القمة الاقتصادية العربية
لم تأت القمة الاقتصادية الثالثة في الرياض باجراءات ملموسة تُحدث تأثيرا مباشرا في العلاقات الاقتصادية العربية- العربية، التي تعاني من ضعف شديد، فالقرارات الصادرة عن القمة لا تشكل جرعة مناسبة لتنشيط هذه العلاقات، رغم التصريحات الصادرة من الأمين العام للجامعة العربية التي جاءت في مجال ترويج نتائج القمة، بما وصفه بالحرص على التعامل مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية من منظور شامل وتفعيل مسيرة التكامل الاقتصادي وإزالة المعوقات التي تعترضها، بما في ذلك استكمال منطقة التجارة الحرة واتمام متطلبات الاتحاد الجمركي. واستثمار الموارد البشرية والطبيعية ورؤوس الأموال التي يزخر بها عالمنا العربي، كلام جميل لكنه ليس اكثر من امنيات لمستقبل اقتصادات البلدان العربية، اما قرارات القمة الاقتصادية لا تحمل خطوات محددة نحو بناء منظومة اقتصادية تستثمر الطاقات والامكانات العربية في مواجهة تحديات العصر.
لست معنيا بالتقليل من أهمية قرارات الدورة الثالثة للقمة الاقتصادية العربية، أو التهويل والتبجيل لها، الا أن قراءة موضوعية لهذه القرارات تكشف بوضوح عمق الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعيشها النظام العربي، فالسمة الغالبة للواقع العربي، حالة الانقسام والصراع السياسي وبروز محاور غير مبدئية لا تحتكم لمصالح الأمة العربية وأهدافها في الحرية والانعتاق، والتصدي للأطماع الصهيونية، فقد برزت عدة محاور تصب في نهاية المطاف بمصالح الاحتكارات الرأسمالية والدول الاستعمارية والأطماع الصهيونية. أما الجامع المشترك بين معظم أطراف النظام العربي توجسه خيفة من حركة الجماهير الشعبية التي انطلقت من تونس وعمت معظم الأقطار العربية، وهم يخشون من أي مشروع اقتصادي اجتماعي يسهم في بلورة وعي اجتماعي يهدد مصالح الفئات الطفيلية التي تمتص خيرات الوطن وتعيث فسادا في الأرض، في ظل ثورات تعبر عن رفض المواطن العربي لشروط الاذعان التي فرضت من أنظمة بوليسية، فالنظام الفاقد للشرعية الديمقراطية ويحرم مواطنيه من أبسط الحقوق الانسانية التي أقرتها المواثيق الدولية، لن يستطيع الولوج نحو اقتصاد انتاجي قادر على منافسة اقتصادات عملاقة في ظل العولمة الرأسمالية. وتحويل اقتصادات عربية ريعية الى اقتصادات انتاجية، تسهم في معالجة قضايا الفقر والبطالة، وتحقيق تنمية مستدامة. من أولى شروط التنمية الاقتصادية تحقيق الديمقراطية وفصل السلطات الثلاث، وتلازم السلطة والمساءلة، واستقلال القضاء، وتوفر الشفافية والمعلومة كحق للمواطن والمؤسسات الاعلامية، لهذه الاسباب تعتبر قرارات القمم العربية خارج الزمان والمكان فان سمة العصر الولوج بانتخابات ديمقراطية، والشعوب العربية كباقي شعوب الأرض تواقة للديمقراطية، لكن النظام العربي رسم حدودا تتحكم بسلوكياته وقراراته. فالقرارات الصادرة عن القمة لا ترقى للمستوى المطلوب ولا تشكل مدخلا حقيقيا لخروج الوطن العربي من حالة التخلف والفقر والتبعية الاقتصادية، وهيمنة النمط الاستهلاكي على اقتصادات البلدان العربية. ومع تواضع هذه القرارات من غير المتوقع ان ترى النور، فالقرارت الصادرة عن الدورتين الاولى والثانية كان مصيرها كقرارات القمم العربية حول مختلف القضايا السياسية وما زال معظمها في ادراج الجامعة العربية. المبادرة التي تبنتها القمة تنص على توفير ما يزيد على عشرة مليارات دولار للمؤسسات المالية والشركات العربية المشتركة، لتعزيز دور المشروعات الحيوية ذات البعد الإستراتيجي العربي، والمشروعات التنموية الوطنية التي تصب في صالح تلبية الاحتياجات المتزايدة من السلع والخدمات التي يحتاجها المواطن العربي. دعونا نتخيل كيف يمكن لاقل من نصف بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للاقطار العربية ان يحققق كل هذه الاهداف الطموحة للامة العربية . اقل ما يقال عن هذه النتائج انها مخجلة لدول تملك من القدرات والامكانات المالية الضخمة من الفوائض المالية المستثمرة في الخارج او المودعة في البنوك الغربية لدول تملك حوالي 57.5 % من احتياط نفط العالم الذي يعتبر شريان الاقتصاد العالمي ويتوقف على معدلات اسعار النفط استقرار الاقتصاد العالمي . هذه الاقطار العربية تعلن انها سوف توظف نصف بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي للوطن العربي لصالح الاستثمار المشترك لتحقيق تكامل اقتصادي. أما العبارات العامة والمطاطة التي استخدمت في الاتفاقية مثل التعهد بحماية المستثمر والاستثمارات وعوائدها … وتمتع المستثمر العربي بحرية الاستثمار في إقليم أية دولة طرف في المجالات المتاحة وقبل أن يسود التفاؤل تنهي الفقرة بالعبارة التالية: ” وفقا للأنظمة والقوانين المحلية “، اذا هذه التسهيلات ارتبطت بقوانين الدولة وليس باتفاقية عربية موحدة تقوم البلدان العربية بتصويب أنظمتها وقوانينها للتتكيف مع الاتفاقية العربية، وبذلك تنزع الاتفاقية من أي مضامين عربية موحدة. وخاصة عند الاسترسال بصيغ وعبارات لا ينقصها التفاؤل شكلا… حول مستقبل الاقتصاد العربي، لا تسهم بأي تقدم في مجال التكامل الاقتصادي . |
||