كفيلة بتقديم صيغ جديدة تلائم مستجدات العصر، شريطة ان تتوفر لدى قيادة الحزب والدولة الدوافع الحقيقية لتوفير الحوافز الكفيلة لتطوير مؤسسات الدولة وتحقيق إصلاح كامل في مختلف مجالات الحياة ، مع ضمان وجود ديمقراطية حقيقية تعكس نبض الشارع ، وتعكس مدى نجاح أو إخفاق القيادة بتحقيق إنجازات سواء في الوضع الاجتماعي وما يتصل بتحسين وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير السكن المناسب، وتحقيق رفاهية المجتمع ، مع العناية الفائقة لتحقيق نمو اقتصادي بوتائر عالية تتناسب مع إمكانيات دولة كبرى. يمكن الاستخلاص مما تقدم أن الماركسية ذاتها تحتاج إلى مراجعة وتجديد، ومع انهيار التجربة السوفيتية لم يعد هناك محرمات، وقد برز العديد من المفكرين وبشكل خاص في أوروبا وأمريكا الذين أشاروا إلى الحاجة الموضوعية لرؤية ماركسية نقدية للنظام الرأسمالي بشكله الحالي” النيوليبرالية”، الرأسمالية العولمة، لقد نقد ماركس الرأسمالية ضمن مرحلة تاريخية من تطورها، ونجحت الرأسمالية من الإفلات من أزماتها عبر الصيغ التجديدية التي طرحتها بمراحل مختلفة، مستفيدة من الثورات العلمية والتطورات الهائلة في مجالات التكنولوجيا، أما الماركسية فكان الاقتراب منها من المحرمات وتحولت الى عقيدة جامدة.الفرصة التاريخية مهيأة الآن للاستفادة من الأزمة التي تمر بها النيوليبرالية في علاقاتها مع قوى اجتماعية داخلية وصراعها العنيف مع دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، أي بين المركز والأطراف ” حسب توصيف الدكتور سمير أمين” لتحليل مظاهر الاستغلال الرأسمالي بشكله الجديد وإمكانية تجاوزه والتحرر من الاستغلال والاستلاب والتمييز، وقد برزت حركات سياسية واسعة في طول العالم وعرضه في مواجهة الرأسمالية المتوحشة ” العولمة الرأسمالية” وكان للحركات السياسية التي برزت في أمريكا اللاتينية الدور الأبرز والاهم حيث نجحت هذه الحركات في العديد من الدول في الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، تحت شعارات يسارية بمضمون اجتماعي ” اليسار الاجتماعي”