تناقلت وكالات الانباء العالمية قرار الحكومة الاميركية بارسال جنود اميركيين الى الاردن استعدادا لدور حاسم في الصراع الدائر في سورية، والدخول في مغامرة تعرض الاردن والمنطقة باكملها لافدح المخاطر، وتشير المعلومات الصحفية ان قوات امريكية خاصة مرابطة في قواعد عسكرية في “اسرائيل” والاردن تستعد للتدخل الفوري في عمق الاراضي السورية، بذريعة السيطرة على مخازن الاسلحة الكيماوية،. فالتاريخ يعيد نفسه والذرائع التي استخدمت لاحتلال العراق الشقيق يجري تكرارها. ينطوي على القرار الاميركي عدوان اجنبي وتدخل سافر في شؤون دولة عربية شقيقة، وزج الاردن في اتون حرب مدمرة قد تهدد امنه القومي وكيانه السياسي، وتوسع دائرة الصراع لتشمل الاردن ولبنان وقد تمتد الى ابعد من ذلك لتصبح حربا عالمية في الشرق الاوسط. فالازمة السورية تحتاج لمن يسهم باطفاء نيرانها بدلا من سكب الزيت على النيران. يأتي الاستعداد للتدخل الاميركي في سورية بعد حرب داخلية استمرت حوالي عامين دمرت البنية التحتية للدولة السورية وقتلت عشرات الالاف وشردت ملايين السوريين. وسواء كان بقصد او بغير قصد فان جزءا هاما من اهداف الكيان الصهيوني قد تحقق، بتدمير الدولة السورية وتمزيق قدراتها العسكرية، لانهاء دورها في الصراع العربي- الاسرائيلي، فاذا كانت مصر والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية خرجوا من المواجهة مع العدو الصهيوني بعد الاتفاقيات التي وقعت في “كامب ديفد واوسلو ووادي عربة” فـان اخراج سورية من المواجهة يأتي بعد تفتيت الدولة بمعركة داخلية لم تكلف العدو الصهيوني جنديا واحدا.
ما يجري الان في سورية من تدمير البنية التحتية وتفكيك الدولة واستنزاف قدراتها وطاقاتها والتضحية بأعز ما تملك من ابنائها يشكل خطوة رئيسية باتجاه تمرير المشروع الصهيوني الامبريالي، باحداث تغيرات دراماتيكية في المنطقة، عنوانها الاساسي، سايكس بيكو جديد يتضمن تصفية القضية الفلسطينية، والغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى بلادهم، ودخول المنطقة في صراعات داخلية وحروب اهلية، فالهدف المعلن للمشروع الصهيوني تصفية القضية تحت مسميات مختلفة منها “كونفدرالية فلسطينية اردنية” حيث كثر الحديث عن ترتيبات رسمية بين الاردن والسلطة للاعلان عن الكونفدرالية بعد ازالة المعيقات، وقد تعهد الاردن باحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني على الرغم من مواصلة الاستيطان في الاراضي الفلسطينية وفرض سياسة الامر الواقع، علما انه لم يبقَ من الاراضي الفلسطينية ما يستدعي التفاوض عليه، وفي ذات السياق تجددت الدعوات الصهيونية حول اقامة ما يسمى بالوطن البديل التي كان اخرها التصريحات الوقحة لعضو الكنيست الصهيوني “الداد” “بأن الاردن وطن الفلسطينيين”. الذي يعكس الاطماع الصهيونية، واشعال نار الفتنة، ونقل الصراع من صراع عربي – صهيوني الى صراع عربي – عربي.
لذلك ينبغي تحصين الموقف الشعبي في وجه المشاريع الصهيونية وسد كافة الثغرات التي يتسلل من خلالها الاحتلال الصهيوني لبث سمومه وتحقيق اهدافه العدوانية.
وبدلا من مواجهة التحديات الخطيرة، يقف النظام العربي باتجاه تمزيق الجبهات الداخلية بعدم الاستجابة للمطالب الشعبية، بتحقيق الحرية والديمقراطية واجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس ارادة الشعب. اضافة الى العلاقات العربية – العربية التي تشهد تشتت المواقف العربية في ظل اخطر مرحلة في التاريخ الحديث، فعلى سبيل المثال مقابل التناغم السياسي بين الاردن والسلطة الفلسطينية، هناك تناغم سياسي بين حركة حماس وقطر ترك اثارا سلبية حتى على العلاقات الداخلية في حركة حماس، انعكس بنتائج انتخابات حماس الاخيرة حيث انتصر الاتجاه المعني بتعزيز هذا التناغم. ورافق هذا التناغم علاقات مميزة تربط حركة حماس بالقيادة المصرية تعززها خلفية فكرية واحدة.
استنادا لذلك فالعلاقات الفلسطينية – الفلسطينية مرشحة للاستمرار ضمن خطين متوازيين وان اقتربا بنهجهما السياسي الا ان المشروع الصهيوني سيبقيهما متباعدين جغرافيا خاصة وانهما ارتبطا سياسيا بالموقف العربي الرسمي واصبحا جزءا منه، يترتب عليهما ما يترتب على النظام العربي من الانخراط بالمشروع القادم بدلا من مقاومته . اما الخاسر الاكبر فهو الشعوب العربية وحركة التحرر العربي عموما والشعب الفلسطيني وحركته التحررية على وجه الخصوص، كونه المستهدف الاول خلال المرحلة المقبلة، وعنوانها التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، واعادة ربط قطاع غزة بمصر وفق شروط سياسية وامنية محددة، وكونفدرالية اردنية مع مساحات من الاراضي الفلسطينية يطلق عليها اسم فلسطين، لا تتمتع بوحدة جغرافية لوجود الشريان الاستيطاني الذي مزق وابتلع اراض واسعة من القدس والضفة الغربية، في ظل هيمنة صهيونية سياسيا واقتصاديا وامنيا.

احتفل الشعب الفنزويلي ومعه القوى التقدمية والمحبة للسلام بنتائج انتخابات الرئاسة، التي جاءت لتؤكد من جديد تمسك الفنزوليين بالخيار الاشتراكي، بتصويتهم لمرشح الحزب الاشتراكي الموحد، فقد أعلنت هيئة الانتخابات الفنزويلية عن فوز نيكولاس مادورو في انتخابات الرئاسة التي جرت الأحد الماضي، وفشلت مراهنات الاحتكارات الراسمالية واليمين الفنزويلي على شخصنة التجربة والتبشير بانتهائها بعد غياب القائد الفنزويلي هوجو شافيز الذي كان يتمتع بشعبية واسعة، وحقق منجزات ملموسة للشعب الفنزويلي عامة وللعمال والفقراء خاصة، وانتخب لعدة دورات رئاسية، تأييدا لبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي، والحرص الشديد على تحرير الثروات الوطنية من شركات النفط المتعددة الجنسيات واستثمارها لصالح الشعب الفنزويلي. وموقف فنزويلا الثابت بدعم حركات التحرر العالمي، وتضامنها مع كوبا ، والتعاون المشترك مع دول اليسار الاجتماعي في أمريكا اللاتينية، والدعم المطلق للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الصهيوني.
ويعتبر الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو منحازا للفقراء والعمال وهو ابن الطبقة العاملة ويعتز بانتمائه الطبقي ويؤكد أنه ماض في تنفيذ برنامج الحزب الاشتراكي الموحد ومواصلة النهج الذي اختارته فنزويلا في عهد الزعيم الراحل هوجو تشافيز. وهو من رفاق شافيز وأحد المناضلين البارزين في الحركة البيفارية، واحتل موقعا قياديا في الحكومة ونائبا للرئيس ورئيسا بالوكالة، قبل أن ينتخب رئيسا لفنزيلا الأحد الماضي.
مقابل خيارات فنزويلا في القارة الأمريكية وهي من بلدان “العالم الثالث” وتمسكها بخيار التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية، في مواجهة الفقر والبطالة والفساد والاستبداد، هناك نموذج مغاير في القارة الأوروبية التي تتمتع بنظام ديمقراطي عريق، وملتزمة بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، نموذج “الليبرالية المتوحشة”، الذي يواصل تحميل الشعب أعباء الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها المراكز الرأسمالية، بممارسة سياسة التقشف التي عمقت الأزمة المالية والاقتصادية، فالدولة البرتغالية على سبيل المثال التي تتمتع بدستور يحرم على الحكومة إصدار قوانين مجحفة بحق المواطنين، تصدر الحكومة البرتغالية اليمينية قانون الموازنة العامة للدولة الذي يحمّل الشعب أعباء إضافية، بإلغاء راتب شهر من كل عام، وتجميد مكافآت العطلات لموظفي الدولة ومستحقي المعاشات، وزيادة الضرائب على المواطنين، مما يزيد من آلام وبؤس الشعب البرتغالي.
وبضغط من المعارضة الاشتراكية التي رفضت رفع الضرائب وتخفيض الرواتب، وهددت بعرض الموضوع على المحكمة الدستورية إن لم يقم الرئيس بهذه الخطوة. أقدم الرئيس البرتغالي على طرح القضية أمام المحكمة الدستورية، التي أصدرت قرارها قبل أيام ببطلان الاجراءات التقشفية التي أقرتها الحكومة اليمينية وبعدم مشروعية تقليص رواتب القطاع العام ورواتب المتقاعدين، والتي تحرم العمال والمستخدمين والمتقاعدين جزءا هاما من مداخيلهم، وقد شكّل قرار المحكمة الدستورية صدمة عنيفة للحكومة، مع ذلك تتجه الحكومة اليمينية نحو الالتفاف على قرار المحكمة.
وقد رفض رئيس الوزراء البرتغالي قرار المحكمة إلغاء اجراءات التقشف، باعتبار هذه الاجراءات جزءا من شروط الجهات المانحة “منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي” للحصول على حزمة إنقاذ جديدة. فقد اعترف رئيس الوزراء البرتغالي أن حكم المحكمة الدستورية برفض بعض بنود الميزانية الجديدة لا يتيح أي خيار أمام حكومته سوى إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق. وأوضح كويلهو أن التخفضيات الجديدة ستتركز في قطاعات الصحة والضمان الاجتماعي والتعليم والمشاريع التي تديرها الدولة.
والغريب أن الرئيس البرتغالي الذي يعترف بأن بلاده تعاني من “دائرة مفرغة من التقشف والركود الاقتصادي”، ويؤكد أن البرتغال ترزح تحت عبء ديون بلغت ضعف الناتج القومي السنوي، وأن هذا لا يمكن أن يستمر..! إن تشخيص جوهر الأزمة ومظاهرها خطوة هامة نحو مواجهتها، ومع ذلك لم تطرح حكومة البرازيل أي حلول… ليس لعدم رغبتها في معالجة الأزمة، بل لعدم امتلاك النموذج الاقتصادي البرتغالي برنامجا يشكل مخرجا للأزمة، لذلك لم تجد الحكومة أمامها سوى تخفيض الرواتب وزيادة الضرائب على الفقراء، وتقليص النفقات الصحية والاجتماعية، بدلا من البحث عن خيارات تسهم في الخروج من الأزمة. إن السياسات الاقتصادية التي تطبقها البرتغال وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي التي تعيش الأزمة، هي المسؤولة عن نشوء الأزمة المالية والاقتصادية، فإن تمركز الثروة بأيدي حفنة من الأثرياء، وغياب التوزيع العادل للثروة، سبب رئيسي لغياب الحلول واستمرار سياسة التقشف التي تعمق الركود الاقتصادي.

يقول المنصف المرزوقي إن بلاده بحاجة لنموذج اقتصادي جديد لانتشال خُمس السكان الذين يعيشون في الفقر، جاء ذلك في مستهل كلمته التي القاها في المنتدى الاجتماعي العالمي، معتبرا الهدف إخراج مليوني تونسي من دائرة الفقر في غضون السنوات الخمس المقبلة. مؤكدا أن اقتصاد السوق أو الليبرالية الجديدة لن تخرج التونسيين من الفقر. وقبل الدخول في جوهر البحث من المفيد الاشارة الى أهمية المنتدى الاجتماعي ودوره عالميا، الذي عقد لاول مرة في 25 يناير 2001 في بورتو أليغري احد اهم المراكز الثقافية والسياسية والاقتصادية في البرازيل. ويضم المنتدى الهيئات والحركات الشعبية المناوئة للعولمة الرأسمالية.
وبالعودة الى النموذج الاقتصادي، أعتقد أنها خطوة ايجابية لرئيس دولة عربية التفكير بالفقراء من حيث المبدأ، لكن ذلك يترتب عليه اجراءات، فالشعب التونسي الذي أنجب بوعزيزي وفجّر ثورة الياسمين ضد الفساد والاستبداد والقهر والطغيان، وضد الارتهان لاملاءات صندوق النقد الدولي، ينتظر من الثورة التونسية الكثير أقلها معالجة مشاكل الفقر والبطالة، أما قول الرئيس أن الليبرالية والليبرالية الجديدة لن تحل مشكلة الفقراء، ليس اكتشافا جديدا.. لكن تبني هذه المبادىء التي تعالج قضايا الفقر قد يكون جديدا في وطننا العربي. المهم توفر الارادة السياسية والانحياز لصالح الفقراء والكاحين. فقد عانت شعوب الأرض المقهورة وفي عدادها الشعب التونسي، من الليبرالية الجديدة ومن العولمة الراسمالية القائمة على تحرير التجارة وحركة رأس المال المطلقة، وارهاق الفئات الشعبية بالضرائب غير المباشرة، واستيلاء الاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسيات على مؤسسات الدولة الوطنية باسم التخاصية، بعد إغراقها بالمديونية، وتوسيع السوق الرأسمالي والسعي المحموم للاحتكارات الرأسمالية والبرجوازية الطفيلية لنهب خيرات الشعوب وتحقيق الارباح الخيالية، دون أي اعتبار لمصالح الطبقة العاملة والمجتمع كافة، فالهدف الأسمى للشعب التونسي والشعوب العربية البحث عن نموذج اقتصادي جديد لمعالجة مشكلة الفقر.. إذا ما هو النموذج الاقتصادي الجديد؟ النموذج الاقتصادي الاجتماعي الذي تسعى القوى الديمقراطية التقدمية لتحقيقه في البلدان النامية هو الذي يؤمن نموا اقتصاديا ضمن مستويات مرتفعة لا تقل عن 6% من الناتج المحلي الاجمالي، ويضمن توزيعا عادلا للثروة بما يحقق العدالة بين الشرائح الاجتماعية، يتأتى ذلك بتدخل الدولة الديمقراطية الشعبية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وسعيها الدؤوب لتحفيز الاقتصاد، والتدخل في الوقت المناسب لتصويب الاختلالات الهيكلية، وتحقيق التوازن بين الربح والتنمية الاجتماعية.
يقول المفكر والباحث الاقتصادي التقدمي د. عصام الزعيم ” يمكن اعتبار اقتصاد السوق الاجتماعي اقتصادا مختلطا يجمع الدولة والقطاع الخاص، وهجينا يجمع السوق والمجتمع، يأخذ مقومات له من نظام السوق وأخرى من نظام الرعاية والتنمية الاجتماعية” فالنموذج الاقتصادي الذي نريد في البلدان النامية… الذي يحقق التنمية الاقتصادية ويحرر الاقتصاد من التبعية الاجنبية، وصولا لحل التناقض التناحري بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج، وتأمين حالة من التوازن بين النمو الاقتصادي والتصدي للمشاكل الاساسية مثل البطالة والفقر وتوفير الرفاه الاجتماعي. لم يتحقق ذلك إلا من خلال مشاركة الدولة في ملكية وسائل الإنتاج، ببناء اقتصاد مختلط، والقيام بمسح اقتصادي شامل لثروات البلاد الاساسية للاستفادة منها على أكمل وجه، ليس بتصديرها خامات بل بإقامة صناعات إنتاجية، والارتقاء باقتصاد الدولة من اقتصاد ريعي الى اقتصاد إنتاجي وتوطين التكنولوجيا وصولا الى احدث المبتكرات العلمية واستغلال ثورة الاتصالات لبناء اقتصاد وطني متطور يضمن زيادة الانتاجية، بما يكفل وفر الانتاج، واسعارا للسلع تتناسب مع معدلات الدخل. ومع التقدير لخصائص كل دولة على حده، إلا أن الدول العربية كافة معنية بإعادة النظر في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية سواء كانت نفطية أو غير نفطية، غنية أو فقيرة، فالدول الغنية معنية بالاستفادة من فوائضها المالية واستغلالها بما يحقق انجازا اقتصاديا مميزا في ظل الصراع الاقتصادي بين المراكز الاقتصادية الاساسية في العالم وتنامي دور مجموعة بريكس، وغياب دور عربي، أما الدول الفقيرة فهي لا تقل حاجة عن الدول الغنية باستثمار امكانياتها المـــــتواضعة بما يخفــــف من آلام شعوبها ويــــحقق تنمية اقتـــــصادية اجتــماعية.
أما الدور الاجتماعي للدولة فهو يتمحور حول حق الجميع بالعمل، وتوفير الأجر المناسب الذي يضمن حياة كريمة، وتكافؤ الفرص، وتأمين الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم للمواطنين كافة، بإصدار حزمة من القوانين الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الأهداف النبيلة، الأمر الذي يسهم بتحسين الطلب الكلي أمام العرض الكلي، مما يجنب الاقتصاد ما يعرف بأزمة فيض الإنتاج، التي تمر بها البلدان الرأسمالية.
 

مع اتساع ظاهرة العنف الجامعي، انبرى عدد غير قليل من المهتمين في التصدي لهذه الظاهرة وابداء الرأي حول أسبابها وكيفية معالجتها، منهم من تفحصها بعين ثاقبة ورؤية شمولية، ومنهم من كانت رؤيته قاصرة، تعاملت معها بذهنية أمنية، وقد جاءت الأحداث المؤسفة لجامعة مؤتة التي ذهب ضحيتها شاب في مقتبل العمر، بعد سلسلة من الحوادث المشابهة لتدق ناقوس الخطر، والمؤسف أن ردود الفعل الأولية أخذت طابعا عرفيا، كالقول إن الجامعة ستشهد خطة أمنية محكمة ومتكاملة سيكون لدائرة الأمن الجامعي استراتيجية جديدة … وأن المشكلة تكمن في هذا السياج المحيط حول الجامعة المتآكل والذي يحتاج الى الصيانة… والخطة تشمل وضع كامرات مراقبة على البوابات وفي الساحات ونقاط تجمع الطلبة ..من دون التفكير بالأسباب الحقيقية، واختيار الوسائل الملائمة لمواجهتها.
وفي هذا السياق قال رئيس اللجنة التي وضعت استراتيجية الحد من العنف الجامعي، أستاذ علم الاجتماع الدكتور موسى شتيوي، إن عددا كبيرا من الجامعات لم يضع الاستراتيجية موضع التنفيذ. والتي تتضمن المحاور الرئيسية للاسترايجية الخاصة بالحد من العنف الجامعي، إلغاء جميع أشكال التمييز وتوفير العدالة والمساواة بين الطلبة، سواء على صعيد القبولات في الجامعات وعمليات تقويم الطلبة، وتطوير آلية واضحة لمنع تفشي ظاهرة الوساطة والمحسوبية، بما يخلق بيئة جامعية معرفية تنويرية، تركز على صقل شخصية الطالب، وتطوير عمل عمادات شؤون الطلبة وزيادة دعم الأنشطة الطلابية ومساعدة الطلبة وأنديتهم، وتعزيز الشفافية والنزاهة في انتخابات مجالس الطلبة.
ومع أهمية الاستخلاصات التي توصلت اليها اللجنة كدراسة مخصصة لشؤون الطلبة ومشاكلهم المباشرة ، فإن الالتزام بهذه المبادئ يسهم بشكل مباشر بالتخفيف من ظاهرة العنف، لكن اتساع هذه الظاهرة يملي علينا التفكير في البعد الاجتماعي خاصة وإن ظاهرة العنف ليست محصورة في الجامعات، فان تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية المواطنين عامة وذوي الدخل المحدود خاصة يفسر حالات الاضطراب والاحتقانات التي نلحظها ليس في الجامعات وحدها بل وفي المجتمع عامة، ومع اتساع دائرة الفقر التي أدت إلى زيادة جيوب الفقر من 22 جيبا عام 2006 إلى 36 جيبا عام 2010. وسجلت أعلى نسبة للفقر في محافظة المفرق، وتلتها معان والطفيلة. فالبلاد مرشحة الى مزيد من العنف والمظاهر السلبية، إن لم يجر التصدي للأسباب الحقيقية التي يعاني منها المجتمع، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية تتفاعل بشكل متسارع في ظل ارتفاع معدلات التضخم نتيجة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، ومعظم السلع الأساسية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تآكل الأجور الفعلية للعاملين بأجر في القطاعين الحكومي والخاص، حيث تشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة لعام 2011 أن حوالي 80 % من العاملين بأجر يتقاضون رواتب دون الـ 400 دينار. علما أن خط الفقر للأسرة المكونة من 6 افراد 400 دينار وفقا للدراسات الرسمية لعام 2010 مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع الأرقام القياسية للأسعار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة .
كما أن السياسات العامة التي اتبعت خلال العقدين الأخيرين اسهمت في تعميق الهويات الفرعية “الطائفية والاقليمية والجهوية”، وكان لقانون الانتخاب القائم على الصوت الواحد المجزوء الذي صدر عام 94 وما زال ساري المفعول أبلغ الأثر على تفتيت النسيج الاجتماعي وتعميق العصبيات القبلية في المجتمع الأردني، كما مارست الحكومات المتعاقبة سياسات عرفية لحرمان الطلبة من أبسط حقوقهم في التنظيم الطلابي، ولم تتورع في معاقبة نشطاء الطلبة وزجهم بالسجون لا لشيء فقط لنشاطهم الطلابي وتمتعهم بثقة زملائهم في الانتخابات الطلابية في الجامعات الأردنية، وما زال المجتمع الأردني يذكر بألم المجزرة التي ارتكبت في جامعة اليرموك عام 86 وذهب ضحيتها عدد من الطلبة. ومن المعروف أن ظاهرة العنف في الجامعات الأردنية لم تكن موجودة قبل ممارسة سياسة ” تطهير الجامعات” من النشاطات الطلابية والوطنية مثل احياء بعض المناسبات الوطنية. إن هذه السياسات أوصلت الجامعات الأردنية الى حالة من الخواء السياسي، وأدخلت هذا القطاع الحيوي في المجتمع الأردني في تناقضات وصراعات مدمرة.