تعيش الأردن أزمات سياسة واقتصادية واجتماعية مركّبة، كثمرة لنهج التبعية السياسية والاقتصادية، بعد إغراقها بالمديونية، فقد تراجع النمو الاقتصادي إلى 2% كما تراجعت الصادرات الوطنية بنسبة 9% خلال العام الماضي 2016. واستنزفت السياسات التقشفية طاقات الشعب الأردني وأسهمت بتوسيع دائرة الفقر التي شملت نحو ثلث السكان، ومع انهيار القيمة الشرائية للأجور تعمقت الفجوة الطبقية بين الشـرائح الاجتماعية، وتآكلت الطبقة الوسطى وارتفعت معدلات البطالة الى أكثر من 18% وفق الأرقام الرسمية، وهي مؤشرات تعكس تفاقم الأزمة الاقتصادية.

شهد الاقتصاد الأميركي، في «ذروة انتصار» الليبرالية الجديدة، تبدلات هيكلية أدت الى اتساع ظاهرة النشاط المالي.. من سندات وأسهم ومضاربات في البورصات والأنشطة المالية على اختلاف أنواعها، مقابل انخفاض نسبة الأموال الموظفة في الاقتصاد الحقيقي (الصناعة والزراعة). الأمر الذي أدى الى تضخم الاقتصاد المالي وضمور الاقتصاد الحقيقي، إلى درجة أن نصيب الصناعة والزراعة من الناتج المحلي الإجمالي أصبح لا يتجاوز 21.5%.

تحرير أسواق المال والتجارة الداخلية والخارجية، وفرض سياسة التخاصية وانهاء دور الدولة في الاقتصاد، إضافة الى تعويم العملة المحلية؛ الوصفة التي يصرفها صندوق النقد والبنك الدوليين، بعد اغراق الدول النامية بالمديونية، وتحميل الفقراء والشرائح الوسطى في المجتمع أعباء الازمة بتخفيض الدعم ورفع أسعار السلع وزيادة الضرائب غير المباشرة.

كشفت بيانات رسمية سعودية عن ارتفاع معدل البطالة بين المواطنين السعوديين؛ حيث بلغت نحو 12.7% في الربع الأول من العام الجاري، في ظل استمرار عجز الموازنة العامة للدولة للعام الثالث على التوالي بسبب انخفاض أسعار النفط وتبديد المال العام، ويقدر العجز المتوقع بـ53 مليار دولار.

لم تأت صفقة الغاز بمعزل عن الظروف والتطورات السياسية التي تشهدها المنطقة، بل محاولة لاستغلال حالة الانهيار العربي، وتدمير البنية التحتية لكلٍّ من سوريا والعراق وليبيا واليمن، فقد تهافت أصحاب المشاريع الإمبريالية-الصهيونية-الرجعية لعقد الصفقات، اعتقادا منهم ان الوقت قد حان لحصاد نتائج المعركة التي خاضتها القوى الظلامية بالوكالة وأنَّ الطريق أصبح معبدًا امام تصفية القضية الفلسطينية، واخضاع الشعوب العربية لمشيئة الامبريالية. ان محاولات التوطين وتصفية القضية الفلسطينية ليست جديدة، فقد بدأت منذ أوائل العقد الخامس من القرن الماضي، وأنَّ الشعوب العربية نجحت بدفن هذه المشاريع بمهدها، وان مصير المشاريع الجديدة لن يكون أفضل من سابقاتها.

يأتي مشروع قانون الموازنة لعام 2017  في ظل تراجع النمو الاقتصادي الى ادنى مستوياته حيث تشير المعلومات الرسمية ان النمو الاقتصادي بلغ 2.1% خلال النصف الأول من العام 2016، وتراجعت الصادرات، كما ارتفع عجز الحساب الجاري بنسبة 12.7% من الناتج المحلي الإجمالي، ليبلغ 1.635 مليار دينار خلال النصف الأول من العام الحالي 2016 ،مقارنة مع 9.5%من الناتج المحلي الإجمالي للنصف الأول من العام 2015،  وتراجع رصيد الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي في نهاية تشرين اول ليصل الى نحو 12.062 مليار دولار مقارنة مع 14.173 مليار دولار في نهاية عام 2015. كما بلغ الدين العام نحو 26 مليار دينار. وعلى الصعيد الاجتماعي أدت هذه السياسات الى اتساع مساحات الفقر، وارتفاع معدلات البطالة اتصل الى نحو 16% خلال الربع الثالث من العام الماضي 2016، وانتشار تجارة المخضرات والسلاح، والعنف الاجتماعي والاحتقانات العصبية والقبلية وحالات الانتحار، كما شكلت مناخا خصبا لنمو الأفكار المذهبية التكفيرية. 

عمّان – الغد – قليلة هي الدراسات التي اهتمت بدراسة التحولات الاقتصادية والاجتماعية في مرحلة بناء الدولة الأردنية وتشكلها بمنهج علمي واضح المعالم. وإذا ما نظرنا إلى واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والصعوبات والمشاكل التي تواجهه، غالبا ما نغرق بتفاصيل المشكلة والبحث عن حلول، غالبا ما تكون مؤقتة، بمعنى أننا ندير مشاكلنا وأزماتنا فقط، والسبب يعود إلى أننا ننسى ظروف تشكل هذا الواقع تاريخياً، والبحث في الجذور.
لكي نفهم ما نحن فيه وعليه، يعود بنا الباحث فهمي الكتوت في كتابه الصادر حديثا عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمّان، إلى بدايات تشكل الدولة الأردنية، وتشكل اقتصادها، وظروف، وخلفيات تشكله.
الكتاب الذي يقع في(400) صفحة من القطع الكبير يتكون من سبعة فصول، وعدد من الملاحق المهمة. استعرض الباحث في فصله الأول تاريخ نشوء الدولة الأردنية، والانتداب البريطاني الذي فرض على الدولة الناشئة معاهدة انتداب استعماري سنة 1928، وجميع المشاريع الاقتصادية والسياسية التي ظهرت في تلك المرحلة كانت تلبي مصالح الاستعمار بدرجة أساسية، مثل مشاريع: روتمبرغ للكهرباء، وامتياز البحر الميت، وامتياز بترول العراق، وغيرها.
ويعرض هذا الفصل أيضا للتطورات على المعاهدة الأردنية البريطانية، وللأحداث السياسية الكبرى في المنطقة التي أثرت على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الأردن وتشكله، بما في ذلك تشكل الأحزاب الوطنية السياسية، وحرب فلسطين، ونشوء دولة إسرائيل، ووحدة الضفتين، والمتغيرات التي أعقبت ذلك، وصولا إلى إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية.
الفصل الثاني اهتم بعرض إحلال النفوذ الأميركي مكان النفوذ البريطاني في المنطقة، وظهور مشاريع اقتصادية وسياسية جديدة، مثل مشاريع ماكدونالد، وجونستون، وآيزنهاور، وقناة الغور الشرقية، وتحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب وغيرها.
الفصل الثالث تناول خصائص الاقتصاد الأردني، وخطط التنمية الاقتصادية، أما الفصل الرابع فاهتم بالحديث عن القطاع الزراعي، وتبعه الفصل الخامس بالحديث عن القطاع الصناعي، والسادس عن السياسات المالية، وفلسفتها.
أما الفصل السابع والأخير فقد خُصص لدراسة التركيب الاجتماعي في الأردن، ونشوء الطبقات الاجتماعية المختلفة، وأدوارها السياسية والاجتماعية.
يذكر أن فهمي الكتوت هو ناشط سياسي ونقابي وخبير ومحلل وباحث اقتصادي أردني، له أبحاث ودراسات ومحاضرات، وإسهامات في صحف أردنية وعربية عديدة. ومن مؤلفاته:” الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وبرنامج البديل الديمقراطي” ، و”أزمة الرأسمالية العالمية”، و”فهمي الكتوت في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن، والمصالحة الفلسطينية، ومحاولات احتواء الثورات العربية، والأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على الوطن العربي”، إضافة إلى مدونة خاصة على الانترنت باسمه تضم مقالاته ودراساته.

طالب صندوق النقد الدولي الحكومة الأردنية بإلغاء جميع الاعفاءات على ضريبة المبيعات ورفع نسبة الضريبة على الدواء والمواد الغذائية والزراعية من 4 الى 12% مقابل تخفيض ضريبة المبيعات على السلع والمواد الخاضعة لنسبة 16% الى 12%، وتخفيض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الخارج لتتراوح ما بين 3-7%.
من المعروف ان الحكومة بدأت في تنفيذ برنامج ما يسمى بإصلاح مالي واقتصادي للفترة 2016 -2019، بناء على توجيهات صندوق النقد الدولي، وقد اعتبر الصندوق مقترحاته لمساعدة الحكومة في الخروج من مأزق المديونية والوضع الاقتصادي الراهن! في حين لم يجف بعد حبر بيان رئيس بعثة الصندوق في عمان، معلنا ان الأردن اتخذ قرارات جريئة وغير شعبية مكنته من مواجهة تحدياته الاقتصادية. فاذا نجح الأردن في مواجهة التحديات الاقتصادية عبر الإجراءات التقشفية السابقة لماذا الإجراءات الضريبية الجديدة!؟ والتي من المنتظر ان تؤدي الى ارتفاع أسعار الغذاء والدواء والكساء، الامر الذي يعمق الازمة ويسهم في افقار الغالبية العظمى من المواطنين، فان سياسة توحيد العبء الضريبي بين الشرائح والطبقات الاجتماعية وبين مختلف السلع والمواد الضرورية والكمالية، يوسع الفجوة بين الفقراء والاغنياء، في بلد تقدر نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق نحو 35% استناد الى الجدول (رقم 2.3 توزيع الاسر وافرادها حسب فئات الدخل لعام 2013) الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، ومعدلات البطالة في حالة تصاعد حيث بلغت نسبتها 15.8% وفقا للأرقام الرسمية. كما ان هذه التوجهات الاقتصادية تعبر عن سياسات انكماشية تسهم بلا شك في تراجع النمو الاقتصادي، كما تعزز النمط الاستهلاكي لشريحة معينة، وتضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلي عبر تخفيض الرسوم الجمركية للسلع المستوردة وتعرض الاستثمار المحلي الى مزيد من التدهور.

اتخذ الأردن قرارات جريئة غير شعبية مكنته من مواجهة تحدياته الاقتصادية. هذا ما قاله مساعد مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط واسيا الوسطى مارتن سيريسولا …!

صحيح ان إجراءات قاسية قد اتخذت، وإنها تسببت في آلام ملايين المواطنين ورفعت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر، وعرضت اقساما منهم للفقر المدقع، لكنها لم تمكن الاقتصاد الأردني من مواجهة الازمة. بل اسهمت في تعميق الازمة وتفاقمها.

فقد واصل الاقتصاد الوطني تراجعه، حيث بلغت معدلات النمو خلال النصف الأول لعام  2016 نحو 2.1% وهي تلامس نسبة النمو السكاني الطبيعي، (معنى ذلك لا نمو) بفضل السياسات المالية والاقتصادية السائدة، ومنها الجباية الضريبية التي اضعفت القدرة الشرائية للمواطنين، ورفعت معدلات البطالة الى 15.8% وفق المعلومات الرسمية، في حين ان النسبة الحقيقية تفوق ذلك بكثير،  حيث تراجعت قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص العمل، كما ارتفع عجز الحساب الجاري من 619 مليون دينار خلال النصف الأول من عام 2015 الى 1635 مليون دينار خلال النصف الأول من العام الحالي 2016، وتراجع رصيد الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي بنحو 1480 مليون دينار في نهاية اب 2016 مقارنة مع نهاية عام 2015. إضافة الى ارتفاع الدين العام الى 25.511 مليار دينار في نهاية تموز الماضي، باستثناء الأرقام غير المعلنة بعد.

تمر الشقيقة مصر في ازمة مالية واقتصادية خطيرة، تواجه محنة قد تعرضها للانهيار الاقتصادي في حال استمرار النهج السائد سياسيا واقتصاديا، وخاصة نهج التبعية السياسة والاعتماد على المساعدات المالية الخارجية، التي اخضعت السيادة الوطنية للابتزاز والرضوخ للشروط الخليجية.
مصر بعد إنجاز خطتها الخمسية الأولى عام 1965 وقفت في مقدمة كل من -إندونيسيا وتايلند وكوريا الجنوبية وماليزيا- وأن القيادة السياسية التي تولت الحكم بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، تسببت في تقهقر مصر سياسيا وانحدارها اقتصاديا.
تحيا مصر