الدعوة للحوار
هل كانت سورية بحاجة الى عامين من القتال وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا وتشريد مئات الآلاف من المدنيين، حتى يدرك أطراف الصراع أن لا مخرج للأزمة سوى الحوار، هل فشل أمراء الحرب بتحقيق انتصار عسكري حاسم بعد استنزاف طاقات الشعب السوري في قتال عنيف طال مختلف المحافظات السورية، ودمر البنية التحتية للدولة وشل الاقتصاد الوطني، لقد كشفت وحدة المعلومات التابعة لمؤسسة الإيكونومست البريطانية أن الاقتصاد السوري انكمش بمقدار 18.8% في العام الماضي، بينما ارتفع معدل التضخم بنسبة 37% ووصل عجز الموازنة إلى 14.75% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقدرت خسارة البنية التحتية بحوالي 11 مليار دولار، ومن المعروف أن الليرة السورية فقدت نصف قيمتها منذ بدء الأزمة. من أوصل سورية الى ما هي عليه الآن؟ ” حكومة ومعارضة ” ينادون اليوم بالحوار بعد أن أنهكت قواهم وفقدوا الأمل بتحقيق انتصار حاسم، وبعد أن دمروا البلاد وشردوا العباد، وفتحوا الأبواب على مصاريعها لدخول المسلحين المتطرفين من أنحاء العالم، وخلق بيئة ملائمة لنشوء الحركات المتطرفة، مستغلين عدم تحقيق اصلاحات مبكرة تؤدي الى تداول سلمي للسلطة؛ إن من حق الشعب السوري التمتع بالحرية والديمقراطية والتعددية السياسة.
وللمرة الأولى يحمٌل المجتمع الدولي طرفي النزاع في سورية مسؤوليةَ الانتهاكات، ويحمِّل من أسماهم بالمرتزقة والدول الداعمة لهم، مسؤولية اشتداد النزاع وتحويلِه الى حرب أهلية وطائفية. ويقول التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية إن جبهة النُصرة هي التي تحصل على الدعم المالي الكبير، إضافة الى مجموعة سلفية أخرى تجذب أكثر العناصر تطرُّفاً، بحسب وصف التقرير الدولي. الا تكفي هذه المعلومات الخطيرة لوضع حد لما يجري في سورية. ان الاستنتاجات التي وصلت اليها اللجنة الدولية تؤدي من جديد وللقاصي والداني ان لا خيار امام السوريين سوى الحوار، والجلوس على طاولة المفاوضات لسد منابع الارهاب، وللوصول الى حكومة انتقالية تعيد الاستقرار الى البلاد وتمهد لانتخابات ديمقراطية تفسح المجال امام الشعب السوري باختيار قيادته عبر صناديق الاقتراع.
كان واضحا منذ البداية أن لا حسم عسكري، ولا تكرار للتجربة الليبية في سورية لاعتبارات عديدة أبرزها، أن حربا أطلسيىة خاطفة لاحتلال سورية لن يكتب لها النجاح، الأمر الذى جعل الموقف الأميركي والأوروبي مترددا، رغم بالونات الاختبار التي أطلقها الحلف الأطلسي من خلال المناورات الاميركية في المنطقة ونشر صواربخ الباتريوت على الحدود السورية التركية. فقد كشفت نتائج الحرب القذرة التي خاضها الحلف الأطلسي في ليبيا أن الهدف الأساسي ليس مساعدة الشعب الليبي في الحرية والديمقراطية، بل للاستيلاء على منابع النفط في ليبيا، وتوسيع نفوذ الاحتكارات الراسمالية لتمتد الى السوق الليبي، بدليل أن ليبيا ما زالت تعيش حالة انفلات أمني، وأن المليشيات المسلحة تسيطر على الشارع، على الرغم من مرور عام على سقوط نظام القذافي .
كما أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها النظام الرأسمالي لن تمكنه من الدخول في حرب طويلة لن تقتصر على سورية فحسب، فمن المتوقع أن تتحول الى حرب اقليمية باهظة الثمن، ودون الحصول على غنائم نفطية كما هو الحال في ليبيا، كما لن تغامر الادارة الأميركية بارسال جنودها الى أتون حرب لن يعرف متى وكيف تنتهي، خاصة بعد الدروس القاسية التي تلقتها في العراق وأفغانستان، اضافة الى كل ذلك لا يمكن اغفال اتساع دور الاتجاهات الأصولية المتطرفة في ساحات القتال باعتراف الأمم المتحدة، والذي يتنافى مع ادعائها بمحاربة الارهاب، مما دفع الادارة الاميركية وشركائها في حلف الاطلسي بالتراجع عن التصريحات الساخنة والتهديدات المتكررة واطلاق الوعود باقتراب سقوط النظام السوري .
لذلك دفعت الدول الاستعمارية نحو خيار آخر، قائم على استنزاف طاقات الشعب السوري، وتدمير مؤسساته الوطنية التي بناها عبر مئات السنين، وتعريض الدولة للانهيار، وفرض شروط المنتصر باقامة “الشرق الأوسط الجديد”، الحلم الاميركي- الصهيوني، الذي أفشلته المقاومة اللبنانية الباسلة اثناء العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، والذي يطل برأسه من جديد، لم تخف كوندليزا رايس وقاحتها حين أعلنت أنها مددت لـ “اسرائيل” أسبوعا آخر لمواصلة الحرب الوحشية على لبنان لاعتقادها أن المنطقة مقبلة نحو المشروع الامبريالي باقامة الشرق الأوسط الجديد، بعد ادخال المنطقة بحروب أهلية تؤدي الى شرذمة الوطن العربي الى كنتونات أثنية وطائفية وإقليمية. تفضي الى تصفية القضية الفلسطينية بصفقة مذلة يتم فرضها تحت الحراب الصهيونية، والاستيلاء على منابع النفط .