المتتبع لمناقشات مجلس النواب للموازنة العامة يدرك مدى اهمية تحقيق اصلاحات سياسية في الوقت الذي اصبح الاصلاح الاقتصادي ضرورة موضوعية, مطلوب اصلاح سياسي ليقود الاصلاح الاقتصادي, الاداء المتواضع لغالبية النواب ومستوى مناقشاتهم يؤكد ذلك, يفترض ان يقدم النائب تصوراته الشاملة حول الموازنة العامة, بدلا من الاكتفاء بالمطالب الخاصة لمنطقته, فمن المعروف ان مناقشة الموازنة تعتبر مناسبة لمناقشة السياسة الاقتصادية بشكل عام, فالموازنة هي احدى اهم ادوات السياسة الاقتصادية والاجتماعية, والحديث عن تصويب الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الوطني ينبغي ان يمر عبر تصويب اختلالات الموازنة نفسها.

قطاع غزة غارق في ظلام دامس, الاحتلال قطع الامدادات عن كافة المرافق الاساسية للقطاع, واغلق كافة المعابر, تتويجا للحصار الذي يفرضه على الشعب الفلسطيني, وارتكب مجزرة رهيبة ذهب ضحيتها سبعة وثلاثون شهيدا واكثر من مئة جريح, ما ينذر بخطر كارثة بيئية وانسانية.

هدف العدوان الاسرائـيلي الجديد فرض حالة الاستسلام على الشعب الفلسطيني, والقبول بالمشروع الامريكي الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية, والغاء حق العودة واقامة دويلة هزيلة لا تتوفر لها وحدة جغرافية او مقومات للحياة, مع ابقاء المستوطنين في قلب الضفة الغربية, واقامة ما سماه نتنياهو »بسلام اقتصادي« حسب اخر ما تفتقت عنه الذهنية العنصرية الاسرائـيلية, وهرولة الموقف العربي تبعا للضغوط الامريكية والاسرائـيلية.

تضررا من الاجراءات المتوقعة, لقد عبرت مختلف الاوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن قلقها العميق وخشيتها من اقدام الحكومة على اجراء غير محسوب النتائج, لعدم توفر القناعة بصحة هذه الاجراءات تحسبا من النتائج الكارثية التي سوف تلحق بالفئات الشعبية, فقد اكد اكاديميون وخبراء اقتصاديون ونقابيون واحزاب سياسية وشخصيات وطنية على ضرورة التريث وعدم التسرع, والبحث عن بدائل مناسبة لمواجهة ارتفاع اسعار المشتقات النفطية, وتخفيف الضغط عن الخزينة, الا ان اشارات من الجهات الرسمية تفيد ان الحكومة ليست معنية بسماع آراء مخالفة لرأيها, بل يبدو انها تتجه نحو كم الافواه ومنع الرأي الآخر من التعبير في هذا المجال, فقد منعت ورشة عمل, بمبادرة من مركز القدس للدراسات السياسية بعنوان الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتحرير اسعار المشتقات النفطية وبمشاركة شخصيات اقتصادية حزبية وبرلمانية, مما يفهم من هذا المنع ان الحكومة مصممة على توجهاتها هذه, دون الاخذ بعين الاعتبار الآراء القيمة والمهمة التي تطرح من قبل مؤسسات المجتمع المدني, عدا عن كون هذا الاجراء اعتداء على الحريات العامة, ويتناقص مع حرية الرأي والتعبير.

المديونية

بلغ صافي الدين العامالداخلي والخارجيخلال شهر ايلول الماضي 7804.9 مليون دينار وبزيادة مقدارها 455.4 مليون دينار عن رصيده في نهاية عام 2006 وفقا لنشرة تشرين ثاني 2007 الصادرة عن البنك المركزي وقد ارتفعت خدمة الدين العام لعام 2007 الى 405.1 مليون دينار.

يعتبر ملف المديونية من اهم ملفات الازمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في نهاية الثمانينات ويمكن القول ان ابرز المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الاردني والمواطن على حد سواء التكاليف الباهظة للمديونية ومع ذلك بدلا من ان تنخفض المديونية فقد سجلت ارتفاعا قدره 1.4 مليار دينار مقارنة مع عام 1989 حيث يشير التقرير السنوي للبنك المركزي لعام 1993 ان المديونية الخارجية لعام 1989 بلغت 5409.4 مليون دينار والداخلية 995 مليون دينار.

يأتي مشروع قانون الموازنة هذا العام في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة, حيث يتعرض الاقتصاد الاردني الى ضغوط ناجمة عن عدة عوامل واسباب منها الارتفاع العالمي لفاتورة النفط, ارتفاع اسعار القمح والاعلاف وغيرها من المواد الاساسية, بالاضافة الى تراجع قيمة الدينار امام العملات الاجنبية بحكم ارتباط الدينار بالدولار الامريكي وكون معظم مستوردات المملكة من الاسواق الاوروبية والاسيوية, الامر الذي اسهم بزيادة تفاقم الازمة الاقتصادية الناجمة عن السياسات السائدة, وتتجلى مظاهرها بتفاقم عجز الموازنة التي وصلت الى مستويات مرتفعة 9.1% من الناتج المحلي الاجمالي, واسهمت هذه السياسات التي انطلقت اساسا من تحرير التجارة وتحرير الاسعار, بزيادة انحراف الميزان التجاري الذي شكل ضغطا كبيرا على الحساب الجاري في ميزان المدفوعات, اضافة الى زيادة عبء خدمات المديونية, وتوجه للحكومة نحو تحميل المواطنين عامة وذوي الدخل المحدود اثار هذه الازمة. فلا يستطيع المرء تناول الموازنة بمعزل عن هذه الاوضاع الاقتصادية, وعن الازمة المركبة للاقتصاد الاردني, وارتباط ذلك بالسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تنفذها الحكومات المتعاقبة, فمن الضروري تناول اهم مفاصل هذه السياسات.

لم يستقبل الأردنيون عامهم الجديد بالتفاؤل كبقية شعوب الارض, بل تمنى بعضهم حدوث معجزة ما توقف حركة الزمن عند إشارة الساعة الثانية عشرة من ليلة الواحد والثلاثين من كانون الاول, لكن حركة الزمن لن تتوقف, كل شيء نسبي في هذا الكون الا الحركة مطلقة, حركة المادة وحركة التاريخ وحركة المجتمع, لم يستطع العمال الأوروبيون من إيقاف حركة التاريخ حين حاولوا تكسير الآلة التي كانت سببا بفصلهم عن العمل حسب اعتقادهم, حيث دخلت كبديل لآلاف العمال الأوروبيين بفضل دخول التكنولوجيا في الصناعة, وقذفت المصانع معظم عمالها الى سوق البطالة, نعم العمال الأردنيون لا يستطيعون وقف حركة التاريخ علما انهم لا يسعون لذلك, فهم يدركون تماما حركة المجتمع وتطوره, نجح العمال في الدول المتقدمة من فرض إرادتهم وتحديهم لجشع واستغلال حرية رأس المال, عبر تنظيماتهم النقابية والسياسية, فكانت النتيجة ان تحولت الآلة من مصدر تعاستهم الى وسيلة لتخفيف معاناتهم, هذه الحرية التي تلوح بالأفق, او تلوح بها الحكومة لمواجهة الأسعار العالمية, ضحيتها الفقراء الذين لا ذنب لهم سوى انهم عمال او مزارعون او موظفون منتجون يكسبون قوتهم بسواعدهم, وليس بتغييب ضمائرهم… ستحيلهم حرية السوق الى ركام بلا “حركة” من شدة البرد القارص الذي سينخر عظامهم لحرمانهم من شراء اسطوانة غاز او صفيحة كاز للمدفأة التي لم يعد لها لزوم في بيوت الفقراء, او يتضورون جوعا, او يعانون من سوء التغذية, اعتقد جازماً ان الفقراء لن يستسلموا للجوع, فليس قدرا عليهم هذه المعاناة.