قبل تناول الآثار الاقتصادية للأزمة لابد من الإشارة إلى أن المتضرر الحقيقي لما يجري في العراق، الشعب العراقي أولا والأمة العربية ثانيا، من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن قتل للأبرياء، والتهميش والإقصاء والتدخل الأجنبي في شؤون العراق، ونهب الاحتكارات الرأسمالية لثرواته النفطية، وإفقار وتشريد العراقيين، ومحاولات تمزيق الدولة.. أمّا الآثار الاقتصادية لها أبعاد إقليمية ودولية.

ألقت الأزمة العراقية بظلالها على الاقتصاد العالمي، فقد هوت أسعار الأسهم في البورصات العالمية منذ الإعلان عن احتلال المسلحين لعدد من المدن العراقية، وارتفعت أسعار النفط، وسادت أجواء من الذعر في الأسواق العالمية، خشية من استمرار الأزمة، واتساع رقعة القتال ودخول العراق في حرب أهلية تؤثر على الصادرات النفطية للأسواق العالمية، في ظل المقاطعة الإيرانية، ووقف الإمدادات النفطية الليبية، فقد واصلت أسعار النفط ارتفاعها منذ سقوط الموصل بأيدي المسلحين، قبل أن تتراجع إلى أقل من 114 دولارا للبرميل في نهاية الأسبوع الماضي، بعد إعلان المملكة العربية السعودية عن استعدادها لتعويض السوق العالمي من أي انخفاض ناجم عن الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة، فقد أعلن مسؤول نفطي سعودي لوكالة رويترز أنّ السعودية لها القدرة على ضخ حوالي 12.5 مليون برميل يوميا – تنتج حاليًا حوالي 9.7 مليون برميل- وأضاف المسؤول السعودي سوف نستمر في المحافظة على توازن سوق النفط الدولي. فقد أسهم التعهد السعودي بتعويض أي نقص ناجم عن تراجع الصادرات العراقية وابتعاد الأعمال القتالية عن الجنوب العراقي ومواصلة الحكومة العراقية بتصدير النفط من البصرة، بتهدئة الأسواق العالمية.

قبل الدخول في تفاصيل ما يجري في العراق، علينا الاعتراف أولا بحقيقة موضوعية؛ وهي أن الكارثة التي حلت بالعراق هي حصيلة الاحتلال الأمريكي عام 2003، وتعيين بريمر حاكما للعراق، وقيامه بتشكيل مجلس للحكم على أسس طائفية لمساعدته، وتدمير الجيش العراقي والمؤسسات الوطنية، وتنصيب ما يسمى بالمعارضة التي دخلت العراق على ظهر الدبابة الأمريكية لقيادة الدولة العراقية بعد انتهاء مهمة بريمر، وكان حريصا على إصدار دستور طائفي للعراق يحمل بذور صراعات وأزمات طائفية ومذهبية قبل مغادرته، متضمنا 21 تشريعا طائفيا ومذهبيا للأحوال الشخصية، مقسما الشعب العراقي الى 21 تجمعا (مجاميع) على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، وتم نقل معاملات الأحوال الشخصية والمدنية للمواطنين من المؤسسات المدنية في المدن والمحافظات إلى مؤسسات دينية؛ مما أدى إلى غرس بذرة تفتيت العراق طائفيا، وقد أسس الدستور لتقسيم العراق (سنة وشيعة وكرد) وعزز العصبيات القبلية والمذهبية، واعداد العراق نحو نظام الأقاليم والفيدراليات تمهيدا لتقسيمه إلى دويلات.

حافظ الاقتصاد الصيني على زخمه خلال السنوات الستة الماضية من عمر الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت المراكز الرأسمالية، ففي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الرأسمالي في أوروبا وأمريكا واليابان من مخاطر استمرار الأزمة، وقيادة الاقتصاد العالمي نحو المجهول، ما زال الاقتصاد الصيني يسجل معدلات نمو مرتفعة، أقلها 7.7% كما هو الحال في السنتين الأخيرتين 2012/ 2013، متجاوزا توقعات الحكومة الصينية. علما أن معدل النمو الاقتصادي العالمي 2.7%.

جاء انعقاد مؤتمر لندن لبحث سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المراكز الرأسمالية، مُتزامنا مع إعلان وزارة التجارة الأمريكية عن عودة الركود الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، واستمرار حالة الركود في اليابان والاتحاد الاوروبي، وتفاقم الأزمة بشكل عام، مع اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء وارتفاع معدلات البطالة في المراكز الرأسمالية. وقد شارك في المؤتمر -الذي عُقد بنهاية الشهر الماضي، تحت شعار “الرأسمالية الشاملة”- رموز النظام الرأسمالي، بينهم كبار المسؤولين في مؤسسات تمثل أكثر من ثلاثين تريليون دولار من الأصول، تتلخص مهمتهم في الوصول لحلول تساهم بانتشال الاقتصاد الرأسمالي من أزمته، وإعادة ثقة الناس في الرأسمالية، وبحث اسباب عقم النظام الاقتصادي الرأسمالي، وتعاظم آثاره السلبية، التي اصبحت تهدد وجوده وفق بعض التعبيرات التي استخدمت في المؤتمر “التهديد الرأسمالي للرأسمالية”.
وجاء انعقاد المؤتمر بعدما استنفدت البرجوازية إمكانياتها، وأفرغت ما في جعبتها خلال السنوات الست الماضية بحثا عن مخرج للازمة، وبعد فشل سياسات ضخ الاموال للمؤسسات المالية والصناعية، وما عرف بسياسات التحفيز الاقتصادي، والتي تبعتها سياسات التقشف بزيادة الضرائب وحرمان العمال من حقوقهم التاريخية المكتسبة بتخفيض الاجور والخدمات الاجتماعية، لإخراج الاقتصاد الرأسمالي من ازمته.