من المنتظر ان يناقش مجلس النواب مشروع قانون الموازنة خلال الشهر المقبل بعد سماع تقرير اللجنة المالية حولها, ومن السمات الأساسية البارزة لهذه الموازنة ارتفاع نسبة العجز ليصل الى 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي قبل المساعدات مما يذكرنا بنسبة العجز التي كانت سائدة في أوائل التسعينيات مع بداية تنفيذ برنامج التصحيح الاقتصادي, رغم الإجراءات الانكماشية التي نفذتها الحكومات المتعاقبة خلال الفترة المنصرمة, والملفت للانتباه انه على الرغم من الظروف والأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد لم تلحظ أي إشارة تجاه ضبط الإنفاق بل على العكس من ذلك هناك إفراط غير مبرر, وللسنة الثانية على التوالي, فقد شهدت موازنة عام 2007 إعادة تقدير انفلات غير مسبوق في النفقات الجارية مقارنة مع عام ,2006 وموازنة 2008 تصب بنفس الاتجاه, فقد بلغت الزيادة في النفقات العامة خلال عامي 2007 و 2008 حوالي 1313 مليون دينار ما نسبته 33.5% مقارنة مع عام ,2006 علما ان نسبة النمو الاقتصادي المعلنة رسميا خلال عام 2007 دون 6%, والعجز المعلن في موازنة 2007 إعادة تقدير 616 مليون دينار بالإضافة إلى العجز المتوقع لعام 2008 مقداره 724 مليون دينار, في حال التزام الدول المانحة بتقديم المساعدات المعلنة في الموازنة والبالغ قيمتها 440 مليون دينار, والمحصلة النهائية نقل مبلغ 1340 مليون دينار من باب العجز الى باب الدين العام, وما يترتب على ذلك من ارتفاع نصيب الفرد من الدين العام, وإضافة أعباء جديدة على الخزينة نتيجة زيادة الفوائد.

تعكس الموازنة العامة للدولة التوجهات الرئيسية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية, وهي بمثابة برنامج عمل للسنة المالية, وتشكل احدى اهم ادوات تنفيذها, ووفقا لمصادر الايرادات وابواب الانفاق, تحدد الموازنة العامة تجاه سير الحكومة اقتصاديا خلال عام, شريطة التزام الحكومة بقانون الموازنة, وغالبا لا تلتزم, فتصدر الحكومة الملحق تلو الآخر لتغطية تجاوزاتها المالية, لذلك نلحظ فروقات شاسعة بين الموازنة المقدرة والفعلية, وعادة تكون هذه الفروقات لصالح زيادة النفقات وبالمقابل زيادة القروض, مصادر ايرادات الدولة الاردنية نوعان ايرادات محلية ومساعدات خارجية, وتشكل الايرادات الضريبية 70% من الايرادات المحلية, ومن السمات البارزة للموازنة العامة للدولة العجز المتكرر بين الايرادات والنفقات, بالاضافة الى عجز الايرادات العامة من تغطية اقساط المديونية, لذلك استحدثت الحكومات المتعاقبة ما يُعرف بموازنة التمويل لتغطية العجز, ويجري تغطية موازنة التمويل عن طريق الاقتراض, لقد اعتمدت موازنات الدولة تاريخيا على المساعدات والقروض لتغطية العجز, وتعتبر المنح والمساعدات عبئا سياسيا, فالمساعدات الخارجية لا تقدم على طبق من دون قيد او شرط, فهي غالبا ما تكون مشروطة, سواء سياسيا او اقتصاديا, اما القروض فهي اشد وطأة, فقد اغرقت البلاد بالمديونية ومنذ انفجار الازمة الاقتصادية عام 1989 وما زال الاقتصاد الاردني يعاني من عبء المديونية وخدماتها, حيث يقتطع سنويا حوالي 10% من الايرادات المحلية لتسديد الفوائد, اما الاقساط المستحقة يجري اعادة جدولتها سنويا.

قدم رئيس الوزراء برنامج حكومته لمجلس النواب لنيل الثقة على اساسه, تضمن البرنامج مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ابرز ما يسترعي الانتباه في البرنامج تعويم اسعار المشتقات النفطية وتقديم دعم مالي, خصصت الحكومة 500 مليون دينار لهذا الغرض, 301 مليون لزيادة الرواتب والباقي لشبكة الامان الاجتماعي, ولكي لا نقع ضحية الارقام المبهمة لا بد من معرفة القيمة الفعلية التي ستصل الى المواطن. وهل ستغطي ارتفاع الاسعار..؟ من المفيد التذكير ان موازنة 2007 اعادة تقدير, تضمنت 350 مليون دينار لدعم المواد التموينية وتغطية شبكة الامان الاجتماعي. اذا الزيادة المقررة للدعم 150 مليون دينار مقارنة مع 2007 اعادة تقدير, هكذا قرأت خطاب الرئيس, وان كنت على حق فان الحكومة سوف تقوم بتنفيذ مهمتين الاولى ربط الاجور بالاسعار والثانية توزيع الدعم لمستحقيه بكلفة اجمالية 150 مليون دينار فقط..! كون موضوع ربط الاجور بالاسعار سابقا لموضوع الغاء الدعم, وكون البلاد تتعرض لموجات الغلاء قبل الرفع المنتظر, وقرار تحرير الاسعار سوف يؤدي الى ارتفاع جديد وغير مسبوق.

قدمت الحكومة موازنة عام 2008 لمجلس النواب, الموازنة خلت من دعم المشتقات النفطية تمهيدا لتعويم اسعارها, اجراء كهذا يؤشر للكيفية التي سوف تعالج بها الحكومة أهم ملفاتها, امام الحكومة الجديدة تحديات كبيرة, ليس لهذه التحديات صلة في البرلمان او الثقة بالحكومة, فالثقة قادمة من دون عناء, وان كان يفترض ان تكون الثقة مقرونة بالاستجابة لمطالب رئيسية اهمها عدم وقف الدعم عن المشتقات النفطية وبعض المواد الاساسية, المطلع على اصول اللعبة يدرك ان ثقة البرلمان وحدها ليست كافية حتى تسير الحكومة اعمالها من دون متاعب, الاهم من ذلك ان تحصل الحكومة على ثقة الشعب, يبدو ان هذه الثقة ليست سهلة المنال على ضوء التوجهات الاولية للحكومة.