لماذا الانتخابات المبكرة ..؟
باعلان الهيئة المستقلة عن موعد الانتخابات، يُطرح السؤال التالي، لماذا الانتخابات المبكرة .. ولماذا حكومة جديدة بقوام قديم .. ولماذا تشكيل خمس حكومات خلال عامين؟ درجت العادة في الديمقراطيات أن يستقيل البرلمان بشكل توافقي بين الكتل الكبيرة لاجراء انتخابات مبكرة، لتجنب أزمات سياسية، ناجمة عن خلافات برامجية، فالعودة الى الناخب الهدف منه تعزيز مكانة حزب او تجمع أحزاب أمام منافسيه لتمرير برامج سياسية، او اقتصادية او حسم قضايا خلافية.
لم نصل الى الدولة الديمقراطية التي تتمتع بمثل هذه المزايا، أما فكرة حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة جاءت على خلفية حاجة البلاد الى اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة للخروج من الأزمات، وكاستحقاق وطني لتحقيق المبدأ الدستوري: “الشعب مصدر السلطات” ، باجراء انتخابات حرة ونزيهة لتفويض ممثلين حقيقيين للشعب وتشكيل حكومة برلمانية تتبنى برامج وطنية في مختلف الميادين. والانتخابات النزيهة التي تعكس ارادة الشعب، لم تتحقق من خلال سلامة الاجراءات الادارية في الاعداد والتسجيل والتصويت وضمان عدم التزوير فحسب، إن وجدت هذه الشروط، بل ايضا بوجود قانون انتخاب ديمقراطي توافقي يسهم في تطوير الحياة السياسية، وليس قانونا اقصائيا بمقاسات محددة لتحجيم دور تيارات فكرية أو أحزاب سياسية. جرب الشعب الأردني قانون الصوت الواحد المجزوء خلال العقدين الماضيين، فأوصل البلاد الى كارثة سياسية واقتصادية، تجلت مظاهرها بمصادرة الحريات العامة واصدار القوانين العرفية، وتفشي مظاهر الفساد في مختلف جوانب الحياة، نتيجة غياب الرقابة السياسية، وضعف الرقابة المالية والادارية، وتفاقم التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع مساحات الفقر، مقابل تمركز الثروة بأيدي حفنة من رجال ” البزنس” الذين تقاسموا ثروات البلاد مع الاحتكارات الأجنبية المتعددة الجنسيات، ومارسوا كافة أشكال الفساد السياسي والمالي والاداري، ومولوا النفقات العامة من جيوب الفقراء والطبقات الوسطى اضافة الى القروض، وأنفقوا بلا حساب على مشروعات لا تحتل أولوية، وأصدروا حزما من القوانين أسهمت بافقار المواطنين، من خلال سياسات ضريبية منحازة ضد الفقراء، ولصالح كبار التجار من وكلاء الشركات الأجنبية، والقطاعات المالية والمصرفية، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية بشكل مطلق، لفتح البلاد على مصاريعها أمام انسياب كافة السلع، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الاقتصاد الوطني، وخاصة القطاعات الانتاجية ” الصناعة والزراعة” والغت كافة اشكال الرقابة الحكومية على التجارة الداخلية، مطلقين ايدي التجار بالتحكم في غذاء وكساء ودواء المواطنين، وعرضت الامن الاقتصادي والاجتماعي لافدح الاخطار، واغرقت البلاد بالمديونية التي خرقت كل السقوف التي حددها قانون الدين العام، لتصل المديونية الى حوالي 70 % من الناتج المحلي الاجمالي. رغم كافة الاجراءات سالفة الذكر تتوعد الحكومة بما يسمى برفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والخبز.. علما أن أسعار المشتقات النفطية تم تحريرها في 8 شباط عام 2008، وأن الأسعار الحالية للبنزين بشقيه أعلى بكثير من أسعار شباط 2008 ، والخزينة تحقق الآن أرباحا مرتفعة من أسعار البنزين بشقيه، أما أسعار السولار والكاز المحررة، فهي متقاربة مع الأسعار الحالية، علما أن سعر برميل النفط في تاريخ تحرير الأسعار هي أيضا متقاربة مع الأسعار الحالية، حوالي 100 دولار للبرميل. ومع ذلك تدعي الجهات الحكومية بتقديم دعم للبنزين، وجاء رفع أسعار المشتقات النفطية يوم 31 آب الماضي “قبل أن تتراجع عن قراراها نتيجة التحركات الشعبية الواسعة” بذريعة تخفيض الدعم. يمكن الاستخلاص أننا أمام اعادة انتاج أزمات جديدة، سياسية واقتصادية، آخذين بعين الاعتبار عدم توفر مقومات مواجهة أزمات من هذا النوع بعد استنزاف قدرات وطاقات البلاد، وفي ظل ظروف اقليمية دقيقة وحساسة تستدعي موقفا صلبا، ولا تحتمل تكرار التجربة، وافرازاتها الخطيرة، خاصة وأننا نعيش في منطقة ملتهبة، فالاحتلال الصهيوني ابتلع معظم اراضي الضفة الغربية بالجدار والمستوطنات، ويتهيأ لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروعه الذي يستهدف الكيانين الفلسطيني والاردني، خاصة في ظل احتدام الصراع على السلطة في سورية، وتدمير بنيتها التحتية ومحاولة انهاء مكانتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفرض الشروط الصهيونية على الوطن العربي باكمله. صحيح أن البلاد بحاجة الى معجزة للخروج من عنق الزجاجة، الا ان هذه المعجزة ممكنة لسحب فتيل الازمة من خلال ما يتمتع به جلالة الملك من صلاحيات تؤهله لاتخاذ اجراء ما لاعادة البلاد إلى الاتجاه الصحيح . |
||