زيادة العــبء الضـريبي عـلى الصناعــة وتخفيضهــا عــلى الخدمــات
في لقائه مع ممثلي القطاع الصناعي كشف الدكتور زياد فريز نائب رئيس الوزراء وزير المالية عن المقترحات والتصورات الرئيسية الخاصة بتعديل قانون ضريبة الدخل، والتي لا تختلف كثيرا عن مضمون القانون المؤقت، سوى في بعض التعديلات الطفيفة، والذي سحب بفضل تصدي الفعاليات السياسية والاقتصادية والنيابية والصحفية له، ومن المفيد التذكير أن الحملة الواسعة ضد القانون المؤقت ليست فقط لعدم شرعيته ودستوريته وان كان هذا الجانب في غاية الاهمية بل ايضا ضد البنود الرئيسية للقانون الؤقت ، ويتضح من تمسك الحكومة في النقاط الأساسية للقانون الملغي، ان عدم دستورية القانون كانت في حينه مدخلا لتمريره ليس الا.الأفكار والمقترحات المقدمة من قبل المسؤولين باسم الاصلاح الضريبي تشكل صدمة عنيفة للمواطنين وخاصة للشرائح الوسطى في المجتمع وتعبر عن نوع من المحاباة والتحيز تجاه الطبقات العليا، فالاصلاح الضريبي ينبغي أن ينطلق من مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية كما نص عليه الدستور، بفرض ضريبة تصاعدية على الدخل تبدأ بنسبة لا تتجاوز 5% وتتصاعد مع معدلات الدخل وحسب قدرة كل قطاع على المساهمة في ايرادات الخزينة، وذلك ضمانا لاعادة توزيع الدخل بما يخدم العدالة الاجتماعية، بتوفير الامكانيات المادية للخزينة لتقديم الخدمات الأساسية للمجتمع، وخاصة في مجالات التعليم والصحة وانشاء البنية التحتية.أما التساؤلات الأساسية، لماذا تجاهلت المقترحات فرض ضريبة على أرباح صفقات الأسهم في السوق المالي. وأخضعت الدخل المتأتي من الأراضي المستثمرة في الزراعة للضريبة؟ ولماذا لم تطرح الاصلاحات الضريبية أي زيادة على البنوك والشركات المالية، وتفرض زيادة ضريبية على الصناعة؟ ولماذا مساواة قطاع الصناعة بقطاع الاتصالات والتأمين ..؟ ولماذا تفرض ضريبة تصل الى 25% على الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى..؟ علما أنها تستنزف معظم دخلها على متطلبات الحياة المعيشية الآخذة بالارتفاع، مع ملاحظة أن القانون المؤقت الملغي حدد سقف الضريبة لهذه الفئات ب 20% وفيما يلي المقترحات المقدمة من وزير المالية:- 1- توحيد الضريبة المفروضة على كافة القطاعات الاقتصادية فيماعدا البنوك والشركات المالية بنسبة ضريبية تعادل 20% من الدخل الصافي اي بتخفيض الضريبة عن شركات التأمين والاتصالات والخدمات بنسبة 5%، وزيادة الضريبة على التعدين والصناعة والفنادق والمستشفيات والنقل بنسبة 5% بالاضافة الى اعادة ضريبة التوزيع بنسبة 5%. وبذلك يتم تحميل قطاع الصناعة عبئا اضافيا سيؤثر على النمو الاقتصادي في هذا القطاع الرئيسي ويضعف قدرته على منافسة الصناعات الأجنبية في السوق المحلي، أمام تدفقات البضائع الأجنبية في ظل تحرير السوق والانفتاح على التجارة الخارجية. بذلك تكون الحكومة قدمت تنازلا طوعيا عن جزء من ايراداتها ومكافأة لقطاعات الاتصالات والتأمين والخدمات بتخفيض الضريبة عليها بنسبة 5% الأمر غير المفهوم، فهذه القطاعات تحقق أرباحا عالية، وكان الاعتقاد السائد أن الاصلاح الضريبي المنشود يتضمن زيادة الضريبة على هذه القطاعات لتحقيق العدالة والتوازن الاقتصادي، فالصناعة هي الركيزة الأساسية الثابتة لتطور الاقتصاد الوطني، وقطاع الخدمات يقف عادة على رمال متحركة. 2- تضمنت الاقتراحات الغاء الاعفاء الضريبي على التصدير. وهنا نلمس بوضوح دور وتأثير المنظمات الدولية على المشروع، وخاصة منظمة التجارة العالمية التي تشترط الغاء كافة المزايا والتسهيلات الممنوحة للصناعة الوطنية، لتقف عاجزة عن المنافسة محليا وخارجيا، بالاضافة عن الآثار السلبية الناجمة عن ازالة الحماية الضريبية على الصادرات مما يؤدي الى انخفاض الصادرات المحلية، وزيادة عجز الميزان التجاري في ميزان المدفوعات والتي بلغت عام 2005 أرقاما خيالية (3556) مليون دينار أي 39% من الناتج المحلي الاجمالي، كما يؤثر انخفاض الصادرات على احتياطي العملات الأجنبية في الدولة.أما فكرة معاملة شركات التضامن والتوصية البسيطة كالشركات المساهمة تسير باتجاه الميل العام نحو تقليص الضريبة التصاعدية على الدخل وهذا يصب بالاتجاه المعاكس لمبدأ الاصلاح الضريبي.3- التعديل الجوهري الآخر الوارد في اقتراحات الوزير يتضمن زيادة العبء الضريبي على الطبقة الوسطى في المجتمع وفرض ضريبة مساوية اذا لم تكن أكثر من الضريبة المقترحة على الشركات الكبرى مثل الاتصالات و التأمين والخدمات وغيرها، فقد تضمنت الاقتراحات تقسيم الضريبة الى ثلاث شرائح لا تقل كل شريحة عن خمسة آلاف دينار، الأولى بنسبة 10% والثانية بنسبة 15% والثالثة بنسبة 25% ونلاحظ هنا أن من يتجاوز دخله الخاضع عشرة آلاف دينار سوف يخضع لضريبة نسبتها 25% علما أن الشركات عامة نسبة الضريبة المقترحة عليها 20%.مما تقدم تبين أن المسافة ما زالت شاسعة ما بين الاقتراحات المعلنة، وقضية الاصلاح الضريبي المنشود، ما طرح لا يفي بالغرض من حيث المبدأ لتحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم وتطوير الاقتصاد الوطني وعموده الفقري الصناعة الوطنية، كما ليس من المتوقع تحقيق الزيادة المرجوة في ايرادات الخزينة من ضريبة الدخل، لعدم شمول مشروع القانون القادم القطاعات الأساسية في المجتمع، خاصة اذا ما علمنا أن ايرادات ضريبة الدخل من الشركات عامة خلال عام 2005 أولية 197.3 مليون دينار، والأفراد 50.1 مليون دينار، والموظفين 36.1 مليون دينار، حسب التقرير السنوي للبنك المركزي، مساهمة متواضعة جدا لا تشكل 3% من الناتج المحلي الاجمالي، خاصة اذا ما قارنة هذا الدخل باجمالي الايرادات الضريبية التي بلغت 1765.8 مليون دينار حسب نفس المصدر، والتي تتحقق من كافة فئات المجتمع.