قرار رفع عدد المؤسسين للحزب من 50 الى 500 عضو تحت دعوى تمركز التيارات الفكرية والسياسية باحزاب رئيسية, لا يساعد الحركة السياسية على اقامة احزاب كبيرة, ولا يسهم في تحقيق الاصلاح السياسي المنشود, وجود قانون انتخابات يعتمد صوت للدائرة وصوت للقائمة النسبية, احد اهم اشكال الاصلاح السياسي, وبناء الحياة الحزبية, بالاضافة الى اهمية وجود حوافز, مثل تمويل للأحزاب مرتبط بحجم العضوية, وبعدد الاصوات الحاصل عليها الحزب في الانتخابات النيابية والبلدية.

ان ضعف الحركة الوطنية الاردنية والهوة الواسعة بينها وبين الجماهير, والخلل الخطير الذي احدثه ذلك في موازين القوى, كان سببا رئيسيا لتخلص السلطة من استحقاقات المرحلة الديمقراطية, ومن الاصلاحات السياسية والاقتصادية, بالاضافة الى ما رافق توقيع معاهدة وادي عربة من اجراءات وتراجعات عن التوجهات الديمقراطية, حيث قامت الحكومة بحل البرلمان, واصدار قانون الصوت الواحد, والعديد من القوانين الاستثنائية والعرفية.

رب قائل يقول ان مرور خمسة عشر عاما على ترخيص الاحزاب السياسية واصدار صحافة حزبية, اليس كافيا لخروج الاحزاب من ازمتها? هذا صحيح لكن لا بد من الاشارة الى ان الحركة الوطنية الاردنية تعرضت لحملات من القمع والتنكيل والاعتقال والارهاب على مدى عدة عقود سابقة, واستخدمت كافة الوسائل لمحاربتها واضعافها, وقد  ترك ذلك آثارا على الثقافة السائدة في المجتمع باعتبار العمل الحزبي خارج القانون, يعاقب كل من يمارسه, وبقيت القناعة لدى المواطن بأن النشاط الحزبي عمل غير شرعي, بسبب بعض الممارسات التي تنتمي لمرحلة الاحكام العرفية, مما يفسر عزوف المواطنين عن المساهمة في العمل الحزبي.

لقد تركت التبدلات والمتغيرات الدولية بصماتها على مختلف حركات التحرر الوطني والاجتماعي, وهذا يفترض ان تترك اثارها على نمط تفكير الحركة الوطنية الاردنية, والانطلاق من الواقع الملموس, لطرح تصورات جديدة, ورؤية سياسية موضوعية استنادا لخصوصية الواقع المحلي وبمنهج علمي, وحفز وتشجيع المفكرين والمثقفين في بلادنا على انتاج المعرفة مما يشكل مقدمات ضرورية لانضاج وتطور مشروعنا الوطني الديمقراطي, صحيح ان الديمقراطية هي نتاج تطور انساني عبر عصور, وهي ملك للبشرية جمعاء, لكننا لسنا بحاجة لاسقاط حصيلة ما توصل اليه النظام الرأسمالي على بلادنا, وخاصة مع دخول مرحلة العولمة الرأسمالية والليبرالية الجديدة الرأسمالية المتوحشة“, لا بد من تحقيق ديمقراطية سياسية واجتماعية وتنموية على اسس جديدة تتوافق مع المعطيات في بلادنا, ومع مستوى تطور القوى المنتجة, والوعي الاجتماعي, آخذين الاعتبار اهمية الاستفادة من تجارب الشعوب, اعتقد ان الامر المهم في هذه المرحلة كيف يمكن التقدم بصيغة فكرية وسياسية تنطلق اساسا من التعرف على خصائص المجتمع المحلي, وتضع برنامجا وطنيا يعتمد على الذات اولا لمواجهة الازمات الاقتصادية والاجتماعية, ضمن منظور يراعي تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية, وهذا يقتضي وجود حركة سياسية تقترب من هموم وآلام المواطنين, فالقضية المركزية انتشال الغالبية العظمى من ابناء المجتمع الاردني من آثار الازمات الاقتصادية, الناجمة عن اغراق البلاد بالمديونية, والتخلص من الاجراءات والتدابير الانكماشية التي دفعت ثمنها الفئات والشرائح الدنيا والمتوسطة من ابناء المجتمع. مع التأكيد ان برنامجا كهذا لا يمكن تحقيقه بمعزل عن رؤية وافق عربي متكامل, ضمن منظور تنموي حضاري, لمواجهة التحدي الصهيوني الامبريالي, حركة سياسية من هذا الطراز من الممكن ان تكون قادرة على اجتذاب الجماهير, وهي في نفس الوقت تمثل جامعا مشتركا بين مختلف اطراف الحركة الوطنية في هذه المرحلة لبناء رافعة سياسية ينضوي تحت لوائها الالاف وليس المئات كما يطلب القانون الجديد.

شكلت احداث نيسان لعام 1989 منعطفا تاريخيا ادخل البلاد مرحلة جديدة, اتسمت برفع الاحكام العرفية, وترخيص الاحزاب السياسية, جاءت التحركات الشعبية تعبيرا عفويا عن ارادة الشعب الاردني في التصدي لنهج وسياسة الحكومات المتعاقبة, التي ادت الى انفجار الازمة الاقتصادية نتيجة اغراق البلاد بالمديونية, وتعبيرا صادقا عن رفض الجماهير الشعبية في تحمل آثار الازمة الاقتصادية, ورفض للسياسة التي مورست عبر سنوات طوال من الاحكام العرفية, وعلى الرغم من الهبة الشعبية الواسعة التي انطلقت من الجنوب واتسعت لتشمل كافة انحاء البلاد الا ان الحركة الوطنية الاردنية لم تكن بوضع يسمح لها بالاستفادة من هذه الحركة الشعبية الجماهيرية العريضة, باتجاه تطويرها والوصول لنتائج افضل في مجال الاصلاح السياسي وتحقيق الديمقراطية.
كان امام السلطة خياران لمواجهة الازمة الاول مواصلة سياساتها العرفية, والتصدي لكافة التحركات الشعبية, الا ان هذا التوجه كان مشروطا بنجاحها في الحصول على مساعدات عربية واجنبية لمواجهة الازمة الاقتصادية الحادة التي اكتوى بنارها الشعب الاردني عامة والفئات الشعبية على وجه الخصوص, فوجدت الحكومة نفسها وجها لوجه امام فئات شعبية مسحوقة, وفشلت المحاولات للحصول على مساعدات اضافية لمواجهة الازمة, ووصل هذا الخيار الى طريق مسدود مما ادى الى اقالة الحكومة باعتبارها المسؤولة عن الازمة الاقتصادية, والتوجه نحو الخيار الآخر الذي انطلق من فكرة اعادة الحياة الدستورية للبلاد, واجراء انتخابات نيابية واصدار قانون لترخيص الاحزاب السياسية والافراج عن المعتقلين, وتحميل المجتمع بأكمله مسؤولية الخروج من الازمة الاقتصادية, والتعامل معها كأمر واقع, واحتواء الحركة الشعبية وامتصاصها.
تزامنت عودة الحياة الدستورية للبلاد واجراء الانتخابات النيابية والغاء الاحكام العرفية وصدور قانون الاحزاب السياسية مع المتغيرات الكبيرة التي شهدها العالم في العقد الاخير من القرن الماضي والمتمثلة بانهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط انظمة الحكم في شرق اوروبا وانهيار الانظمة الشمولية, وقد اعتقد البعض ان رياح التغيير التي شهدها العالم في شرق اوروبا, تمثل ظاهرة ايجابية يمكن الاستناد اليها بأحداث تطورات ملموسة باتجاه الديمقراطية في بلادنا, الا ان ذلك لم يحدث, واستبدلت الانظمة الشمولية بأنظمة ليبرالية مع ميل عام نحو الديكتاتورية احيانا, وادت هذه السياسات الى افقار شعوب هذه البلدان, كما رضخت معظم هذه الدول لشروط الامبريالية الامريكية, وتحولت بلادهم الى قواعد عسكرية للامريكيين.
في ظل هذه الظروف الدولية والاقليمية والمحلية جرى الانفتاح السياسي في البلاد, وتشكلت المرحلة الجديدة وتم الغاء الاحكام العرفية, واجراء الانتخابات النيابية, الا ان صدور قانون الصوت الواحد للانتخابات النيابية, شكل حالة ارتداد عن التوجه الديمقراطي, حيث افرز هذا القانون برلمانات صادقت على المعاهدات واصدرت القوانين المقيدة للحريات العامة, وكان آخر انجازات هذه المجالس اصدار قانون جائر بحق الصحافة يتضمن عقوبة الحبس للصحافيين.

كان للجهد المميز لديوان الخدمة المدنية الاثر الاكبر على النتائج المعلنة في اعادة هيكلة نظام الخدمة المدنية, التي وضعت سلما تصاعديا للرواتب يتناسب مع الفئة والدرجة وطبيعة الوظائف والمؤهلات والخبرات, كما يقول رئيس الديوان مازن الساكت, وعالج وضع 23 الف موظف يتقاضون رواتب اقل مما يتقاضونه من هم ادنى منهم في الدرجات, ان خطوة كهذه في مجال الاصلاح تسهم بلا شك في معالجة التشوهات الهيكلية في نظام الرواتب الحالي المسؤول عن تدني نسبة الرواتب الاساسية وطغيان صيغة العلاوات لبعض الفئات على حساب الراتب الاساسي, وتؤدي في نهاية المطاف الى انخفاض قيمة الرواتب التقاعدية للموظفين الذين يقضون زهرة شبابهم في الوظيفة الحكومية.