شهد الاقتصاد الاردني تطورات ملحوظة خلال العقود الاربعة الماضية, حقق خلالها الناتج المحلي الاجمالي نموا يفوق النمو الطبيعي لأي دولة غير بترولية من الدول النامية, فقد ارتفع الناتج المحلي الاجمالي من (200) مليون دينار عام 1964 الى (9012) مليون دينار عام ,2005 استنادا لتقارير البنك المركزي, وذلك لاعتبارات واسباب متعددة بعضها ناجم عن تطورات طبيعية للاقتصاد الوطني والنشاط الاستثماري التنموي, خاصة وان البلاد شهدت خلال هذه المرحلة انشاء وتطوير البنية التحتية للدولة الاردنية, من طرق ومياه ومجار ومحطات كهرباء واتصالات وغيرها, والبعض الآخر له علاقة مباشرة بالهجرات القسرية التي جرت بسبب حرب الخليج الثالثة, التي نجم عنها عودة حوالي ربع مليون مواطن من الاردنيين العاملين في دول الخليج, ونقلوا مدخراتهم الى الاردن وانفقوها بشراء عقارات او توظيفها باستثمارات محلية, بالاضافة الى ذلك اجتذاب الاردن لمستثمرين عرب واجانب بفضل التسهيلات الممنوحة لهم وحالة الاستقرار التي يتمتع بها الاردن, ووجود عمالة محلية ماهرة غير مكلفة, كما حظي الاردن بالاولوية في استقبال مواطنين عرب ومستثمرين نتيجة الظروف الاستثنائية والحروب التي شهدتها المنطقة سواء في العراق او لبنان, كل هذه الاسباب مجتمعة شكلت حالة جذب واستقطاب للمستثمرين, مما اسهم في تطوير الاقتصاد وتحقيق قفزات خلال هذه الحقبة التاريخية, مع الاخذ بعين الاعتبار حجم المساعدات التي تلقاها الاردن سواء من خلال الدعم العربي بعد قمة بغداد او منحة النفط العراقية او المساعدات العراقية او المساعدات الخارجية عامة بالاضافة الى تحويلات المغتربين. لكن السؤال الجوهري هل تحسنت الاوضاع المعيشية لأبناء المجتمع الاردني بهذا القدر من النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد..? اما السؤال الاخر هل تمت الاستفادة كما ينبغي من الامكانيات الضخمة التي وضعت بين ايدي الحكومة المتعاقبة, بما في ذلك القروض التي حصلت عليها الدولة وتحولت الى الدين العام, في بناء قاعدة مادية للاقتصاد الوطني..? الجواب على هذه الاسئلة بالنفي وذلك للأسباب التالية:

لم تستطع البرجوازية الوطنية في معظم البلدان النامية وفي عدادها البلدان العربية من القيام بدور قيادي في تنمية الموارد الاقتصادية والاجتماعية, ولم تعد مؤهلة في هذه المرحلة من اعادة نشاطها ضمن المفهوم السابق لدور البرجوازية الوطنية, فهي تكيفت مع الدور المتواضع الذي جاء ضمن افرازات النظام العالمي الجديد في تسويق منتجات النظام الرأسمالي ممثلي الشركات والوكالات الاجنبية »الكمبردور« والاندماج بالنظام الرأسمالي ضمن شروط التبعية, في ظل التوسع الرأسمالي الذي شهده العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, وعلى الصعيد العربي على الرغم من اهمية الثروات العربية التي تشكل اهم مصادر الطاقة في العالم وشريان الصناعة الغربية الا ان الدول العربية لم تستطع وضع الوطن العربي على مساق الدول التي تفرض احترامها على العالم, كما لم تستطع بناء اسس الدولة الحديثة على الرغم ان سكان الوطن العربي يتجاوز الثلاثمائة مليون نسمة والناتج المحلي الاجمالي بلغ 870 بليون دولار عام 2004 فما زالت الامية متفشية في الوطن العربي اذ بلغت معدلاتها بنحو 39% من اجمالي السكان, وذلك حسب التقرير الاقتصادي لجامعة الدول العربية, مما يعكس حالة التخلف التي تعاني منها معظم الدول العربية بما فيها الدول النفطية , وتقدر القوى العاملة العربية بحوالي 115 مليون عامل في عام ,2003 وما تزال الدول العربية كمجموعة تسجل ادنى معدلات لمشاركة المرأة في سوق العمل بين الاقاليم الرئيسية في العالم, حسب نفس المصدر اما الايرادات العامة لمجموع الدول العربية بلغت 274.8 بليون دولار عام 2004 شكلت الايرادات النفطية 65% منها حسب نفس المصدر, مما يعكس ضعف الاقتصاد العربي وهشاشته اذا ما استثنينا الايرادات النفطية خاصة اذا ما علمنا ان الصادرات الزراعية تشكل 27.4% من الواردات الزراعية, وان نصيب الزراعة من الناتج المحلي الاجمالي كالحبوب والبقوليات يتم استيرادها من الخارج على الرغم من المناطق الزراعية الشائعة وسلة الغذاء العربي في حالة غيبوية, والامن الغذائي المعدوم, كما هو الحال في الامن القومي, وما زال ربع السكان محرومين من شرب المياه المأمونة.كما تراجعت مكانة الدول العربية في التجارة الخارجية بشكل ملموس في الفترة ما بين 1980 و 1998 ففي الوقت الذي ارتفعت النجارة الخارجية العالمية والصادرات والواردات السلعية من 3802 مليار الى 10635 مليار اي بزيادة قدرها 180% نلاحظ ان التجارة الخارجية العربية قد انخفضت خلال نفس الفترة من 347 مليار دولار الى 290 مليار دولار وبذلك تراجعت حصة التجارة العربية من 9.1% الى 2.7% من التجارة العالمية, كما سجلت الموازين التجارية العربية عجزا مقداره ستة مليارات دولار عام 1998 في حين سجلت فائضا مقداره 123 مليار دولار عام ,1980 وذلك حسب معطيات التقرير الاقتصادي الصادر عن الجامعة العربية في ايلول ,2000 والسبب في ذلك يعود للاعباء الثقيلة التي تحملتها الدول العربية النفطية في حرب الخليج, والكلف الباهظة للتسليح, كما لوحظ تطورا ملموسا في العلاقات التجارية بين الدول النفطية والدول الاوروبية والامريكية والاسيوية, في حين شهدت التجارة العربية البينية ترديا ملحوظا, ان حجم التجارة العربية البينية في عام 1999 قدرت بحوالي 8.6% فقط من التجارة الخارجية الكلية وتشير المعلومات ان ربع تجارة الاردن الخارجية تعتمد على التجارة العربية على الرغم من التراجع الملحوظ في الفترة 1989-1999 في حصة الاردن البينية مقارنة بالتجارة العربية البينية من 10.9% الى 5.2% وذلك لاعتبارات سياسية ناجمة عن تأزم العلاقات العربية ابان حرب الخليج وقد استمرت معدلات التجارة العربية البينية ضمن مستوياتها بحدود 8.9% خلال العشر سنوات الماضية حسب نشرة المعهد العربي للتخطيط الصادرة في نيسان 2005 في الكويت, واستنادا لنفس المصدر ان الصادرات النفطية تشكل حوالي 50% من الصادرات العربية والمواد الكيماوية 17% بينما الالات ومعدات النقل تشكل 5% والاغذية والمصنوعات المختلفة 28%.هذه بعض المظاهر المأساوية للواقع العربي وهذا هو حال الامة العربية بفضل غياب الديمقراطية, وتحكم قلة قليلة بمقدرات وثروات الوطن العربي التي هي ملك للامة وللاجيال القادمة. فالامانة الوطنية والقومية تقتضي استثمار هذه الثروات بمشاريع استراتيجية لبناء تكتل اقتصادي عربي يشكل محورا اساسيا لاتحاد عربي يرى النور على غرار التكتلات العالمية فلم تتحقق طموحاتنا ضمن رؤية قطرية محدودة في ظل عالم تسوده التكتلات الاقتصادية الضخمة, وفي ظل التحدي الصهيوني التوسعي وهنا تبرز من جديد اهمية موضوع المشروع العربي الحضاري التنويري لتحقيق برنامج اصلاح بنيوي لكافة الهياكل والنظم في المجتمع العربي وفي مقدمتها مشروع ثقافي يسهم في انتشال الوطن العربي من حالة التخلف والتبعية, يخرج من صميم الامة ويسهم في ربط الواقع بالحداثة, ويحمل برنامجا ديمقراطيا يؤمن الحرية والكرامة الشخصية للمواطن اولا, لا شك ان مشروعا كهذا امامه عوائق وصعوبات كبيرة ليس فقط من قبل اعداء الامة, بل من داخل الامة نفسها فالثروة الهائلة المكدسة بأيدي حفنة من الاغنياء وكذلك بين بعض الدول ووجود الفقر والمعاناة للطبقات المعدومة في الوطن العربي بالاضافة الى العديد من الملفات العالقة بين الاقطار العربية والتي تشكل حالات توتر تصل احيانا الى حد القطيعة, لذلك لا بد من التفكير بخطوات تدريجية تنطلق من القواسم المشتركة لانشاء بنى اقتصادية يمكن ان تتطور الى بناء تكتل اقتصادي قابل للحياة والتلاقي مع المشروع النهضوي الحضاري.لكل هذه الاعتبارات تقتضي اهمية طرح مشروع وطني ديمقراطي تقدمي من قبل الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من هذا النهج وهي تمثل الاغلبية الساحقة, يحمل مهام وطنية لم تنجزها البرجوازية في بلادنا ليس في الجوانب الاقتصادية فحسب. وكذلك في الجوانب السياسية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وتحقيق الديمقراطية وتداول السلطة.وفي افق اجتماعي يحقق العدالة الاجتماعية وما يميز المرحلة الجديدة ان قضية التغيير الاقتصادي والاجتماعي والتصدي للاستغلال والاستلاب والتمييز اخذت مسارا جديدا بخطوات تدريجية عبر آلية ديمقراطية ضمن المعطيات الجديدة, بعد فشل الثورة في الوصول الى هذه الاهداف, وما يجري في امريكا اللاتينية مثال ساطع على ذلك.تتصدر مهام العمل العربي في هذه المرحلة النضال من اجل الديمقراطية لتمكين الشعوب العربية من ممارسة دورها في مختلف الميادين القومية والاقتصادية والاجتماعية, وتبقى القضية المركزية الى جانب القضايا الاقتصادية والاجتماعية, حسم الصراع العربي الاسرائيلي باتجاه احقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني بالانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة عام 67 واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وضمان حق العودة وتدمير جدار الفصل العنصري وتفكيك المستوطنات الاسرائيلية من الاراضي العربية المحتلة, وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي السورية واللبنانية, وكذلك انهاء الاحتلال الانكلو امريكي للعراق والحفاظ على وحدته.لقد كشفت الاحداث الاخيرة اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان عن ضعف وعجز الموقف العربي فالشعوب العربية مغيبة عن الاحداث وانحصرت ردود افعالها بالشجب والاستنكار دون توفير آليات عمل للمساهمة في التصدي للغزاة لانها مكبلة من انظمة بوليسية ومحرومة من ممارسة الديمقراطية بسبب هيمنة حكومات عربية غير منتخبة لا تعبر عن ارادة شعوبها.وهذا سبب عجز النظام العربي عن القيام بأي دور محوري في مواجهة العدوان رغم الامكانيات الضخمة التي يتمتع بها الوطن العربي والاوراق الهامة التي يمكن استخدامها في حال توفر الارادة السياسية.من هنا يتضح تأكيدنا على ان النضال من اجل الديمقراطية هو محور العمل العربي في هذه المرحلة الى جانب اهمية التعرف على خصائص مجتمعنا المحلي والعربي برؤية علمية بعيدا عن النصوص والاستخلاصات التي اسقطت بلا وعي وادراك, ان ادراكنا للواقع بوعي هو وحده الذي يحدد مهامنا وتصوراتنا لافاق تطور بلادنا. اننا نسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لا نستطيع سلفا تحديد شكل وطبيعة النظام الذي نسعى للوصول اليه مستقبلا, لكننا نستطيع القول اننا نسعى لنظام يخلو من الاستغلال والاستلاب والتمييز.

رغم التحديات الكبيرة التي واجهت البلدان العربية الا ان بعضها حقق نجاحات ملموسة في مرحلة النهوض الوطني, سواء كان ذلك في مجال الاستقلال السياسي او التطور الاقتصادي والاجتماعي, فلا يمكن اغفال المشاريع الاستراتيجة التي نفذت بمبادرة الدولة على غرار ما جرى في مصر من بناء السد العالي واقامة مصانع حلوان وغيرها من المشاريع المختلفة, رغم الصعوبات التي اعترضتها, وعلى اهمية هذه النجاحات الا انها غير كافية لبناء دولة عصرية, ففشلت في تحقيق الديمقراطية ومواجهة التحديات الكبرى في بناء القاعدة المادية الاقتصادية المبنية على انتاج وسائل الانتاج ووسائل النقل, وامتلاك تكنولوجيا المعلومات واستثمارها في مختلف الفروع الانتاجية واستغلال الثروات الضخمة, وتطوير القطاع الزراعي وادخال التكنولوجيا لهذا القطاع, وانتاج كافة السلع الاستهلاكية وتوفير الاحتياجات الضرورية للمجتمع, وهذا لا يعني بحال من الاحوال الانغلاق على العالم, لكن الانفتاح يحتاج الى اقتصاد قوي ومتين قادر على النمو المضطرد, لكي يستطيع الصمود والتفاعل في ظل التكتلات الاقتصادية التي تتحكم في العالم, وكان لبعض الاجراءات الاقتصادية غير الناضجة والطفولية احيانا والتي جرى اسقاطها من دون اي اعتبار لخصائص المجتمعات المحلية في البلدان التي عرفت بما يسمى »بالتطور اللارأسمالي«, وغياب الديمقراطية وهيمنة الاجهزة البيروقراطية اكبر الاثر في قتل المبادرات واجهاض المشروع التنموي, وهروب رأس المال الوطني.اما القضية المركزية التي عجزت انظمة التحرر الوطنية في البلدان العربية من تحقيقها رغم انها كانت المبرر الاساسي لصعودها الى سدة الحكم, التصدي للمشروع الصهيوني التوسعي, وتحقيق المشروع الحضاري القومي, فعلى الرغم من تبني القيادات السياسية لهذا المشروع الحضاري الا انها عجزت عن تحقيق خطوات ملموسة بهذا الاتجاه, لعدم اشراك الجماهير الشعبية, وبقي المشروع وسيلة اعلامية لدى انظمة الحكم, وفي وجدان الجماهير العربية, ولم يترجم الى ارض الواقع, مما اضعف دور هذه البلدان في مواجهة المشروع الصهيوني, ليس هذا فسحب بل نجحت اسرائيل بتحالفها مع الامبريالية الامريكية من توجيه ضربات لهذه الانظمة ادت في نهاية المطاف الى انهيار معظمها, وقد شكلت هذه التراجعات مقدمة للبدء بالحلول المنفردة مع اسرائيل, كما شكلت اتفاقية كامب ديفيد ضربة قاتلة للعمل العربي المشترك, وجاءت بعد ذلك اتفاقيات اوسلو ووادي عربة لتجهز على الجبهة المعادية للاحتلال الاسرائيلي وفتحت الباب على مصراعيه لانهاء المقاطعة مع اسرائيل واتخذت هذه الاتفاقيات مبررا لدى بعض الدول العربية والدول الصديقة للتطبيع واقامة العلاقات السياسية مع اسرائيل, وطرحت المشاريع الشرق اوسطية التي تهدف الى دمج اسرائيل في المنطقة واعطائها دورا محوريا سياسيا واقتصاديا, وتمكين الولايات المتحدة الامريكية من وضع يدها على الثروات العربية كاملة والسيطرة على منابع النفط, وتذويب معالم الحضارة والثقافة العربية بهدف حرمان الشعوب العربية من اقامة مشروع حضاري تقدمي, وكثر الحديث عن هذه المشاريع في الآونة الاخيرة, وكان اخرها ما طرحته كوندوليزا عن الشرق الاوسط الجديد, بهدف تقطيع اوصال الوطن العربي والقضاء المبرم على اي نهوض عربي وحدوي, وتمكين اسرائيل وامريكا من الهيمنة سياسيا واقتصاديا وعسكريا على المنطقة.اذا كانت السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الدول التي اصطلح على تسميتها »التطور اللارأسمالي« لم تستطع انجاز مشروع تنموي يشكل قاعدة مادية لدولة عصرية, فإن الخضوع لنهج الليبرالية الجديدة واملاءات الصندوق والبنك الدوليين لم يحققا نموا اقتصاديا فقط بل سببا كوارث اقتصادية واجتماعية لهذه البلدان وشعوبها, فقد دخلت معظم البلدان النامية في ثمانينات القرن الماضي في ازمة اقتصادية حادة ادت الى تراجع النمو الاقتصادي, وزيادة نسبة البطالة, وبرزت ازمة المديونية بشكل صارخ في مختلف دول العالم الثالث كانت في مقدمتها البرازيل والمسكيك, اما في الوطن العربي فقد احتلت مصر الدولة الخامسة في العالم من حيث المديونية, وشكلت هذه الازمة انتكاسة للطموحات والآمال المعقودة من قبل مروجي سياسة الانفتاح الاقتصادي لتحقيق انتعاش وتنمية اقتصادية, ونجح الرأسمال العالمي من خلال الصندوق والبنك الدوليين, باستغلال الظروف الاقتصادية البائسة للبلدان النامية, لفرض املاءاته عليها, واخضاعها لبرامج التثبيت والتكيف الهيكلي, ما يسمى ببرنامج الاصلاح الاقتصادي, وانتقل مركز القرار الى الصندوق والبنك الدوليين ومانحي القروض والمساعدات, وبدأت اعادة جدولة الديون, وفرضت سياسة تقشفية, وتم الغاء كافة اشكال الدعم على المواد الاساسية والخدمات الضرورية, وتحرير التجارة وازالة كافة الحواجز الجمركية لتسهيل انسياب السلع, والغاء الدعم عن كافة المنتجات الصناعية والزراعية, وتحرير الاسعار, وفرض الضرائب غير المباشرة, واتباع سياسة الخصخصة, بتخلي الدولة عن كافة مؤسساتها او مساهماتها في مختلف القطاعات لصالح القطاع الخاص واعطائه الدور القيادي في ادارة الاقتصاد والدولة, هذه السياسات جرّت الويلات على البلدان النامية وافقرت شعوبها, وكانت المقدمة الاساسية لهيمنة الرأسمال العالمي على اقتصاد هذه البلدان ومن ثم فرض الميمنة السياسية الشاملة عليها.وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الامم المتحدة لتحقيق التنمية البشرية والتصدي للفقر وسوء التغذية ووضع برنامج تنموي في مجال الصحة والتعليم الا ان هذه البرامج لا تلقى الاهتمام الكافي من قبل الدول الكبرى, وتبقى هذه المشاريع حبرا على ورق, فقد جددت حكومات العالم تعهدها مع بداية الالفية الجديدة باعلانها الصادر عن الامم المتحدة عام 2000 نتطلع لتحقيق نمط جديد من الاندماج العالمي المبني على الانصاف والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان, وتخفيض نسب الفقر المدقع عام .2015وفي هذا الصدد يشير تقرير التنمية البشرية للعام ,2005 الى الجدل الذي اثارته العولمة والذي اتسم بالحدة في بعض الاحيان حول اتجاهات توزيع الدخل في العالم, وعلاقتها بالفقر وما اذا كان الاندماج في الاسواق العالمية يؤدي الى تقارب او تباعد في الدخل بين البلدان الغنية والفقيرة, فمعظم البلدان الافقر في العالم فشلت في تخفيض الفقر على حد تعبير التقرير, بل انها تخلفت اكثر فأكثر عن البلدان الغنية, فيشير التقرير (لو توقف نمو بلدان الدخل المرتفع اليوم واستمرت بلدنا افريقيا جنوب الصحراء وامريكا اللاتينية على مسارات نموها الحالية, فتحتاج امريكا اللاتينية حتى عام 2177 وافريقيا حتى عام 2236 لتلتحق ببلدان الدخل المرتفع, والدلالة على ذلك عمق الفجوة في الدخل فإن اغنى (500) انسان في العالم يزيد دخلهم على 416 مليون نسمة في العالم. ان تكلفة انهاء الفقر المدقع لانتشال مليار نسمة الى ما فوق خط فقر الدولار الواحد في اليوم هي 300 مليار دولار ما يعادل 1.6% من دخل اغنى 10% من بين سكان العالم, اي لو فرضت ضريبة مقدارها 1.6% من دخل اغنى 10% من سكان العالم واستثمرت في معالجة قضايا الفقر لتم حل مشكلة الفقر المدقع لحوالي مليار انسان في العالم, لكن ما يجري عكس ذلك تماما, فبدلا من توفير المال والتضامن والتكافل الاجتماعي لمواجهة الفقر المدقع, تفرض الطبقة الاغنى في العالم (10%) نهجها وسياستها على اقتصاديات البلدان الفقيرة لكي تزيد افقارها, وذلك من خلال نفوذها وهيمنتها على المؤسسات الدولية من الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية, وما رافق هذه السياسات الاقتصادية من زيادة بؤر التوتر والنزاعات الاقليمية التي ادت الى زيادة النفقات العسكرية فقد اوضحت منظمة (اوكسفام) البريطانية ان النفقات العسكرية في العالم للعام الحالي 2006 ستتخطى حدها الاقصى الذي سجل ايام الحرب الباردة وتتوقع التقديرات ان تزيد النفقات العسكرية لهذا العام 1059 مليار دولار ويفوق هذا المبلغ 15 ضعفا حجم المساعدات الدولية, وادى هذا الارتفاع في الموازنات العسكرية الى ازدهار صناعات الاسلحة فزادت مبيعات الشركات الرئيسية في هذا المجال بنسبة 60% خلال اربع سنوات وكانت الولايات المتحدة ودول الشرق الاوسط هي المسؤولة بشكل رئيسي عن هذه الزيادة في النفقات العسكرية وحسب منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) ان الحرب هي السبب الاول لموجات المجاعة في العالم.اما التوجهات الانسانية والاجتماعية للامم المتحدة فقد ذهبت ادراج الرياح وبقيت حبرا على ورق, ويتوقع تقرير التنمية البشرية استنادا الى المعطيات واستقراءات افاق المستقبل فشل اهداف الالفية في تحقيق تقدم في وفيات الطفولة والالتحاق في المدارس والانصاف الجنسوي في التعليم والحصول على الماء الصالح للشرب وتوفير الصرف الصحي.ان 65 بلدا يبلغ مجموع سكانها 1.2 مليار نسمة ستفشل في تحقيق هدف واحد على الاقل من اهداف التنمية البشرية حتى ما بعد عام .2040 وتشير التقديرات الى ان نحو 800 مليون شخص سيعيشون بأقل من دولار واحد وان 1700 مليون شخص اخرون سيعيشون باقل من دولارين في اليوم في عام .2015 وان 670 مليون انسان يعانون سوء التغذية في العالم عام .2015 والاستثمارات اللازمة لتزويد 2600 مليون انسان مياه نظيفة 7 مليارات دولار سنويا خلال العقد المقبل وهي اقل مما ينفقه الاوروبيون على العطور. علما ان هذا الاستثمار من شأنه انقاذ حياة 4 الاف انسان يوميا.