تلتئم القمم العربية -عادة- لإصدار بيانات الشجب والاستنكار “لردع” العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني منذ العام 1948؛ مُستفيدة من بلاغة الخطاب العربي في مواجهة الاحتلال البغيض، تاركة أطفال القطاع يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في برد ديسمبر القارس، بانتظار إعمار منازلهم التي دمرها العدوان الصهيوني! لم تلتئم القمم العربية في مواجهة التحديات الخطيرة التي تمثلها الحركات المتطرفة التي احتلت مناطق واسعة من سوريا والعراق، وتمارس هواياتها بقطع الرؤوس وبيع السبايا! أو لوقف الحروب المذهبية والأهلية التي فتكت بالنسيج الاجتماعي في الوطن العربي.. لم تلتئم لمواجهة الفقر والبطالة!

فيما تتجه الأنظار نحو قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بتعديل السياسة النقدية، حول سعر الفائدة، التي بقيت بحدود الصفر، منذ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية عام 2008، ومع تغيّر لغة خطاب المركزي الأمريكي، إلا أنه ما زال يتعامل بحذر شديد تجاه رفع سعر الفائدة، خشية من آثار سلبية على الاقتصاد الأمريكي. فإن ارتفاع سعر الفائدة يدفع الدولار نحو مزيد من الصعود، مما يضعف القدرة التنافسيّة للصادرات الأمريكية، فقد حذّر المركزي في بيانه الخميس الماضي، من أنّ النمو الاقتصادي الأمريكي “ركد قليلا” منذ بداية يناير، مُرجئًا قراره برفع سعر الفائدة، وتشير جانيت يلين رئيسة الاحتياطي الفيدرالي إلى أنّ التغير في الفكر لا يشير إلى أنّ اللجنة حددت موعد الزيادة المبدئية.

تبخرت أحلام أوسلو؛ ولم يبق منها سوى القيود التي فرضها العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني خلال العقدين الماضيين؛ “التنسيق الأمني المذل، واتفاقية باريس التي شكلت عبئا على الاقتصاد الفلسطيني”. وبعد اثنين وعشرين عاما على اتفاقية أوسلو، أصدر المجلس المركزي الفلسطيني قرارا بإلغاء التنسيق الأمني، “وتحميل سلطة الاحتلال الصهيوني مسؤولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة كسلطة احتلال وفقا للقانون الدولي”. لقد ابتلع الكيان الصهيوني حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية، في ظل اتفاقية أوسلو، وارتفع عدد المستوطنين الى 650 ألف مستوطن، وأقام جدار الفصل العنصري. واستغل الاتفاقية كغطاء لإلغاء المقاطعة العربية، وإقامة علاقات رسمية بين عدد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني.

يقول الكاتب الأميركي توماس فريدمان؛ في معرض تحليله لما يجري في العالم من أزمات وحروب؛ والتي تعتبر من مظاهر الازمة العامة للرأسمالية التي أخذت أشكالا متعددة، منها الصراع الطبقي المحتدم في البلدان الرأسمالية، ومنها الحروب المذهبية والطائفية التي اشعلتها الإمبريالية الأميركية في الوطن العربي، واصفا فريدمان الصراع الدائر بين فقراء البلدان النامية وبين الطغمة المالية المستأثرة بسلطة رأس المال؛ بأنه صراع بين “عالم الفوضى” و “عالم النظام”. ويعتبر فريدمان عالم الفوضى يتسع على حساب “عالم النظام” بسبب ضعْف وتفكك “عالم النظام”؛ ويضيف أن الاتحاد الأوروبي غارق في مستنقع الأزمة الاقتصادية والبطالة، والصين تتصرف كما لو كانت تعيش على كوكب آخر.. وفلاديمير بوتين يؤدي دور القيصر.. فيما عالم الفوضى يزحف من الجنوب بقيادة المتطرفين. وأمريكا عمودَ الخيمة الممسك بعالم النظام كله باتت عاجزة عن التوافق على سياسات داخلية مستدامة لحل مشاكل الاقتصاد والهجرة والضرائب والبطالة.

تساؤلات مشروعة تواجهك؛ حول ما يجري في الوطن العربي، ثورات شعبية أم مؤامرة؟ ربيع عربي.. أم خريف؟ اختلف المحللون والمهتمون بالشأن العام حول توصيف ما يجري في الوطن العربي، حسم البعض موقفه مبكرا، إلا أن هذا لا يعفيهم من مواصلة الحوار والبحث، خاصة في ظل التطورات الخطيرة التي يشهدها الوطن العربي، من قتل وتدمير وارتكاب أبشع الجرائم بحق الأبرياء وصولا إلى هيمنة حركات سياسية متطرفة على بعض أجزاء الوطن العربي، والتي جاءت ضمن إفرازات وتداعيات الثورات العربية، فازداد الحديث عن المؤامرة، ما دفع البعض إلى اعتبار مرحلة النظم الفاسدة أفضل مما بعدها.