ماذا لو فشلت المفاوضات بين الجمهوريين والديمقراطيين لتفادي الوقوع بالهاوية المالية، وما هي الهاوية المالية ؟ وما انعكاساتها على الاقتصاد العالمي؟ يمكن الاستدلال من اسمها، وقوع انهيار ما في عالم المال، والهاوية المتوقعة ناجمة عن تفاقم عجز الموازنة الأمريكية وارتفاع الدين العام، والبدء باجراءات تقشفية تسهم بخفض النمو الاقتصادي، نتيجة وقف الانفاق الممول بالقروض. فقد التزم الرئيس الامريكي باراك أوباما في أيلول عام 2011 بتطبيق سياسات مالية وضريبية جديده في اليوم الأول من عام 2013 للحد من تفاقم الأزمة، “خفض الانفاق العام وزيادة الضرائب”، لضمان موافقة الجمهوريين في حينه على رفع سقف الدين العام، والسماح للادارة بالاقتراض لتمكين الخزانة الأمريكية من الوفاء بالتزاماتها، وترحيل الأزمة الى ما بعد الانتخابات النيابية.
أما الان وبعد الاقتراب من استحقاق “الهاوية المالية ” تحاول الادارة الأمريكية إحداث تغيير ما للتخفيف من آثار الاجراءات التقشفية على الاقتصاد الامريكي، لكن ذلك مرهون باتفاق مع الجمهوريين فقد شرعت الادارة الامريكية باجراء مفاوضات للوصول الى انصاف الحلول للحيلولة من دون تعرض الاقتصاد الأمريكي الى انتكاسة، فقد لجأ البيت الأبيض الى ترحيل الأزمة، لانتاج نمو اقتصادي مدعوم بالقروض وزيادة الانفاق العام وتخفيض الضرائب على مختلف الطبقات بما في ذلك الاثرياء، ومحاولة اظهار الاقتصاد الامريكي متعافيا من أزماته ليمهد الطريق أمام الرئيس أوباما من اجتياز الانتخابات النيابية، فقد جرت التضحية بالدولة لصالح تحفيز الاقتصاد، الا أن المهمة فشلت، لم يتحقق النمو المطلوب، وغرقت الدولة بالمديونية.
في ضوء ما سوف تؤول اليه الأوضاع المالية والاقتصادية في أمريكا خلال العام المقبل 2013 من نتائج ” للهاوية المالية” التي ستعرض العالم لمخاطر انخفاض النمو الاقتصادي، وقد تسبب بانتكاسة جديدة للاقتصاد العالمي، بسبب تعميم ظاهرة التقشف على معظم اقتصادات العالم، من دون اعتبار للفشل الذريع لهذا النهج، الذي أوصل الاقتصاد الأوروبي الى الهاوية. وتأتي الاجراءات التقشفية الامريكية مع دخول منطقة اليورو في حالة ركود اقتصادي، واستمرار حالة القلق الشديد على مستقبل اليونان والبرتغال واسبانيا وقبرص بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وتنامي المديونية، وأثر السياسات الانكماشية على تقهقر اقتصاداتها، وفشل دول الاتحاد الاوروبي في الوصول لاتفاق حول ميزانية الاتحاد، نتيجة اصرار عدد من الدول بزعامة المانيا وبريطانيا على فرض سياسة تقشفية على ميزانية الاتحاد خلال الأعوام المقبلة. وغياب أي حلول منهجية في الأفق تنطلق من تحقيق نمو اقتصادي ومعالجة مشكلة البطالة من دون آلام تقشفية، ان لم نقل إنه لا توجد معالجة لمشكلة البطالة من دون نمو اقتصادي، وليس هناك نمو اقتصادي في ظل التقشف، هذه المعادلة ينبغي أن تكون قاعدة الخروج من الأزمة .
ومع ذلك لم تعد هناك خيارات أمام الادارة الأمريكية، وهي محكومة بالاستحقاقات المنتظرة، وحتى في حال اجراء تعديلات محدودة على الاتفاق المبرم بين الحزبين، لا تعف الاقتصاد الأمريكي من الدخول في محنة تراجع النمو الاقتصادي، لن تسقط حلول من السماء لانقاذ الاقتصاد الأمريكي من أزمته، وخاصة في ظل توازنات دقيقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذين يتقاسمان السلطات التشريعية التي تمتلك اصدار القوانين المالية المتصلة بالازمة الاقتصادية، وتسعى الاحتكارات الامريكية تحميل الفقراء عبء الازمة والابقاء على الاعفاءات الضريبية التي اصدرها جورج دبليو بوش على الاثرياء، مع الاقرار من قبل الديمقراطيين بمبدأ تقليص برامج الرعاية الصحية بحوالي 300 مليار دولار ما يتسبب بحرمان ملايين الفقراء من الطبابة .
ومع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في امريكا واتساع الهوة بين الحزبين الرئيسيين، حول كيفية مواجهتها، الا أن كلاهما لا يملكان برامج اقتصادية تحمل خيارات لمعالجة جذرية للخروج من الأزمة، فالأزمة الاقتصادية التي تواجه أمريكا هي من الأزمات الملازمة للنظام الرأسمالي، فقد شهد العالم العديد من الأزمات الاقتصادية منذ نشوء النظام الرأسمالي إلا أن هذه الأزمة الأكثر عمقا واتساعا، والتي تعود لطبيعة اسلوب الانتاج الرأسمالي القائم على علاقات انتاج غير متوازنة، وتمركز الثروة بأيدي الاحتكارات الرأسمالية والطغمة المالية، مقابل حرمان الغالبية العظمى من تلبية احتياجاتهم الأساسية في المأكل والملبس وتوفير الخدمات الصحية المجانية. وهذا لم يأت بالتمنيات أو بشكل عفوي بل بعقد اجتماعي جديد يعترف بالحقوق الاجتماعية للمواطنين جمعاء، يضمن توزيع عادل للثروة، يضمن لمنتجي السلع فرصة استخدامها .
 

هتف الثوار في العواصم العربية بالحرية والديمقراطية، ومكافحة الفساد، وتطبيق الشفافية والحوكمة الرشيدة، وتحرير الاقتصاد الوطني من التبعية، وتبني سياسات اقتصادية مولدة للدخل بدلا من الاقتصادات الريعية، وتوفير فرص عمل للعاطلين من العمل، وربط الأجور بمعدلات التضخم، وتوفير ضمانات صحية واجتماعية، وضمان حق التعليم للجميع. لم يخطر ببال أحد أن بلدانهم سوف تتحول الى مسرح لصراعات عنيفة بين اطياف سياسة في المجتمع، والاعتقاد السائد ان المهمات الانية موضع اجماع لدى القوى كافة التي عانت من النظم الديكتاتورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن صناديق الاقتراع سوف تفرز قيادات جديدة تتولى طرح برامج وطنية ديمراطية تتصدي للتحديات، لذلك جرى الترحيب بوصول قيادات عربية منتخبة لأول مرة في التاريخ العربي بغض النظر عن الخلفية الفكرية، وأن الاختلاف كان ينبغي أن ينحصر في الاجتهاد على كيفية تحقيق أهداف الثورة.
لكن سير الأحداث في الوطن العربي أخذت منحى آخر، وبدأت تتشكل تحالفات ومحاور جديدة سواء داخل القطر الواحد أو على المستوى الاقليمي، فاتسعت الهوة بين التيار الاسلامي والاتجاهات القومية واليسارية، وأخذت الخلافات طابعا صداميا في كل من مصر وتونس، وبلا شك ان احتدام الصراع في سورية أسهم بتأجيج الأزمة، فقد دخلت سورية في نفق مظلم، ويعتبر الشعب السوري الخاسر الأكبر من الحرب الدائرة، ما اضطر حوالي نصف مليون انسان سوري الى اللجوء خارج الوطن بحثا عن مكان آمن، وسقوط آلاف الجرحى والقتلى، كما تعرضت البنية التحتية للاقتصاد السوري الى أضرار بالغة، وازدادت مخاطر التدخل الاجنبي في سورية بذريعة منع استخدام أسلحة كيميائية. وقد رشحت معلومات عن قلق أردني من الاستقطابات والمحاور التي تشكلت في المنطقة. وعبر الملك عن خشيته من وصول الاسلاميين الى السلطة في سورية، بدعم من التحالف التركي القطري المصري .
وقد جاء الإعلان الدستوري في مصر بتحصين قرارات الرئيس المصري محمد مرسي ليثير غضبا شعبيا، واعتبر الاجراء استئثارا في السلطة ما أدى الى توحيد القوى القومية واليسارية والليبرالية كافة مع بعض القوى الإسلامية المعارضة للاجراء، وقبل الخروج من هذا المشهد تبعه قرار احالة الدستور الى الاستفتاء في مناخ الأزمة، ومن دون الوصول الى رؤية مشتركة حول الدستور. ودخل الصراع أبعادا خطيرة بانقسام الشارع بين مؤيد ومعارض، ما يهدد السلم الأهلي للخطر، إن لم يتغلب مبدأ الحوار والاعتراف بالآخر والوصول الى القواسم المشتركة، والتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية ومعالجة قضايا الفقر والبطالة. وبدلا من ذلك وفي خضم الأزمة السياسية المتفاقمة جاء قرار الحكومة المصرية بزيادة الضرائب، الذي يصب الزيت على النار، بزيادة ضريبة المبيعات على 50 سلعة وخدمة أبرزها زيوت الطعام والكهرباء والغاز وخدمات النقل المختلفة والحديد وخدمات السياحة والاتصالات وغيرها. وخشية من تفاعلات هذا الاجراء، اضطرت الحكومة المصرية إلى التراجع عن قرارها. ويبدو أن هذا الاجراء جزء من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لاستكمال شروط قرض الصندق البالغ قيمته 4.8 مليار دولار، والذي ارجئ البحث به الى الشهر المقبل بسبب الظروف غير المواتية التي تعيشها مصر في هذه الأيام .
وفي تونس توصلت الحكومة التونسية في اللحظات الأخيرة مع الاتحاد التونسي للشغل لاتفاق حول وقف قرار الاتحاد بالاضراب العام عن العمل يوم الخميس الماضي 13 كانون الأول 2012 احتجاجا على الاعتداء الذي جرى على مقر الاتحاد يوم 4 الشهر ذاته، من قبل لجان حماية الثورة التابعة لحزب حركة النهضة ، في الذكرى الستين لاغتيال مؤسس الاتحاد الزعيم النقابي والوطني فرحات حشاد،
وما زال الشارع الأردني ملتهبا نتيجة قرار الحكومة برفع الأسعار على المشتقات النفطية والتراجع عن برنامج الاصلاح ومكافحة الفساد، والاصرار على اجراء الانتخابات النيابية – الشهر المقبل – بموجب قانون الصوت الواحد المجزوء، وقد نجحت القوى المعادية للديمقراطية بالتأثير على القرار السياسي بعودة قانون الصوت الواحد الذي أعلن عن دفنه سابقا، تحت ذريعة منع هيمنة الحركة الاسلامية على المجلس المقبل.
وان ما يُجرى في كل من مصر وتونس يشكل حالة احباط ويسهم في اجهاض الثورة الديمقراطية في الوطن العربي، ويثير الرعب لدى المواطنين المخلصين بتحويل الخلافات السياسية المشروعة بين الاتجاهات الفكرية الى الاحتراب، وان على قادة الأمة في البلدين الشقيقين مصر وتونس سواء كانوا في السلطة أو المعارضة مسؤولية تاريخية بالحفاظ على مكاسب الثورة بقيام الدولة الديمقراطية، واحترام تداول السلطة بالطرق السلمية .
 

عندما ترفض الجماهير الشعبية أن تُحكم بأساليب الماضي، وعندما تفشل أدوات السياسة في مواصلة الحكم بالأساليب نفسها، ماذا يعني ذلك…؟ ، هذا يعني ان هناك أزمة عامة في البلاد، وانسداد في الأفق. وقد عبرت الجماهير الشعبية في حراكاتها ومسيراتها في مختلف المحافظات عن رفضها المطلق للنهج السائد بفرض سياسة الأمر الواقع على الشعب، ورفع أسعار المشتقات النفطية، وغياب الاصلاحات السياسية، ورفض القوانين التي تنتمي للماضي وفي مقدمتها قانون الانتخاب. هذا القانون الذي حرم الشعب الأردني من ايصال ممثليه الى قبة البرلمان، وأفرز حكومات فشلت في ادارة موارد البلاد، وتجفيف منابع الفساد، وكممت الأفواه وأصدرت القوانين المقيدة للحريات الصحفية، ومارست الضغوط المباشرة على الصحفيين، وعطلت أهم مواد الدستور” الشعب مصدر السلطات” حين زورت ارادة الشعب بايصال نواب لا يمثلون الشعب.
في المقابل تتآكل قاعدة النظام وتتسع الشريحة التي توجه نقدا للنهج السائد، خاصة ممن احتلوا مواقع قيادية في البلاد، فقد أقروا بحجم الضرر الذي لحق في الدولة نتيجة التزوير الذي جرى في الانتخابات النيابية، لكنهم يصرون على أن هذا التزوير تم في آخر دورتين فقط، وان كان الواقع يشير الى غير ذلك فان العصر الحديث لم يشهد انتخابات حرة ونزية وغير موجهة منذ صدور قانون الصوت الواحد سيء الذكر.
لقد جرى تداول خمس حكومات خلال العامين الماضيين، لم تقدم أي منها مخرجا للأزمات، وان جاءت الحكومة الحالية في ذروة الأزمة الا ان هذا لا يعني انها مسؤولة وحدها عّما وصلت اليه البلاد من خلل أصاب كافة مناحي الحياة. الا انها تتحمل مسؤولية رفع أسعار المشتقات النفطية في الوقت الذي لا تحمل برنامجا وطنيا لمعالجة الأزمة المالية، ومع ذلك تجري محاولات يائسة لتسويق الانتخابات النيابية، بعد اتساع الفجوة بين السياسات الرسمية والشارع الأردني، لعدم وجود ثقة بأن البلاد ستشهد انتخابات حرة ونزيهة، فقد زورت ارادة الشعب مسبقا من خلال قانون الصوت الواحد المجزوء الذي جرى اعادة فرضه مجددا، بعد أن أفرز هذا القانون برلمانات وحكومات مسؤولة عن الازمات المستعصية، فمن يصر على فرض قانون اقصائي يسهم في تزوير ارادة الشعب، لن ولم يمهد لانتخابات نزيهة، فالعلاقة مترابطة بين النظام الانتخابي والاجراءات التي تتبعها السلطة التنفيذية لتمرير سياسات محددة.
والنتيجة أن البلاد تمر في أزمات واحتقانات لا تحتاج الى حلول قسرية وفرض سياسة الأمر الواقع، بل تحتاج الى حلول خلاقة، فهناك استحقاقات سياسية واقتصادية واجتماعية تحتاج الى حكومة اجماع وطني تنبثق عن انتخابات حرة ونزيهة، تتولى فتح ملف الفساد وتحويله بالكامل الى القضاء. وفتح الملف الاقتصادي، والاقلاع عن السياسات الاقتصادية التي أوصلت البلاد الى الخراب. فالمديونية المتفاقمة لم تعد تسمح للحكومات القادمة بأن تواصل سياسة الاقراض، لسبب بسيط أنه لم يعد ممكنا الاقتراض من الخارج نتيجة الشروط القاسية والمذلة لاملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، كما أن الدين الداخلي امتص السيولة من السوق المحلي وأصبحت الحكومة منافسا قويا للقطاع الخاص على التسهيلات الائتمانية، أما المنح القادمة من الأشقاء فقد لمسنا حجم الضغوطات السياسية والمذلة التي استخدمت للافراج عنها ، ليس هناك أفضل من استثمار مواردنا بشكل جيد، وضبط النفقات العامة والاعتماد على الذات.
في ظل هذه الأجواء تصر الحكومة على اجراء الانتخابات النيابية بموجب القانون الذي أفرز المجالس السابقة، مع تعديل طفيف لا يحدث تغييرا ملموسا في النتائج، على الرغم من اتساع قاعدة المقاطعة للانتخابات من أحزاب سياسية وقوى وشخصيات وطنية واجتماعية، اضافة الى أوساط واسعة من الحراكات الشعبية، ناهيك عن المزاج الشعبي العام الذي يتجه نحو العزوف عن المشاركة في الانتخابات، وقد اتسعت هذه الظاهرة بعد قرار الحكومة برفع الأسعار، والتحضير لوجبة جديدة تتضمن رفع أسعار الكهرباء والماء، فمن غير المتوقع أن تنهي الانتخابات التي ستجري في مطلع العام القادم الأزمة أو تشكل مدخلا للخروج منها، بل ستسهم في تفاقمها، ولم يكتب للمجلس القادم الذي سينتخب على القانون الحالي ان يعمر كثيرا، ولن يكون حظه اوفر من المجلسين الاخيرين .
 

لم يكن منتظرا من سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة، أن تحقق نتائج ملموسة في معالجة الأزمة المالية والاقتصادية، أو تحقق تقدما، ليس هذا فحسب فقد أسهمت هذه السياسات في تعميق الأزمة بدلا من معالجتها، وتمحور هذا النهج حول معالجة مظاهر الأزمة وليس جوهرها، فالعجز المتفاقم للموازنة ناجم عن تراجع النمو الاقتصادي، وانفلات الإنفاق العام، وتفشي مظاهر الفساد، الأمر الذي يتطلب تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية، خاصة بعد فشل الاداء الحكومي في تحفيز الاقتصاد. وقد ولدت الأزمة وأسلوب مواجهتها سلسلة من الأزمات التي انتهت باغراق البلاد بالمديونية. ودفعت الشعب نحو الافقار، كما ارتفعت معدلات البطالة، فالاجراء الأخير الذي أقدمت عليه الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية، أسهم بشكل مباشر بارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات العامة، ومن المتوقع أن يسبب هذا الاجراء المجحف بحق المواطنين تعميق الأزمة، وانهيار القيمة الفعلية للأجور، وتراجع الطلب على السلع، واستمرار التباطؤ الاقتصادي.
والغريب أن الحكومات المتعاقبة استجابت لنهج الليبرالية الجديدة وفرضت سياسات اقتصادية لا تمت بصلة لخصائص الأردن واحتياجاته التنموية، بتطبيق سياسة الخصخصة، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية، وتحرير أسواق المال ما أدى الى انفلات الأسعار وغياب الضوابط، وابقاء المواطنين تحت رحمة المستغلين من التجار والسماسرة والمؤسسات المالية والمصرفية، والابقاء على الاقتصاد الريعي للبلاد. ومثلما أخضعت البلاد لنهج الليبرالية الجديدة في المرحلة الماضية، يُجرى الآن اخضاعها لأسوأ الحلول بفرض سياسة تقشفية، هذه السياسة التي اصبحت العلاج الشافي لأمراض النظام الرأسمالي كافة ..! التي أوصلت اليونان واسبانيا والبرتغال الى حافة الانهيار. فكل يوم يفقد 1630 عاملا في اليونان عملهم، وارتفعت معدلات البطالة لتشكل حوالي 25.4 %، وما تعاني منه اليونان أو غيرها من الدول الرأسمالية هو النتيجة الطبيعية لسياسة الانفلات الاقتصادي وما تبعها سياسة التقشف. لن نكشف سرا اذ قلنا أن أعراض هذه الأمراض الاقتصادية أصبحت تصيب اقتصادنا ما يتطلب النهوض في الاقتصاد الوطني وتحفيز الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي بدلا من سياسة التقشف.
مقابل الفشل الذريع لهذه السياسات، جذبت نظرية العدالة الاجتماعية اهتمام العالم في هذه الأيام الذي يسود فيه الفقر والبطالة والظلم من شدة الاجراءات التقشفية، فبعد أن سادت أجواء سوداوية في الأفق حول مستقبل النظام الاقتصادي الرأسمالي، وفشله في الخروج من أزمته الاقتصادية بالوسائل والأدوات البالية نفسها ، والاعتراف بأن أسلوب الانتاج الرأسمالي هو السبب الرئيسي في الأزمة، حتى من قبل أبرز المحللين الاقتصاديين في النظام الرأسمالي، فقد اعترف الخبير الاقتصادي الأمريكي الشهير، نورييل روبيني، بفشل النظام الرأسمالي من تجاوز أزمته، وهو من المدافعين عن النظام الرأسمالي، الذي تنبأ بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية قبل وقوعها. ورافق هذه التحليلات الاقتصادية حول مستقبل الرأسمالية الاهتمام المفاجئ بمؤلف كارل ماركس الشهير “رأس المال”، باعادة دراسته من جديد، الذي اعتبر من أهم الأبحاث والدراسات التي قدمت حول نشوء الرأسمالية والأزمات المرافقة لتطورها، وحول الدورة الاقتصادية ومراحلها، واكتشافه لنظرية فائض القيمة، التي اعتبرت من أهم أسباب غياب العدالة في المجتمع الراسمالي .
كما يُجرى في هذه الأيام الاهتمام بنظرية ” العدالة التوزيعية ” التي صاغها الفيلسوف الأمريكي، جون رولز، وأصبحت من النظريات الأكثر اهتماما في المجتمعات الغربية كبديل عن سياسة التقشف، التي تنطلق أساسا من مبدأ توفير فرص متكافئة للمنافسة ما يسمح بوجود تفاوتات شريطة أن لا تخلق هذا التفاوتات شرائح اجتماعية محرومة من الحصول على حقوقها الكاملة لصالح فئات أخرى تتمتع بامتيازات. ولا تقبل اللامساواة إلا إذا كان سيستفيد منها أولئك الذين هم أكثر تعرّضا للحرمان والضعف والفقر. وقد اشترطت هذه النظرية وجود مبدأ الحرية والمساوة للجميع “حرية الرأي والتعبير والاجتماع والحق في الملكية الخاصة، واللجوء إلى القانون. ومن أجل تحقيق هذه المبادئ، اذ لا تُجرى التضحية بالحرية والديمقراطية لصالح تكافؤ الفرص والمساواة والتوزيع العادل للثروة. وعلى اهمية هذه النظريات الاقتصادية التي تنطلق أساسا من تحقيق العدالة الاجتماعية، فهي تؤمن توازنا اقتصاديا واجتماعيا يسهم في تحقيق نمو اقتصادي، الا أن تحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع يصطدم بمصالح الاحتكارات الرأسمالية المستفيدة من الواقع الاقتصادي القائم على افقار واملاق الطبقة العاملة والفقراء. ولم تتخل الاحتكارات الرأسمالية عن امتيازاتها، الا في حال الشعور بخطر الانهيار الاقتصادي الذي قد يفقدها ليس امتيازاتها فحسب، بل وجودها .
 

ألهب قرار الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية الشارع الذي يشهد حراكا سياسيا وشعبيا منذ مطلع العام الماضي، بهدف تحقيق اصلاحات سياسية ودستورية كخطوة على طريق الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. وبدلا من الاستجابة للمطالب الشعبية لتحقيق الاصلاحات لمواجهة الأزمات المركبة، أقدمت الحكومة على التأزيم بقرارها المجحف رفع اسعار المشتقات النفطية. ان الاجراء الحكومي المجتزأ بتحميل المواطنين اعباء الازمة المالية لا يشكل مخرجا للازمة، بل يدخل البلاد بأزمات جديدة، وقد جاء هذا الاجراء اذعانا لاملاءات صندوق النقد الدولي على خلفية حاجة الحكومة للاقتراض منه .
لم يكشف رئيس الوزراء سرا حين تحدث عن تفاقم عجز الموازنة وتنامي المديونية، بسبب تراجع الايرادات وزيادة النفقات، فالعجز الذي تعاني منه الخزينة ليس طارئا، وهو ثمرة السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، صحيح أن انقطاع الغاز المصري الذي تعتمد عليه الأردن بشكل رئيسي في توليد الكهرباء أسهم في تفاقم الأزمة، لكن نهج السياسات الاقتصادية هو المسؤول عن معاناة البلاد من الأزمات، حتى في قضية الغاز كان على الحكومة استدراك الموقف مبكرا وقبل وقوع الأزمة بتنويع مصادر الطاقة واستغلال الصخر الزيتي لتوليد الكهرباء، واستخدام الطاقة المتجددة، وحتى مع ظهور الأزمة منذ اكثر من عام كان باستطاعة الحكومة تدارك الموقف وبناء رصيف لاستدراج عروض للغاز المسال من مصادر اخرى، لكن غياب الشعور بالمسؤولية لدى اصحاب النهج السائد وغياب مجالس نيابية تعكس ارادة الشعب، نتيجة التزوير ادى الى تردي الأوضاع الاقتصادية، وانفلات النفقات العامة للحكومة .
فقد أظهرت الموازنة العامة للحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة، للعام الحالي 2012 بعد اقرارها من مجلس الامة كما جاءت من الحكومة من دون تعديل في نهاية شباط الماضي بوجود عجز قدره حوالي 2757 مليون دينار، كما قدرت الايرادات المحلية بحوالي 5625 مليون دينار. على افتراض ان الايرادات المحلية سوف تنمو 17% وبقيمة قدرت بحوالي 900 مليون دينار مقارنة مع عام 2011، من دون الاستناد الى معطيات علمية لتحقيق هذا النمو، فالنمو الاقتصادي المتوقع للعام الحالي لا يتجاوز 2.4% كيف يمكن تحقيق نمو في الايرادات بنسبة كهذه ..؟ الا اذا اقدمت الحكومة على فرض ضرائب جديدة وهذا ما فعلته الان وباعتراف رئيسها انها تفرض ضرائب على المشتقات النفطية تصل الى 40 %، ومن المفترض انها تغطي العجز المتحقق في الديزل والغاز المنزلي الامر الذي لا يبرر بحال من الاحوال رفع الاسعار. علما ان النسبة الحقيقية للضرائب تصل الى حوالي 53 %. مع الاشارة هنا الى ان سياسة زيادة الضرائب غير المباشرة وخاصة على المشتقات النفطية تعتبر سياسة انكماشية تسهم بشكل مباشر في تباطؤ النمو الاقتصادي، وتضعف القدرة التنافسية للاقتصاد الاردني، في ظل سياسة الاسواق المفتوحة التي تنتهجها الدولة، فالاثار الجانبية لرفع الاسعار تتجاوز حدود التعويضات التي يجرى الحديث عنه فالقضية لا تمس المواطنين فحسب، بل والاقتصاد الاردني عامة. وقد بدأت الاثار السلبية بالظهور في الاسواق المحلية من تراجع الطلب على السلع. وقد حاولت الحكومة تسويق قرارها تحت ذريعة ايصال الدعم لمستحقيه، بتحويل دعم نقدي لبعض الفئات الاجتماعية، ومن غير المتوقع ان تكون للدعم النقدي اثار ايجابية على الفئات الشعبية، فالدعم النقدي المعلن متواضع جدا، ولا تتمتع هذه الحكومة كغيرها من الحكومات المتعاقبة بثقة المواطنين لعدم استمرار الدعم وفقا للتجارب الماضية.
ان تحميل الفئات الشعبية اعباء الازمة المالية والاقتصادية دفعت الجماهير الشعبية إلى النزول الى الشارع للمطالبة بالتراجع عن القرارات الحكومية، خاصة وان بوسع الحكومة الاقدام على حزمة اجراءات تسهم بتخفيض عجز الموازنة بعيدا عن جيوب الفقراء، كالغاء ودمج المؤسسات الحكومية بالوزارات وتطبيق اعادة الهيكلة بتخفيض الانفاق وإلغاء الامتيازات غير المبررة الممنوحة لكبار الموظفين، وليس باجراءات ادارية فحسب وبطريقة استعراضية كما اعلن الرئيس. مع الاهتمام باستثمار الموارد الطبيعية بوجه افضل، فالاردن لا يعاني من افتقار الموارد بقدر معاناته من سوء استخدامها. وتحويل الاقتصاد الاردني من اقتصاد ريعي الى اقتصاد انتاجي. و تعزيز وتطوير أجهزة الرقابة لسد منابع الفساد المالي والإداري، ومحاسبة الفاسدين، واسترداد اموال الشعب المنهوبة.
اضافة الى كل ذلك ان الحكومة الحالية حكومة انتقالية تشكلت للقيام بمهمة محددة لا يمتد عمرها الى اكثر من ثلاثة أشهر للاشراف على الانتخابات، ولم تحصل على تفويض من الشعب او ممثليه لاتخاذ اجراءات كهذه، ولا تملك برنامجا متكاملا لمعالجة الازمة المالية والاقتصادية، وليس من حقها الدخول إلى جيوب المواطنين .
 

لم يفاجأ المواطن الأردني من التوجهات الحكومية برفع الأسعار، بقدر مفاجأته بحجم الرفع غير المسبوق، فقد شكل قرار الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية 54 % للغاز المنزلي، و33 % للكاز والسولار، و 14 % للبنزين. صدمة عنيفة للشرائح الاجتماعية خاصة ذوي الدخل المحدود، وهم يشكلون غالبية الشعب الأردني، فقد مهد الرئيس لقراره بجولات ولقاءات وتصريحات غير مقنعة بحال من الأحوال، كون الاجراءات المتعلقة بتخفيض عجز الموازنة مجزوءة واستهدفت جيوب الفقراء، وتفتقر للموضوعية والشفافية. كان القرار مفاجئا بحجمه وأعبائه الثقيلة على المواطنين، ألم يدرك الرئيس أن قرارا كهذا لن يمر من دون ردود أفعال واسعة. ومما يزيد من حدة القرار وآثاره على المواطنين أنه جاء في بداية فصل الشتاء القارس، الا يعتقد الرئيس أن اجراء كهذا سيشعل غضبا شعبيا عارما يضع علامات استفهام حول مدى الحكمة من قرارات تدفع البلاد نحو انفجار اجتماعي غير محسوب النتائج. خاصة وأن رئيس الحكومة استخدم بعض المعلومات التي تفتقر للدقة في تسويق وتبرير القرار، ويمكن ملاحظة ما يلي:
أولا: ينبغي التدقيق في قضية الدعم وحجمه وقيمة المبالغ التي ستوفرها الخزينة مقابل قرار متهور غير مدروس عرض الأمن الاجتماعي للخطر، فقد اعتقدت الحكومة أن قرارا كهذا سوف ينقذ المالية العامة للدولة، في الوقت الذي يتحدث الرئيس عن عجز مالي في موازنة الدولة ومؤسساتها الخاصة بقيمة 6.5 مليار دينار لموازنة قيمتها 9.5 مليار دينار..! ورغم التهويل في الأرقام، الا أن البلاد تمر بأزمة مالية واقتصادية حادة وهي ثمرة سياسات الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية، ولا نستطيع أن نتعامل مع هذه الحكومات بالقطعة، وقد سبق وحذرنا في هذه الزاويه عشرات المرات من مخاطر هذا النهج الذي أوصل البلاد الى مرحلة خطيرة. ومع ذلك دعونا نرى حجم الدعم الحقيقي الذي يصل للمواطنين، هناك دعم جزئي للمشتقات النفطية ينحصر بدعم أسطوانة الغاز، ودعم طفيف لمادة السولار والكاز، بينما يحقق البنزين بشقيه أرباحا مرتفعة تصل الى 54 % على أوكتان 95 و 22 % على أوكتان 90 قبل رفع الأسعار، “نسبة الربح مبنية على أسعار تعويم المشتقات النفطية 2008 ” ومن الممكن أن تغطي هذه الأرباح الجزء الأهم من الدعم، ان لم نقل الدعم كاملا، وعلى الحكومة أن تثبت عكس ذلك بأرقام واضحة حول التكاليف الحقيقية للمشتقات النفطية والأرباح والخسائر المتحققة بشفافية عالية .
ثانيا: أما التهويل بالأرقام والمعلومات له تداعيات خطيرة فالتصريحات غير المتوازنة، سواء ما يتعلق بقضية الدينار وحماية سعر الصرف أمام العملات الاجنبية، أو الأرقام الفلكية االتي تناولها الرئيس حول عجز الموازنة “6.5” مليار، اي نسبة تصل الى 30 % من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة لم تصل لها دولة في العالم حتى اليونان التي وصلت الى حافة الافلاس. فاذا كان الهدف من هذه التصريحات خلق حالة من الرعب لارغام المواطنين على القبول برفع الأسعار، فان هذه التصريحات سوف تشكل ضررا فادحا للاقتصاد الوطني، فهي تقدم معلومات طاردة للمستثمرين، وأصحاب رؤوس الأموال، وتؤدي الى تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد الاردني ما يحرم الحكومة من الحصول على القروض خاصة وان سببا مهما من أسباب رفع الدعم تمكين الحكومة من الاقتراض الخارجي وفقا لما اورده الرئيس.
ثالثا : تناول الرئيس توجهات مستقبلية تنوي حكومته اتخاذها لمعالجة عجز الموازنة، ولم يعلن عن خطوة واحدة اتخذتها حكومته في هذا المجال، ألم تكن التوجهات الحكومية جدية وتستهدف معالجة الازمة المالية لو ابتدأت بحزمة الاجراءات وفي مقدمتها تخفيض نفقات الخزينة المدنية والعسكرية بنسبة لا تقل عن 15 % من قيمة موازنة الدولة ومؤسساتها باستثناء الرواتب والمعاشات ما يوفر للخزينة مليار دينار بحده الادنى، اضافة الى زيادة ايرادات الخزينة برفع رسوم التعدين للتخفيف من الغبن الذي لحق بالاقتصاد الوطني نتيجة الخسائر الفادحة المتحققة بسبب التخاصية، اضافة الى حق الدولة بتحصيل رسوم التعدين بشكل عادل كون شركات التعدين تقوم باستخراج وبيع ثروة أردنية، خاصة اذا ما علمنا ان عائدات الخزينة من رسوم التعدين 50 مليون دينار فقط. ودمج المؤسسات الخاصة، وتحقيق اصلاح ضريبي شامل يستند الى الضريبة التصاعدية “دخل ومبيعات” واسترداد اموال الشعب من الفاسدين، اضافة الى عدد من الاجراءات الاصلاحية التي سبق وتناولتها في دراسة خاصة لم يتسع المقال لذكرها .
 

بداية لا بد من تأكيد أهمية تخفيض عجز الموازنة، وتصويب تشوهات الهيكلة، وهذا يتطلب التخلي عن النهج السائد الذي أوصل البلاد الى الأزمة، واستغلال مناسبة طرح مشروع قانون موازنة 2013 للاستفادة من تجارب الماضي، فالبلاد تواجه ازمة متفاقمة ناجمة عن السياسات المالية والاقتصادية التي مارستها الحكومات المتعاقبة، رغم الانذارات التي صدرت من قبل العديد من اصحاب الرأي والمؤسسات البحثية والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بضرورة ضبط النفقات العامة وربط معدل نمو النفقات بنمو الايرادات بشكل عام، واعطاء الأولوية في الانفاق للعمل والصحة والتعليم، ومن ثم توزيع ما تبقى من ايرادات على مختلف الوزارات وفق الأولويات، آخذين بعين الاعتبار أن ايرادات الدولة محدودة ومتواضعة، وأن 86 % من الايرادات المحلية تأتي من جيوب المواطنين. ومع ذلك دأبت الحكومات على زيادة الانفاق العام الممول بالعجز، الذي تُجرى تغطيته بالقروض والمساعدات الخارجية. وقد اعتبرت الحكومة القروض والمساعدات جزءا من ايرادات الدولة، ما راكم مديونية مرتفعة، اصبحت تكلفتها أعلى من الدعم المعلن رسميا في الموازنة، كما أصبح كل طفل يولد اليوم مدين بقيمة 3500 دولار. واتجهت الحكومة في الآونة الأخيرة نحو القروض الخارجية بعد ما سحبت السيولة الداخلية من الأسواق المحلية ونافست القطاعات الاستثمارية، وللاقتراض الخارجي تكاليف سياسية يتولى صندوق النقد الدولي فرضها ومتابعتها.
أما المنح فهي غير ثابتة ومتذبذبة ولها أثمان سياسية باهظة تمس الكرامة الوطنية أحيانا، لذلك فهي تخضع لرؤية الجهات المانحة، فمن المعروف أن لا أحد يقدم هبات بلا مقابل. فعلى سبيل المثال ورد في موازنة 2012 منح أخرى بقيمة 700 مليون دينار، لم يحدد مصدرها وفق الأسلوب المتبع عادة، لم تأت هذه المساعدات لغاية الآن، وكان الاعتقاد السائد أنها ستأتي من دولة شقيقة… لذلك من الخطأ جدا اعتبار المساعدات والقروض جزءا من ايرادات الدولة، يتم توزيع الحصص على الوزارات وكأنها متحققة، وفي نهاية المطاف تتوجه الخزينة لجيوب المواطنين للخروج من الورطة، وفاء لالتزاماتها مع صندوق النقد الدولي بتخفيض عجز الموازنة، وتخفيض الدعم المزعوم.
أما قصة الدعم المزعوم تحتاج الى وقفة، يزعم رئيس الحكومة أن كل دينار ينفق من مواطن على البنزين تدعمه الخزينة بدينار آخر. وللأسف كرر الرئيس هذا التصريح في لقائه مع النقابات المهنية بعد ما أعلنه من على شاشة التلفزيون الأردني في برنامج ” ستون دقيقة ” بعد تشكيل حكومته بأيام. نرجو من دولته احترام عقول الأردنيين، الكل يعلم أن البنزين بشقيه يحقق أرباحا مرتفعة، وللأردنيين ذاكرة، ففي 8 شباط 2008 تم تعويم أسعار المشتقات النفطية وحددت الحكومة سعر البنزين بـ 0.575 و .0.660 فلسا للتر الواحد من أوكتان 90 و 95 على التوالي وكان سعر برميل النفط في حينه حوالي 100 دولار، يساوي الأسعار الحالية، ولنترك للحكومة احتساب نسبة الأرباح الخيالية التي تحققها الخزينة من فروقات أسعار المحروقات حاليا مع أسعار شباط 2008. وقد أعلنت الحكومة لاحقا إنها تحقق أرباحا من البنزين واستحدثت صندوق التحوط لتغطية العجز الحاصل من السولار والغاز من الأرباح المتحققة من البنزين. ومع ذلك يصر الرئيس أن البنزين مدعوم من الخزينة. اليس من حق المواطن ان يطلع على الحسابات الختامية لصندوق التحوط ..؟ اليس من حق المواطن ان يطلع بشفافية على طريقة احتساب المشتقات النفطية ونسبة الارباح التي تحققها الحكومة ؟
تبقى القضية المركزية المتعلقة بكيفية مواجهة الأزمة المالية المتفاقمة في البلاد، فهي قضية وطنية بامتياز، على المسؤولين الالتزام بالأفكار والاقتراحات التي تبنوها قبل وصولهم الى موقع المسؤولية، ومن باب التذكير هناك سلسلة من الاجراءات التي يمكن اتخاذها، دمج مؤسسات الدولة الخاصة، وتوحيد موازنات المؤسسات الخاصة مع الموازنة العامة للدولة، وزيادة رسوم التعدين، وتخفيض النفقات العامة للدولة المدنية والعسكرية، والتوقف عن الانفاق المظهري، وتطبيق سياسة تقشفية على النفقات الحكومية، والحد من هدر المال العام، واتخاذ اجراءات صارمة لتحقيق هذه الاهداف، واعتماد الضريبة التصاعدية على ضريبتي الدخل والمبيعات، قد يقال إن القوانين تحتاج الى برلمان لاقرارها، هذا صحيح لكن هذا المطلب مكرر من عدة سنوات… كما ان فرض ضريبة على المحروقات يحتاج الى مجلس نواب.
 

مع استمرار الحملة الانتخابية واحتدام المنافسة على ما يعرف بالولايات الحاسمة، وقبل أيام معدودات من الانتخابات، وفي ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد العالمي، نجح الديمقراطيون في تسجيل نقطة قد تكون مفيدة في السباق على كرسي الرئاسة، رغم منغصات اعصار ساندي الذي عطل الحياة في عدد من الولايات الأمريكية بما في ذلك الحملة الانتخابية، ناهيك عن حجم الخسائر والضحايا الناجمة عن هذا الاعصار الذي يشكل امتحانا عصيبا في وقت غير مناسب.
فقد أعلنت وزارة التجارة الأمريكية عن نمو في الاقتصاد الامريكي 2 % خلال الربع الثالث من العام الجاري. متجاوزا هذا النمو التوقعات السابقة المقدرة بحدود 1.8 %، ومع ذلك يتمتع المرشحان “أوباما ورومني” بثقة مطلقة في الوصول الى البيت الابيض. الا ان كرسي الرئاسة لا يستوعب الا احدهم. وبعيدا عن التنبؤات والمفاجآت فان تقرير وزارة التجارة الامريكية جاء في خدمة المرشح الديمقراطي، خاصة وان الاعلان عن تحسن النمو الاقتصادي جاء قبل 6 تشرين الثاني بايام معدودات، وقد بدأت الانتخابات المبكرة فعلا ، ومع ذلك نسبة النمو المعلنة على اهميتها الا انها لا تحدث تخفيضا ملموسا في معدلات البطالة التي ما زالت مرتفعة. علما أن الاقتصاد الامريكي يحتاج الى نمو يزيد على 2.5 % سنويا ليحقق نتائج ايجابية على صعيد البطالة .
واضح أن هذه النتائج جاءت بعد اجراءات استثنائية أقدمت عليها الادارة الامريكية، للتخفيف من حدة الأزمة، لكن هذه الاجراءات مؤقتة ولن تشكل أساسا متينا لكي يراكم الاقتصاد الامريكي عليها، فقد كلفت هذه الاجراءات عجزا في الموازنة يفوق التريليون دولار حوالي 7 % من الناتج المحلي الاجمالي، لن تستطيع الادارة الأمريكية دفع هذه الاثمان الباهظة لمواصلة سياسة تحفيز الاقتصاد، بمزيد من الاعفاءات الضريبية. فمن المعروف أن الادارة الجديدة أيا كانت ديمقراطية أم جمهورية ستبدأ تطبيق سياسة مالية جديدة مع بداية العام، تنطلق أساسا من زيادة الضرائب وتخفيض الانفاق على الخدمات العامة، وتراجع برنامج دعم وتحفيز الاقتصاد، لخفض عجز الموازنة، الذي سيؤثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادي، وقد حذرت شركات أمريكية من خفض الانفاق وزيادة الضرائب، خشية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحد، وفقا لما اكدته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية. كما اكد مكتب الموازنة بالكونغرس الامريكي، اضافة الى اقتصاديين في وول ستريت إن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق قد يؤدي إلى عودة الاقتصاد الأمريكي إلى الركود.
تأتي هذه التوقعات في ظل اقتصادات أوروبية آيلة للسقوط، خاصة في ظل العولمة الرأسمالية، فلم يعد ممكننا أن تعيش دولة أو اقليما بمعزل عن العالم، فالترابط الاقتصادي بين مختلف الدول الرأسمالية أصبح من أهم مظاهر سمة العصر، فمن المعروف أن الأزمة المالية والاقتصادية بدأت في الولايات المتحدة الامريكية الا أنها سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم في مختلف البلدان الراسمالية المتقدمة ، وانعكست اثارها على البلدان النامية، صحيح أن أمريكا تمكنت من تخفيف آثار الأزمة بفضل ضخ تريلونات الدولارات على حساب الاقتراض الذي فاقم المديونية التي وصلت الى حوالي 16 تريليون دولار. اضافة الى طباعة الاوراق المالية من دون ضوابط، وانتقلت الازمة الى الدولة التي اصبحت تعاني من الديون السيادية، في حين لم تخرج الاقتصاد الامريكي من ازمته، بل على العكس من ذلك فالاقتصاد الامريكي مرشح للدخول في ازمة جديدة مع بدء تطبيق سياسة التقشف.
أما أوروبا التي تعيش الأزمة بكامل تجلياتها، فهي تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية أزمة فيض الانتاج، فسياسة التقشف التي اتبعت في القارة الاوروبية ادت الى تفاقم الازمة، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، واتساع مساحات الفقر، وارتفاع عدد العاطلين من العمل، وزيادة المشردين، وما زال زعماء الاتحاد الاوروبي يبحثون عن مخرج للازمة وتحتل قضية الوحدة الاقتصادية جل اهتمامهم بهدف تعزيز الوحدة النقدية، وان كانت هناك تباينات واضحة بين الاطراف المعنية، ويتمحور الموقف الرئيسي لدى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالرقابة المركزية على الميزانيات الوطنية والإصلاحات الاقتصادية،كما تعارض ميركل بإصرار المشاركة في تحمل أعباء ديون والتزامات حكومات منطقة اليورو أو بنوكها سواء من خلال صندوق لسداد الديون أو إصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو أو وديعة مصرفية مشتركة كضمان، أو إجراء إعادة رسملة مباشرة بأثر رجعي للبنوك التي حصلت على مساعدة صندوق إنقاذ منطقة اليورو. ويلخص الموقف الالماني المعلن بشأن مستقبل منطقة اليورو هو معارضة المشاركة في تحمل الأعباء. وتشاركها في هذا الموقف هولندا وفنلندا.

باعلان الهيئة المستقلة عن موعد الانتخابات، يُطرح السؤال التالي، لماذا الانتخابات المبكرة .. ولماذا حكومة جديدة بقوام قديم .. ولماذا تشكيل خمس حكومات خلال عامين؟ درجت العادة في الديمقراطيات أن يستقيل البرلمان بشكل توافقي بين الكتل الكبيرة لاجراء انتخابات مبكرة، لتجنب أزمات سياسية، ناجمة عن خلافات برامجية، فالعودة الى الناخب الهدف منه تعزيز مكانة حزب او تجمع أحزاب أمام منافسيه لتمرير برامج سياسية، او اقتصادية او حسم قضايا خلافية.
لم نصل الى الدولة الديمقراطية التي تتمتع بمثل هذه المزايا، أما فكرة حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة جاءت على خلفية حاجة البلاد الى اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة للخروج من الأزمات، وكاستحقاق وطني لتحقيق المبدأ الدستوري: “الشعب مصدر السلطات” ، باجراء انتخابات حرة ونزيهة لتفويض ممثلين حقيقيين للشعب وتشكيل حكومة برلمانية تتبنى برامج وطنية في مختلف الميادين. والانتخابات النزيهة التي تعكس ارادة الشعب، لم تتحقق من خلال سلامة الاجراءات الادارية في الاعداد والتسجيل والتصويت وضمان عدم التزوير فحسب، إن وجدت هذه الشروط، بل ايضا بوجود قانون انتخاب ديمقراطي توافقي يسهم في تطوير الحياة السياسية، وليس قانونا اقصائيا بمقاسات محددة لتحجيم دور تيارات فكرية أو أحزاب سياسية.
جرب الشعب الأردني قانون الصوت الواحد المجزوء خلال العقدين الماضيين، فأوصل البلاد الى كارثة سياسية واقتصادية، تجلت مظاهرها بمصادرة الحريات العامة واصدار القوانين العرفية، وتفشي مظاهر الفساد في مختلف جوانب الحياة، نتيجة غياب الرقابة السياسية، وضعف الرقابة المالية والادارية، وتفاقم التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع مساحات الفقر، مقابل تمركز الثروة بأيدي حفنة من رجال ” البزنس” الذين تقاسموا ثروات البلاد مع الاحتكارات الأجنبية المتعددة الجنسيات، ومارسوا كافة أشكال الفساد السياسي والمالي والاداري، ومولوا النفقات العامة من جيوب الفقراء والطبقات الوسطى اضافة الى القروض، وأنفقوا بلا حساب على مشروعات لا تحتل أولوية، وأصدروا حزما من القوانين أسهمت بافقار المواطنين، من خلال سياسات ضريبية منحازة ضد الفقراء، ولصالح كبار التجار من وكلاء الشركات الأجنبية، والقطاعات المالية والمصرفية، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية بشكل مطلق، لفتح البلاد على مصاريعها أمام انسياب كافة السلع، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الاقتصاد الوطني، وخاصة القطاعات الانتاجية ” الصناعة والزراعة” والغت كافة اشكال الرقابة الحكومية على التجارة الداخلية، مطلقين ايدي التجار بالتحكم في غذاء وكساء ودواء المواطنين، وعرضت الامن الاقتصادي والاجتماعي لافدح الاخطار، واغرقت البلاد بالمديونية التي خرقت كل السقوف التي حددها قانون الدين العام، لتصل المديونية الى حوالي 70 % من الناتج المحلي الاجمالي.
رغم كافة الاجراءات سالفة الذكر تتوعد الحكومة بما يسمى برفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والخبز.. علما أن أسعار المشتقات النفطية تم تحريرها في 8 شباط عام 2008، وأن الأسعار الحالية للبنزين بشقيه أعلى بكثير من أسعار شباط 2008 ، والخزينة تحقق الآن أرباحا مرتفعة من أسعار البنزين بشقيه، أما أسعار السولار والكاز المحررة، فهي متقاربة مع الأسعار الحالية، علما أن سعر برميل النفط في تاريخ تحرير الأسعار هي أيضا متقاربة مع الأسعار الحالية، حوالي 100 دولار للبرميل. ومع ذلك تدعي الجهات الحكومية بتقديم دعم للبنزين، وجاء رفع أسعار المشتقات النفطية يوم 31 آب الماضي “قبل أن تتراجع عن قراراها نتيجة التحركات الشعبية الواسعة” بذريعة تخفيض الدعم.
يمكن الاستخلاص أننا أمام اعادة انتاج أزمات جديدة، سياسية واقتصادية، آخذين بعين الاعتبار عدم توفر مقومات مواجهة أزمات من هذا النوع بعد استنزاف قدرات وطاقات البلاد، وفي ظل ظروف اقليمية دقيقة وحساسة تستدعي موقفا صلبا، ولا تحتمل تكرار التجربة، وافرازاتها الخطيرة، خاصة وأننا نعيش في منطقة ملتهبة، فالاحتلال الصهيوني ابتلع معظم اراضي الضفة الغربية بالجدار والمستوطنات، ويتهيأ لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروعه الذي يستهدف الكيانين الفلسطيني والاردني، خاصة في ظل احتدام الصراع على السلطة في سورية، وتدمير بنيتها التحتية ومحاولة انهاء مكانتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفرض الشروط الصهيونية على الوطن العربي باكمله. صحيح أن البلاد بحاجة الى معجزة للخروج من عنق الزجاجة، الا ان هذه المعجزة ممكنة لسحب فتيل الازمة من خلال ما يتمتع به جلالة الملك من صلاحيات تؤهله لاتخاذ اجراء ما لاعادة البلاد إلى الاتجاه الصحيح .
 

الإجراءات التقشفية التي نفذتها الدول المتقدمة وخاصة مجموعة اليورو لمواجهة الأزمة ذهبت أدراج الرياح، هذه الإجراءات لم تنقذ اقتصادات متهاوية. فقد أعلن صندوق النقد الدولي عن تخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3,3%، ومن المتوقع أن تحقق اقتصادات الدول المتقدمة نسبة نمو 1.3% العام الحالي، مقارنة مع 1.6% في العام الماضي، أما منطقة اليورو فقد سجلت أكثر المناطق تراجعا في العالم، فمن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4% العام الحالي . وبذلك يتضح أن تراجعا ملحوظا في معدلات النمو الاقتصادي في البلدان المتقدمة سببه فشل برامج الإنقاذ الاستثنائية التي اتبعت بذريعة إخراج الاقتصاد العالمي من ازمته. وتحميل المواطنين أعباء الأزمة، التي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة معدلات التضخم، واتساع دائرة الفقر.
إن تأكيدات خبراء الاقتصاد الرأسمالي خلال الأعوام الماضية، بأن الاقتصاد العالمي قد تعافى من أزماته، والإفراط بالتفاؤل لم يكن له ما يبرره، والادعاء بأن العالم على أعتاب مرحلة جديدة، سمتها الأساسية الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية واليابان على وجه الخصوص، بالانتقال من الأزمة إلى الانتعاش وفق الدورة الاقتصادية، ورغم مرور عدة سنوات على الأزمة من دون حدوث للانفراج والدخول في مرحلة الانتعاش. فقد اعتقد الخبراء أن ظروفا موضوعية تحققت مع نهاية العام الماضي، سوف تشكل مدخلا لتحقيق انتعاش اقتصادي في عام 2012 ، لكن اغراق حكومات هذه الدول بالمديونية، رحّل الأزمة من أزمة مؤسسات مالية ومصرفية واحتكارات رأسمالية، إلى أزمة دول مثقلة بالديون، وبدلا من انتشال الغريق، اغرق المنقذ في مستنقع يصعب انتشاله إن لم تطرح أدوات جديدة للإنقاذ.
إن تباطؤ النمو الاقتصادي في العام الحالي، يمهد للدخول في حالة كساد، والأدوات المستخدمة في العلاج أصبحت جزءا من الأزمة في منطقة اليورو. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي لأسباب انتخابية رحّلت أزماتها إلى ما بعد الانتخابات، حيث ستبدأ الإدارة الجديدة بحزمة إجراءات اقتصادية بهدف تخفيض عجز الموازنة أبرزها، زيادة الضرائب وتخفيض الخدمات الصحية والاجتماعية، مما يسهم بتفاقم الأزمة على غرار ما يجرى في أوروبا. لقد اسهم هذا التراجع بانخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي، وترك آثارا ملموسة على نمو اقتصادات الدول الصاعدة كالصين والهند وروسيا والبرازيل، متأثرة بتراجع التجارة العالمية، خلال العام الحالي بنسبة 3.2% مقارنة مع 5.8% عام 2011 فمن المتوقع أن يسجل النمو الاقتصادي في الصين نسبة 7.7% هذا العام، وهو اقل معدل سجله الاقتصاد الصيني بتاريخه.
ليس هذا التقرير الأول الذي سجل تراجعا للاقتصاد الصيني، لكن استمرار التراجع يثير حالة من القلق في الأوساط الاقتصادية، فمن المعروف أن الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو قائد اقتصادات الدول الصاعدة والصورة المشرقة في الاقتصاد العالمي لخلق حالة من التوازن. فالنجاحات الباهرة التي حققها الاقتصاد الصيني باختراق أسواق العالم في ظل العولمة الرأسمالية لن تمر بلا ثمن، فللنجاح ضريبة، لا بد من دفعها. فقد نما الاقتصاد الصيني في ظل منافسته لاقتصادات الدول المتقدمة، وأصبح يعتمد بشكل كبير على الأسواق الخارجية، ومع استمرار حالة الركود الاقتصادي وتراجع الطلب في الأسواق العالمية وخاصة في منطقة الاتحاد الأوروبي التي تعتبر من أهم أسواق السلع الصينية، انعكس ذلك سلبا على الاقتصاد الصيني، إضافة إلى أن الاقتصاد الصيني ليس بعيدا عن قوانين الاقتصاد الرأسمالي، صحيح أن للدولة الصينية دورا بارزا ومميز في الاقتصاد، إلا أن ذلك لا يمنع نمو وتمركز الثروة بأيدي طبقة جديدة تشكلت في ظل الانفتاح الاقتصادي الذي تطبقه الصين، ناهيك عن وجود الاحتكارات الرأسمالية العملاقة متعددة الجنسيات التي تقيم استثماراتها في الصين، استنادا إلى أسلوب الإنتاج الرأسمالي، مما أدى ذلك إلى توسيع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية في الصين، الأمر الذي يتطلب توزيع الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتنشيط الطلب المحلي على السلع وتحريك الأسواق وزيادة الاعتماد على السوق الداخلي. إن السياسات الاقتصادية للنظام العالمي، تتحمل المسؤولية التاريخية لحالات الفقر والبطالة التي تسببت بمعاناة وآلام ملايين البشر، فقد تزامن تقرير صندوق النقد الدولي حول تراجع النمو الاقتصادي مع تقرير الأمم المتحدة حول الجوع الذي كشف عن وجود حوالي 870 مليون شخص يعانون من الجوع، وبمعدل واحد من بين ثمانية أشخاص يعاني من نقص الغذاء، والغالبية العظمى من الجياع هم من البلدان النامية ويقدر عددهم حوالي 852 مليون إنسان أي حوالي 15% من سكانها، بينما 16 مليون إنسان في البلدان المتقدمة يعانون من نقص الغذاء .