بعد سلسلة الزيارات المكوكية للمنطقة أعلن جون كيري عن تفاؤله بقرب الوصول الى اتفاق بين السلطة الفلسطينية و “اسرائيل” وتحدثت وكالات الانباء عن استعدادات اميركية للتوقيع على “اتفاق اطار” خلال الشهرين القادمين بعد ما فشلت في الوصول الى تسوية نهائية. وهو اتفاق على الخطوط العامة دون الدخول بتفاصيل، يعيد انتاج اتفاق اوسلو من جديد، مع استمرار الاستيطان الصهيوني في القدس والضفة الغربية والاستيلاء على الاراضي الفلسطينية، وبعد ابتلاع نصف اراضي الضفة الغربية واقامة جدار الفصل العنصري. وتشير المعلومات ان أمريكا تمارس ضغوطا متزايدة على السلطة الفلسطينية لفرض اتفاق يبقي على قوات الاحتلال الاسرائيلي في غور الاردن لمدة عشرة اعوام ينظر بمصيرها لاحقا، اضافة الى وجود غير مرئي لقوات الاحتلال على المعابر الحدودية بين الضفة الغربيىة والاردن، ونشر محطات انذار مبكر على مرتفعات الضفة الغربية، وابتلاع القدس والغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة، واستبعاد فكرة الحل النهائي. في اية ظروف يجري الحديث عن اتفاق الاطار الذي تروج له الادارة الاميركية فلسطينيا وعربيا: اقل ما يمكن قوله ان أمريكا تستغل الظروف السياسية غير المواتية لفرض تسوية على الفلسطينيين لا تلبي الحدود الدنيا من مطالب الشعب الفلسطيني الواردة في البرنامج المرحلي. فلسطينيا: ما زال الشعب الفلسطيني يعاني من انقسام خطير، سياسسيا وجغرافيا، فقد فشلت المحاولات المتكررة لاجراء مصالحة بين الاتجاهين الرئيسيين فتح وحماس. واستطيع القول بأن الطرفين يتحملان مسؤولية عدم انهاء حالة الانقسام، ولكل طرف اجندة وحسابات خاصة تتقدم على القضية المركزية، فقد راهنت حماس على انتصار الاخوان المسلمين في مصر وعدد من الاقطار العربية، اضافة الى الدعم غير المحدود من قطر، دفعها لاتخاذ مواقف غير متوازنة من الازمة السورية، باصطفافها الى جانب القوى التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية والتي تستهدف تدمير الدولة السورية. وصل الامر الى حد اعتبار الجهاد في سوريا يحتل اولوية عن فلسطين كما ورد على لسان رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني. كل ذلك اضعف دور حركة حماس في مواجهة المشروع التصفوي للقضية الفلسطينية، وافقدها حلفاؤها. اما السلطة الفلسطينية التي كانت مهتمة في مرحلة معينة بالوصول الى اتفاق مع حماس للظهور امام أمريكا و”اسرائيل” بأنها تمتلك بدائل عن شروط الاذعان، خاصة في المرحلة التي شهدت المفاوضات مع الكيان الصهيوني حالة جمود، الا ان تردد الحمساويين في حينه من جهة، ومواصلة الضغوط الاميركية والعربية من جهة اخرى، دفعها نحو القبول بالعودة للمفاوضات والتنازل عن مطلبها الرئيسي بوقف الاستيطان قبل البدء بالمفاوضات. وهي لا تملك بدائل بحكم برنامجها القائم على التزاماتها السياسية والامنية مع الكيان الصهيوني، الذي افقدها قدرة المناورة امام الاحتلال الذي يتمتع بدعم غير محدود من أمريكا. كما لم يتمكن اليسار الفلسطيني الذي يمتلك موقفا سياسيا صائبا من تجاوز ازمته وتشكيل اتجاه ثالث قادر على الامساك بزمام المبادرة، وفرض واقع جديد على الشارع الفلسطيني. فقد فشل في تشكيل اطار جبهوي يضم القوى السياسية والاجتماعية التي تجمعها رؤية مشتركة حول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية، وقيادة الشعب الفلسطيني نحو فرض مصالحه فلسطينية، وحشد الطاقات عبر برنامج شعبي وطني مقاوم للاحتلال الصهيوني، بكافة الوسائل والسبل النضالية لكنس الاحتلال، وسحب البساط من تحت اقدام اليمين الفلسطيني باتجاهيه. عربيا: يعيش الوطن العربي ازمة عميقة، وبدلا من مساعدة الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الصهيوني، ومواجهة الضغوط الاميركية، يجري دفع السلطة الفلسطينية نحو الرضوخ للشروط الاميركية- الصهيونية، فالوطن العربي يعيش في دوامة الصراعات المذهبية والطائفية، و يمارس النظام العربي كافة اشكال التضليل لتبرير مواقفه، بهدف تحويل الصراع الرئيسي، الى صراعات داخلية تفتك بالاقطار العربية. وما يجري في سوريا والعراق ومصر والسودان واليمن الا دليل ساطع على تفتيت الكيانات العربية، ويعيش الوطن العربي ازمات مركبة، في مقدمتها ازمة الدولة، التي لم يشهد المواطن العربي دورا لها الا من خلال الاستبداد والفساد والارهاب والسجون، واستنزاف موارد البلاد ونهب الثروات، الدولة الريعية التي تفتقر للمشاريع التنموية، وتفرخ الفقر والبطالة، فاقدة الشرعية اليمقراطية والعدالة الاجتماعية، دولة الفوضى الخلاقة، عبر اشعال الحروب المذهبية والطائفية والاقليمية، دولة انفاق مليارات الدولارات على التسلح وشراء الطائرات واسلحة الدمار الشامل، والتي حصدت عشرات بل مئات الالاف من “الاعداء”.. ليس اعداء الامة او اعداء الحرية والديمقراطية.. بل اعداء النظم الفاسدة والمستبدة. في ظل هذه المناخات السياسية، والاختلالات في موازين القوى، تجري محاولات فرض تسوية على الشعب الفلسطيني، تستهدف التوقيع على صك الاستسلام، لتصفية القضية الفلسطينية واستبدال حق العودة بالتعويض، والحاق اجزاء من الضفة الغربية الى الاردن. هذه بعض ملامح المشروع الاميركي القادم. لكن الشعب الفلسطيني الذي يخوض نضالا بلا هواده منذ عشرات السنين من اجل كنس الاحتلال وتحقيق الاستقلال واقامة دولته على ارض وطنه، قادر على احباط المؤامرة، وافشال المشروع الاميركي- الصهيوني.

التزاما بما طرحته بمقالي السابق في مواصلة الحوار، حول كيفية النهوض بالاقتصادات العربية في المرحلة الانتقالية، وصولا لأفكار خلاقة تراعي الخصائص المحلية، في بناء اقتصاد وطني بدينامية عالية، وعدالة اجتماعية، مستفيدين من التبدلات العالمية الملموسة، والتي تتميز بتقهقر نهج الاحادية القطبية، وعمق واتساع الازمة المالية والاقتصادية للمراكز الرأسمالية. وفشل الاجراءت التي اتبعتها خلال السنوات الخمس الماضية بسبب التعامل مع نتائج الازمة وليس مع جوهرها -اسلوب الانتاج الرأسمالي- وتحميل الطبقة العاملة والطبقة الوسطى والمهشين في المراكز الراسمالية والبلدان النامية عبء الازمة. وعربيا سقوط النهج السياسي والاقتصادي للانظمة العربية المستبدة، وانهيارالسياسات الليبرالية التي فرضت على البلدان العربية، والارتهان لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، خلال العقدين الاخيرين لتمكين المراكز الرأسمالية من تخفيف آثار ازماتها، بتوسيع السوق الرأسمالي، والاستيلاء على خيرات الدول النامية والحفاظ على التقسيم الدولي للعمل (دول منتجة ومستوردة للخامات ودول مستهلكة) فسقوط هذه المعادلة، وقيام الدول الصاعدة بمنافسة المراكز الرأسمالية في اسواقها، مهد الطريق امام البلدان النامية لتحرير اقتصاداتها من التبعية للاحتكارات الرأسمالية.

كتب الاقتصاديان مصطفى النابلي -وهو محافظ سابق للبنك المركزي التونسي-، وإسحاق ديوان -أستاذ اقتصاد ومسؤول سابق في البنك الدولي-، مقالا مشتركا تحت عنوان كيف يمكن بناء رأسمالية “أخلاقية” بالعالم العربي. نشر المقال في مدونة البنك الدولي، وتناول، كيفية تمهيد الساحة لشكل من أشكال الرأسمالية يكون أكثر فعالية في بلوغ الأهداف الاجتماعية المتمثلة في إتاحة وظائف أكثر وبنوعية أحسن، فضلا عن تحسين الأحوال المعيشية والخدمات العامة، وأن يحظى هذا النموذج بالقبول الاجتماعي. مطالبين باطلاق حوار مجتمعي حول كيفية بناء رأسمالية “أخلاقية” وعادلة، في ظل بروز العدالة الاجتماعية كمطلب اجتماعي رئيسي.

شهدت العلاقات الإقليمية والدولية تطورات ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، فالتفاهمات الروسية الأمريكية حول عدد من القضايا مهدت الطريق امام الوصول الى ىسلسلة من الاتفاقيات قد تسهم بإحداث تغيرات جوهرية في الشرق الاوسط. والتي بدأت بالاتفاق الروسي- الأمريكي حول تدمير الاسلحة الكيميائية السورية، تبعها اتفاقيات اخرى اعلن عن بعضها، وكان ابرزها تراجع أمريكا عن مواجهة عسكرية مع سوريا، والإعداد لعقد مؤتمر جنيف 2 بمشاركة كافة الاطراف السورية “موالاة ومعارضة”. وقد اربك القرار الأمريكي المفاجىء المعارضة السورية، وحلفاء أمريكا في المنطقة وفي مقدتهم تركيا والسعودية وقطر والاردن.

شهد العالم خلال القرن الماضي صراعا حادا، سياسا واقتصاديا وايديولوجيا، بين المعسكرين “الرأسمالي والاشتراكي” وصل حد تكسير العظام، ذهب ضحيته الاتحاد السوفييتي الذي قاد المعسكر الاشتراكي، وشكل تحديا للنظام الرأسمالي خلال ستة عقود، قبل ان تنجح الدوائر الغربية بالمساهمة المباشرة في تدميره، وفق اعتراف مصادر مهمة من الطرفين، فقد كشفت الولايات المتحدة الاميركية عن وثيقة سرية اعدها مجلس الامن القومي في اواسط اربعينات القرن الماضي سميت “بمخطط ألن دالاس” تضمنت الوثيقة “سنعمل على فرض نظريتنا على موسكو لتطور العالم، ولسنا مرتبطين بجدول زمني لتحقيق هذا الغرض، سنوظف كل طاقاتنا لإحداث انقلاب داخلي في الاتحاد السوفيتي”. ويعترف نيكولاي ريجكوف اخر رئيس وزراء للاتحاد السوفييتي في حديث لتلفزيون روسيا اليوم، ان العوامل الخارجية اسهمت بنسبة 50% من اسباب انهيار الاتحاد السوفيتي. ويقول جورج شولتز وزير خارجية اميركا في عهد ريغان في مذكراته لقد جمع غورباتشوف اكواما من التنازلات امام اقدامنا، وقدمها على صحن من ذهب وهي حصيلة ضغوطنا خلال السنوات الخمس الاخيرة.