سوء استغلال السلطة يولد الفساد, وينتشر الفساد عادة في المجتمعات الاكثر تخلفا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا, ومع ذلك لا حدود لهذه الافة حيث تظهر ايضا في الدول المتقدمة, وبات الفساد يشكل منظومة كاملة من المتنفعين والفاسدين, ويتربع على رأس هذه المنظمة طغاة السلطة والمال, اما الفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة, ان امكانية مكافحته والتصدي له في الدول المتقدمة متاحة بشكل افضل, بحكم الشفافية العالية في دولة المؤسسات والقانون ونزاهة القضاء, ووجود مؤسسات ديمقراطية فاعلة قادرة على محاسبة الفاسدين وتقديمهم للمحاكم بغض النظر عن مواقعهم السياسية في السلطة التنفيذية, فقد اطاح الفساد بالعديد من الرؤوس وكان اخرها رئـيس البنك الدولي الذي اضطر للاستقالة من رئاسة اعلى هيئة دولية يعتبرها المحافظون الجدد في البيت الابيض في مقدمة المؤسسات الاقتصادية المعنية في مكافحة الفساد, لقد سمعنا الكثير عن فضائح الادارة الامريكية الغارقة بالفساد خلال العدوان الامريكي على العراق, وبريطانيا ليست افضل حالا, فما زالت فضيحة »اليمامة« المتعلقة بصفقة طائرات التورنيدو تتفاعل, حيث ادى تدخل رئـيس الوزراء البريطاني السابق بلير بوقف التحقيق في هذه القضية الى فضيحة اخرى.

شكا رئيس الوزراء من عدم نجاح معدلات النمو العالية نسبيا للاقتصاد الوطني في زيادة فرص العمل للأردنيين، مشيرا الى ان الاستثمارات الضخمة التي دخلت السوق الاردني لم تسهم كما كان مأمولا في تخفيض معدلات البطالة جاء ذلك في كلمة الافتتاح للحلقة النقاشية الوطنية التي نظمتها وزارة العمل مع منظمة العمل الدوليه حول سياسة تشغيل اردنيهوقد سبق وان تكررت الشكوى من قبل المسؤولين حول عدم بروز نتائج معدلات النمو الاقتصادي على الأوضاع المعيشية للمواطنين، فلم تنعكس هذه النسب من النمو على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للفئات الشعبية، هذه التساؤلات مشروعه من حيث المبدأ ولكن لا بد من الانتباه الى ما يلي: الاستثمارات الضخمة التي دخلت السوق الأردني تقسم إلى قسمين

عقب زيارته الاخيرة للبلاد قدم وفد صندوق النقد الدولي توصياته, كان ابرزها الطلب من الحكومة تقليص النفقات بمعدل 2% بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي, وزيادة الايرادات 1.3% بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي لتعويض ارتفاع الدعم الذي تقدمه الحكومة, واوصى وفد الصندوق بتخفيض العجز التجاري الذي وصل الى مستويات مرتفعة جدا, كما اوصى برفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات.

تدرس ملاحظات صندوق النقد الدولي بعناية فائقة, ويفترض ان تكون مجرد ملاحظات ومقترحات وان لا تخرج عن ذلك, بعض هذه الملاحظات يمكن الاستفادة منها وبعضها قد لا تتناسب مع خصائص الاقتصاد الوطني, والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد, الا ان الحكومات المتعاقبة اخذت ملاحظات الصندوق والبنك الدوليين على شكل املاءات وتعليمات, فالمنظمات الدولية معنية بتخفيض عجز موازنة الدولة المدينة, لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول الدائنة, ولديها وصفة جاهزة تقدم الى كافة الدول, واهمها وقف الدعم عن الخدمات الاجتماعية والصحية, وتخفيض النفقات العامة واعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتحرير اسواق المال والتجارة.. وبعض هذه الشروط تصل الى درجة التوحش, لكن الحكومات المحلية تستطيع قبول او رفض بعض هذه الشروط وفقا للمصالح الوطنية, كما ان بعض الاجراءات التي تتم باسم التصحيح الاقتصادي قد تنطلق احيانا وفقا لمصالح واهواء بعض المتنفذين لاسباب لا تخلو من الفساد المالي, ومن المفيد الاشارة هنا ان من حق الحكومة ان تطرح برنامجها الوطني للاصلاح الاقتصادي بعيدا عن شروط الهيمنة الدولية في حال توفر الارادة السياسية, لا مانع من اخذ الملاحظات التي تسهم في تصويب الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الوطني, ولندقق باهم المقترحات المقدمة.