ألهب قرار الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية الشارع الذي يشهد حراكا سياسيا وشعبيا منذ مطلع العام الماضي، بهدف تحقيق اصلاحات سياسية ودستورية كخطوة على طريق الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. وبدلا من الاستجابة للمطالب الشعبية لتحقيق الاصلاحات لمواجهة الأزمات المركبة، أقدمت الحكومة على التأزيم بقرارها المجحف رفع اسعار المشتقات النفطية. ان الاجراء الحكومي المجتزأ بتحميل المواطنين اعباء الازمة المالية لا يشكل مخرجا للازمة، بل يدخل البلاد بأزمات جديدة، وقد جاء هذا الاجراء اذعانا لاملاءات صندوق النقد الدولي على خلفية حاجة الحكومة للاقتراض منه .
لم يكشف رئيس الوزراء سرا حين تحدث عن تفاقم عجز الموازنة وتنامي المديونية، بسبب تراجع الايرادات وزيادة النفقات، فالعجز الذي تعاني منه الخزينة ليس طارئا، وهو ثمرة السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، صحيح أن انقطاع الغاز المصري الذي تعتمد عليه الأردن بشكل رئيسي في توليد الكهرباء أسهم في تفاقم الأزمة، لكن نهج السياسات الاقتصادية هو المسؤول عن معاناة البلاد من الأزمات، حتى في قضية الغاز كان على الحكومة استدراك الموقف مبكرا وقبل وقوع الأزمة بتنويع مصادر الطاقة واستغلال الصخر الزيتي لتوليد الكهرباء، واستخدام الطاقة المتجددة، وحتى مع ظهور الأزمة منذ اكثر من عام كان باستطاعة الحكومة تدارك الموقف وبناء رصيف لاستدراج عروض للغاز المسال من مصادر اخرى، لكن غياب الشعور بالمسؤولية لدى اصحاب النهج السائد وغياب مجالس نيابية تعكس ارادة الشعب، نتيجة التزوير ادى الى تردي الأوضاع الاقتصادية، وانفلات النفقات العامة للحكومة .
فقد أظهرت الموازنة العامة للحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة، للعام الحالي 2012 بعد اقرارها من مجلس الامة كما جاءت من الحكومة من دون تعديل في نهاية شباط الماضي بوجود عجز قدره حوالي 2757 مليون دينار، كما قدرت الايرادات المحلية بحوالي 5625 مليون دينار. على افتراض ان الايرادات المحلية سوف تنمو 17% وبقيمة قدرت بحوالي 900 مليون دينار مقارنة مع عام 2011، من دون الاستناد الى معطيات علمية لتحقيق هذا النمو، فالنمو الاقتصادي المتوقع للعام الحالي لا يتجاوز 2.4% كيف يمكن تحقيق نمو في الايرادات بنسبة كهذه ..؟ الا اذا اقدمت الحكومة على فرض ضرائب جديدة وهذا ما فعلته الان وباعتراف رئيسها انها تفرض ضرائب على المشتقات النفطية تصل الى 40 %، ومن المفترض انها تغطي العجز المتحقق في الديزل والغاز المنزلي الامر الذي لا يبرر بحال من الاحوال رفع الاسعار. علما ان النسبة الحقيقية للضرائب تصل الى حوالي 53 %. مع الاشارة هنا الى ان سياسة زيادة الضرائب غير المباشرة وخاصة على المشتقات النفطية تعتبر سياسة انكماشية تسهم بشكل مباشر في تباطؤ النمو الاقتصادي، وتضعف القدرة التنافسية للاقتصاد الاردني، في ظل سياسة الاسواق المفتوحة التي تنتهجها الدولة، فالاثار الجانبية لرفع الاسعار تتجاوز حدود التعويضات التي يجرى الحديث عنه فالقضية لا تمس المواطنين فحسب، بل والاقتصاد الاردني عامة. وقد بدأت الاثار السلبية بالظهور في الاسواق المحلية من تراجع الطلب على السلع. وقد حاولت الحكومة تسويق قرارها تحت ذريعة ايصال الدعم لمستحقيه، بتحويل دعم نقدي لبعض الفئات الاجتماعية، ومن غير المتوقع ان تكون للدعم النقدي اثار ايجابية على الفئات الشعبية، فالدعم النقدي المعلن متواضع جدا، ولا تتمتع هذه الحكومة كغيرها من الحكومات المتعاقبة بثقة المواطنين لعدم استمرار الدعم وفقا للتجارب الماضية.
ان تحميل الفئات الشعبية اعباء الازمة المالية والاقتصادية دفعت الجماهير الشعبية إلى النزول الى الشارع للمطالبة بالتراجع عن القرارات الحكومية، خاصة وان بوسع الحكومة الاقدام على حزمة اجراءات تسهم بتخفيض عجز الموازنة بعيدا عن جيوب الفقراء، كالغاء ودمج المؤسسات الحكومية بالوزارات وتطبيق اعادة الهيكلة بتخفيض الانفاق وإلغاء الامتيازات غير المبررة الممنوحة لكبار الموظفين، وليس باجراءات ادارية فحسب وبطريقة استعراضية كما اعلن الرئيس. مع الاهتمام باستثمار الموارد الطبيعية بوجه افضل، فالاردن لا يعاني من افتقار الموارد بقدر معاناته من سوء استخدامها. وتحويل الاقتصاد الاردني من اقتصاد ريعي الى اقتصاد انتاجي. و تعزيز وتطوير أجهزة الرقابة لسد منابع الفساد المالي والإداري، ومحاسبة الفاسدين، واسترداد اموال الشعب المنهوبة.
اضافة الى كل ذلك ان الحكومة الحالية حكومة انتقالية تشكلت للقيام بمهمة محددة لا يمتد عمرها الى اكثر من ثلاثة أشهر للاشراف على الانتخابات، ولم تحصل على تفويض من الشعب او ممثليه لاتخاذ اجراءات كهذه، ولا تملك برنامجا متكاملا لمعالجة الازمة المالية والاقتصادية، وليس من حقها الدخول إلى جيوب المواطنين .
 

لم يفاجأ المواطن الأردني من التوجهات الحكومية برفع الأسعار، بقدر مفاجأته بحجم الرفع غير المسبوق، فقد شكل قرار الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية 54 % للغاز المنزلي، و33 % للكاز والسولار، و 14 % للبنزين. صدمة عنيفة للشرائح الاجتماعية خاصة ذوي الدخل المحدود، وهم يشكلون غالبية الشعب الأردني، فقد مهد الرئيس لقراره بجولات ولقاءات وتصريحات غير مقنعة بحال من الأحوال، كون الاجراءات المتعلقة بتخفيض عجز الموازنة مجزوءة واستهدفت جيوب الفقراء، وتفتقر للموضوعية والشفافية. كان القرار مفاجئا بحجمه وأعبائه الثقيلة على المواطنين، ألم يدرك الرئيس أن قرارا كهذا لن يمر من دون ردود أفعال واسعة. ومما يزيد من حدة القرار وآثاره على المواطنين أنه جاء في بداية فصل الشتاء القارس، الا يعتقد الرئيس أن اجراء كهذا سيشعل غضبا شعبيا عارما يضع علامات استفهام حول مدى الحكمة من قرارات تدفع البلاد نحو انفجار اجتماعي غير محسوب النتائج. خاصة وأن رئيس الحكومة استخدم بعض المعلومات التي تفتقر للدقة في تسويق وتبرير القرار، ويمكن ملاحظة ما يلي:
أولا: ينبغي التدقيق في قضية الدعم وحجمه وقيمة المبالغ التي ستوفرها الخزينة مقابل قرار متهور غير مدروس عرض الأمن الاجتماعي للخطر، فقد اعتقدت الحكومة أن قرارا كهذا سوف ينقذ المالية العامة للدولة، في الوقت الذي يتحدث الرئيس عن عجز مالي في موازنة الدولة ومؤسساتها الخاصة بقيمة 6.5 مليار دينار لموازنة قيمتها 9.5 مليار دينار..! ورغم التهويل في الأرقام، الا أن البلاد تمر بأزمة مالية واقتصادية حادة وهي ثمرة سياسات الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية، ولا نستطيع أن نتعامل مع هذه الحكومات بالقطعة، وقد سبق وحذرنا في هذه الزاويه عشرات المرات من مخاطر هذا النهج الذي أوصل البلاد الى مرحلة خطيرة. ومع ذلك دعونا نرى حجم الدعم الحقيقي الذي يصل للمواطنين، هناك دعم جزئي للمشتقات النفطية ينحصر بدعم أسطوانة الغاز، ودعم طفيف لمادة السولار والكاز، بينما يحقق البنزين بشقيه أرباحا مرتفعة تصل الى 54 % على أوكتان 95 و 22 % على أوكتان 90 قبل رفع الأسعار، “نسبة الربح مبنية على أسعار تعويم المشتقات النفطية 2008 ” ومن الممكن أن تغطي هذه الأرباح الجزء الأهم من الدعم، ان لم نقل الدعم كاملا، وعلى الحكومة أن تثبت عكس ذلك بأرقام واضحة حول التكاليف الحقيقية للمشتقات النفطية والأرباح والخسائر المتحققة بشفافية عالية .
ثانيا: أما التهويل بالأرقام والمعلومات له تداعيات خطيرة فالتصريحات غير المتوازنة، سواء ما يتعلق بقضية الدينار وحماية سعر الصرف أمام العملات الاجنبية، أو الأرقام الفلكية االتي تناولها الرئيس حول عجز الموازنة “6.5” مليار، اي نسبة تصل الى 30 % من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة لم تصل لها دولة في العالم حتى اليونان التي وصلت الى حافة الافلاس. فاذا كان الهدف من هذه التصريحات خلق حالة من الرعب لارغام المواطنين على القبول برفع الأسعار، فان هذه التصريحات سوف تشكل ضررا فادحا للاقتصاد الوطني، فهي تقدم معلومات طاردة للمستثمرين، وأصحاب رؤوس الأموال، وتؤدي الى تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد الاردني ما يحرم الحكومة من الحصول على القروض خاصة وان سببا مهما من أسباب رفع الدعم تمكين الحكومة من الاقتراض الخارجي وفقا لما اورده الرئيس.
ثالثا : تناول الرئيس توجهات مستقبلية تنوي حكومته اتخاذها لمعالجة عجز الموازنة، ولم يعلن عن خطوة واحدة اتخذتها حكومته في هذا المجال، ألم تكن التوجهات الحكومية جدية وتستهدف معالجة الازمة المالية لو ابتدأت بحزمة الاجراءات وفي مقدمتها تخفيض نفقات الخزينة المدنية والعسكرية بنسبة لا تقل عن 15 % من قيمة موازنة الدولة ومؤسساتها باستثناء الرواتب والمعاشات ما يوفر للخزينة مليار دينار بحده الادنى، اضافة الى زيادة ايرادات الخزينة برفع رسوم التعدين للتخفيف من الغبن الذي لحق بالاقتصاد الوطني نتيجة الخسائر الفادحة المتحققة بسبب التخاصية، اضافة الى حق الدولة بتحصيل رسوم التعدين بشكل عادل كون شركات التعدين تقوم باستخراج وبيع ثروة أردنية، خاصة اذا ما علمنا ان عائدات الخزينة من رسوم التعدين 50 مليون دينار فقط. ودمج المؤسسات الخاصة، وتحقيق اصلاح ضريبي شامل يستند الى الضريبة التصاعدية “دخل ومبيعات” واسترداد اموال الشعب من الفاسدين، اضافة الى عدد من الاجراءات الاصلاحية التي سبق وتناولتها في دراسة خاصة لم يتسع المقال لذكرها .
 

بداية لا بد من تأكيد أهمية تخفيض عجز الموازنة، وتصويب تشوهات الهيكلة، وهذا يتطلب التخلي عن النهج السائد الذي أوصل البلاد الى الأزمة، واستغلال مناسبة طرح مشروع قانون موازنة 2013 للاستفادة من تجارب الماضي، فالبلاد تواجه ازمة متفاقمة ناجمة عن السياسات المالية والاقتصادية التي مارستها الحكومات المتعاقبة، رغم الانذارات التي صدرت من قبل العديد من اصحاب الرأي والمؤسسات البحثية والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بضرورة ضبط النفقات العامة وربط معدل نمو النفقات بنمو الايرادات بشكل عام، واعطاء الأولوية في الانفاق للعمل والصحة والتعليم، ومن ثم توزيع ما تبقى من ايرادات على مختلف الوزارات وفق الأولويات، آخذين بعين الاعتبار أن ايرادات الدولة محدودة ومتواضعة، وأن 86 % من الايرادات المحلية تأتي من جيوب المواطنين. ومع ذلك دأبت الحكومات على زيادة الانفاق العام الممول بالعجز، الذي تُجرى تغطيته بالقروض والمساعدات الخارجية. وقد اعتبرت الحكومة القروض والمساعدات جزءا من ايرادات الدولة، ما راكم مديونية مرتفعة، اصبحت تكلفتها أعلى من الدعم المعلن رسميا في الموازنة، كما أصبح كل طفل يولد اليوم مدين بقيمة 3500 دولار. واتجهت الحكومة في الآونة الأخيرة نحو القروض الخارجية بعد ما سحبت السيولة الداخلية من الأسواق المحلية ونافست القطاعات الاستثمارية، وللاقتراض الخارجي تكاليف سياسية يتولى صندوق النقد الدولي فرضها ومتابعتها.
أما المنح فهي غير ثابتة ومتذبذبة ولها أثمان سياسية باهظة تمس الكرامة الوطنية أحيانا، لذلك فهي تخضع لرؤية الجهات المانحة، فمن المعروف أن لا أحد يقدم هبات بلا مقابل. فعلى سبيل المثال ورد في موازنة 2012 منح أخرى بقيمة 700 مليون دينار، لم يحدد مصدرها وفق الأسلوب المتبع عادة، لم تأت هذه المساعدات لغاية الآن، وكان الاعتقاد السائد أنها ستأتي من دولة شقيقة… لذلك من الخطأ جدا اعتبار المساعدات والقروض جزءا من ايرادات الدولة، يتم توزيع الحصص على الوزارات وكأنها متحققة، وفي نهاية المطاف تتوجه الخزينة لجيوب المواطنين للخروج من الورطة، وفاء لالتزاماتها مع صندوق النقد الدولي بتخفيض عجز الموازنة، وتخفيض الدعم المزعوم.
أما قصة الدعم المزعوم تحتاج الى وقفة، يزعم رئيس الحكومة أن كل دينار ينفق من مواطن على البنزين تدعمه الخزينة بدينار آخر. وللأسف كرر الرئيس هذا التصريح في لقائه مع النقابات المهنية بعد ما أعلنه من على شاشة التلفزيون الأردني في برنامج ” ستون دقيقة ” بعد تشكيل حكومته بأيام. نرجو من دولته احترام عقول الأردنيين، الكل يعلم أن البنزين بشقيه يحقق أرباحا مرتفعة، وللأردنيين ذاكرة، ففي 8 شباط 2008 تم تعويم أسعار المشتقات النفطية وحددت الحكومة سعر البنزين بـ 0.575 و .0.660 فلسا للتر الواحد من أوكتان 90 و 95 على التوالي وكان سعر برميل النفط في حينه حوالي 100 دولار، يساوي الأسعار الحالية، ولنترك للحكومة احتساب نسبة الأرباح الخيالية التي تحققها الخزينة من فروقات أسعار المحروقات حاليا مع أسعار شباط 2008. وقد أعلنت الحكومة لاحقا إنها تحقق أرباحا من البنزين واستحدثت صندوق التحوط لتغطية العجز الحاصل من السولار والغاز من الأرباح المتحققة من البنزين. ومع ذلك يصر الرئيس أن البنزين مدعوم من الخزينة. اليس من حق المواطن ان يطلع على الحسابات الختامية لصندوق التحوط ..؟ اليس من حق المواطن ان يطلع بشفافية على طريقة احتساب المشتقات النفطية ونسبة الارباح التي تحققها الحكومة ؟
تبقى القضية المركزية المتعلقة بكيفية مواجهة الأزمة المالية المتفاقمة في البلاد، فهي قضية وطنية بامتياز، على المسؤولين الالتزام بالأفكار والاقتراحات التي تبنوها قبل وصولهم الى موقع المسؤولية، ومن باب التذكير هناك سلسلة من الاجراءات التي يمكن اتخاذها، دمج مؤسسات الدولة الخاصة، وتوحيد موازنات المؤسسات الخاصة مع الموازنة العامة للدولة، وزيادة رسوم التعدين، وتخفيض النفقات العامة للدولة المدنية والعسكرية، والتوقف عن الانفاق المظهري، وتطبيق سياسة تقشفية على النفقات الحكومية، والحد من هدر المال العام، واتخاذ اجراءات صارمة لتحقيق هذه الاهداف، واعتماد الضريبة التصاعدية على ضريبتي الدخل والمبيعات، قد يقال إن القوانين تحتاج الى برلمان لاقرارها، هذا صحيح لكن هذا المطلب مكرر من عدة سنوات… كما ان فرض ضريبة على المحروقات يحتاج الى مجلس نواب.
 

مع استمرار الحملة الانتخابية واحتدام المنافسة على ما يعرف بالولايات الحاسمة، وقبل أيام معدودات من الانتخابات، وفي ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد العالمي، نجح الديمقراطيون في تسجيل نقطة قد تكون مفيدة في السباق على كرسي الرئاسة، رغم منغصات اعصار ساندي الذي عطل الحياة في عدد من الولايات الأمريكية بما في ذلك الحملة الانتخابية، ناهيك عن حجم الخسائر والضحايا الناجمة عن هذا الاعصار الذي يشكل امتحانا عصيبا في وقت غير مناسب.
فقد أعلنت وزارة التجارة الأمريكية عن نمو في الاقتصاد الامريكي 2 % خلال الربع الثالث من العام الجاري. متجاوزا هذا النمو التوقعات السابقة المقدرة بحدود 1.8 %، ومع ذلك يتمتع المرشحان “أوباما ورومني” بثقة مطلقة في الوصول الى البيت الابيض. الا ان كرسي الرئاسة لا يستوعب الا احدهم. وبعيدا عن التنبؤات والمفاجآت فان تقرير وزارة التجارة الامريكية جاء في خدمة المرشح الديمقراطي، خاصة وان الاعلان عن تحسن النمو الاقتصادي جاء قبل 6 تشرين الثاني بايام معدودات، وقد بدأت الانتخابات المبكرة فعلا ، ومع ذلك نسبة النمو المعلنة على اهميتها الا انها لا تحدث تخفيضا ملموسا في معدلات البطالة التي ما زالت مرتفعة. علما أن الاقتصاد الامريكي يحتاج الى نمو يزيد على 2.5 % سنويا ليحقق نتائج ايجابية على صعيد البطالة .
واضح أن هذه النتائج جاءت بعد اجراءات استثنائية أقدمت عليها الادارة الامريكية، للتخفيف من حدة الأزمة، لكن هذه الاجراءات مؤقتة ولن تشكل أساسا متينا لكي يراكم الاقتصاد الامريكي عليها، فقد كلفت هذه الاجراءات عجزا في الموازنة يفوق التريليون دولار حوالي 7 % من الناتج المحلي الاجمالي، لن تستطيع الادارة الأمريكية دفع هذه الاثمان الباهظة لمواصلة سياسة تحفيز الاقتصاد، بمزيد من الاعفاءات الضريبية. فمن المعروف أن الادارة الجديدة أيا كانت ديمقراطية أم جمهورية ستبدأ تطبيق سياسة مالية جديدة مع بداية العام، تنطلق أساسا من زيادة الضرائب وتخفيض الانفاق على الخدمات العامة، وتراجع برنامج دعم وتحفيز الاقتصاد، لخفض عجز الموازنة، الذي سيؤثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادي، وقد حذرت شركات أمريكية من خفض الانفاق وزيادة الضرائب، خشية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحد، وفقا لما اكدته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية. كما اكد مكتب الموازنة بالكونغرس الامريكي، اضافة الى اقتصاديين في وول ستريت إن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق قد يؤدي إلى عودة الاقتصاد الأمريكي إلى الركود.
تأتي هذه التوقعات في ظل اقتصادات أوروبية آيلة للسقوط، خاصة في ظل العولمة الرأسمالية، فلم يعد ممكننا أن تعيش دولة أو اقليما بمعزل عن العالم، فالترابط الاقتصادي بين مختلف الدول الرأسمالية أصبح من أهم مظاهر سمة العصر، فمن المعروف أن الأزمة المالية والاقتصادية بدأت في الولايات المتحدة الامريكية الا أنها سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم في مختلف البلدان الراسمالية المتقدمة ، وانعكست اثارها على البلدان النامية، صحيح أن أمريكا تمكنت من تخفيف آثار الأزمة بفضل ضخ تريلونات الدولارات على حساب الاقتراض الذي فاقم المديونية التي وصلت الى حوالي 16 تريليون دولار. اضافة الى طباعة الاوراق المالية من دون ضوابط، وانتقلت الازمة الى الدولة التي اصبحت تعاني من الديون السيادية، في حين لم تخرج الاقتصاد الامريكي من ازمته، بل على العكس من ذلك فالاقتصاد الامريكي مرشح للدخول في ازمة جديدة مع بدء تطبيق سياسة التقشف.
أما أوروبا التي تعيش الأزمة بكامل تجلياتها، فهي تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية أزمة فيض الانتاج، فسياسة التقشف التي اتبعت في القارة الاوروبية ادت الى تفاقم الازمة، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، واتساع مساحات الفقر، وارتفاع عدد العاطلين من العمل، وزيادة المشردين، وما زال زعماء الاتحاد الاوروبي يبحثون عن مخرج للازمة وتحتل قضية الوحدة الاقتصادية جل اهتمامهم بهدف تعزيز الوحدة النقدية، وان كانت هناك تباينات واضحة بين الاطراف المعنية، ويتمحور الموقف الرئيسي لدى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالرقابة المركزية على الميزانيات الوطنية والإصلاحات الاقتصادية،كما تعارض ميركل بإصرار المشاركة في تحمل أعباء ديون والتزامات حكومات منطقة اليورو أو بنوكها سواء من خلال صندوق لسداد الديون أو إصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو أو وديعة مصرفية مشتركة كضمان، أو إجراء إعادة رسملة مباشرة بأثر رجعي للبنوك التي حصلت على مساعدة صندوق إنقاذ منطقة اليورو. ويلخص الموقف الالماني المعلن بشأن مستقبل منطقة اليورو هو معارضة المشاركة في تحمل الأعباء. وتشاركها في هذا الموقف هولندا وفنلندا.